خطبة عن قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ)
نوفمبر 3, 2018خطبة عن قوله تعالى (إنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا)
نوفمبر 3, 2018الخطبة الأولى (من أخلاق المسلم ( الحلم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : ( عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم قَالَ ،وَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ « إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ »
إخوة الإسلام
الحِلم خُلُقٌ عظيم مِن أخلاق الإسلام، وهو ضبطُ النفس عند الغضب، وكفُّها عن مقابلة الإساءة بالإساءة، مع تحكيم المسلم دينَه وعقلَه عند إيذاء الآخرين له، مع قُدرته على ردِّ الإيذاء بمثله، والحلم هو : الأناة والتعقل ، وفي سنن الترمذي وغيره (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ ». رواه الترمذي وحسنه ،والحلم من صفات الله جل وعلا، وقد وصف نفسه العلية بأنه “حليم” كما في قوله تعالى: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} البقرة: 225 ، فاللّه- عزّ وجلّ- حليم على عباده؛ لأنّه يعفو عن كثير من سيّئاتهم ويمهلهم بعد المعصية ولا يعاجلهم بالعقوبة والانتقام ويقبل توبتهم بعد ذلك ومن حِلـم الله تعالى :أنه يستر ذنوب عباده مهما بلغت ويأخـذ عبده المذنب يوم القيامة في كنفه فيسأله ألم تفعل كذا في الدنيا وسترتها عليك؟ فيقول العبد أجل يا رب فيقول سبحانه وأسترها عليك وأغفـرها لك اليوم ،ففي صحيح مسلم : ( صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ . حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ . فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ) ، وقال ابن حبّان رحمه اللّه تعالى: «الحلم أجمل ما يكون من المقتدر على الانتقام، وهو يشتمل على المعرفة والصّبر والأناة والتّثبّت، ومن يتّصف به يكون عظيم الشّأن، رفيع المكان، محمود الأجر، مرضيّ الفعل، ومن أجل نفاسته تسمّى اللّه به فسمّي حليما». روضة العقلاء ،وروى أبو يعلى بسند صححه المنذري عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «التّأنّي من اللّه، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من اللّه، وما من شيء أحبّ إلى اللّه من الحلم» ،قال الماورديّ- رحمه اللّه تعالى-: الحلم من أشرف الأخلاق وأحقّها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد.
أيها المسلمون
ومما يجب أن نعلمه ، إن الحلم فضيلة تقع بين رذيلتين متباعدتين ، فمن وراء يمين الحلم يأتي التباطؤ والكسل ، والتواني والإهمال ، وتتبدل الطبع عند مثيرات الغضب ، ومن وراء يسار الحلم يأتي التسرع في الأمور واستعجال الأشياء قبل أوانها ، والذي جعل الحلم فضيلة خلقية هو اعتداله ، ومسايرته لمقتضى العقل السليم ، والآثار النافعة المفيدة الخيرة التي تترتب عليه. ولقد ضرب رسول الله-صلى الله عليه وسلم أروع المثل للمسلمين في ذلك : فقد روى البخاري أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم « دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ » . ومما صح عنه صلى الله عليه وسلم من مواقف كبرى ودروس عظمى في الحلم والصبر ما رواه الشيخان (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً – قَالَ أَنَسٌ فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ – ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِى عِنْدَكَ . فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ) وفي الصحيحين : (أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ – رضى الله عنه – قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ – وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ . فَقَالَ « وَيْلَكَ ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ » ، وروى البخاري ومسلم : ( قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَسَمَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ . قُلْتُ أَمَّا أَنَا لأَقُولَنَّ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ فَسَارَرْتُهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَغَضِبَ ، حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ ثُمَّ قَالَ « قَدْ أُوذِىَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ » . وبالحلم تكن في معية الله وحفظه : فقد روي مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَىَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَىَّ. فَقَالَ « لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ». ومن الأسباب المعينة على خلق الحلم : (1) الرّحمة للجهّال، وذلك من خير يوافق رقّة، (2) القدرة على الانتصار، وذلك من سعة الصّدر وحسن الثّقة. (3) التّرفّع عن السّباب، وذلك من شرف النّفس وعلوّ الهمّة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من أخلاق المسلم ( الحلم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن النماذج التي ضرب بها المثل في الحلم ، الصحابي الجليل الأحنف بن قيس، فقد كان شديد الحلم، حتى صار يُضرَب به المثل في ذلك الخلق، فكان يقال: أحلم من الأحنف. فيحكى أن رجلا شتمه فلم يرد عليه ، ومشى في طريقه، فتبعه الرجل ، وهو يزيد في شتمه، فلما اقترب الأحنف من الحي الذي يعيش فيه ، وقف، وقال للرجل: إن كان قد بقي في نفسك شيء فقله قبل أن يسمعك أحد من الحي فيؤذيك. ويحكى أيضا: أن قوما بعثوا إليه رجلا ليشتمه، فصمت الأحنف ولم يتكلم، واستمر الرجل في شتمه حتى جاء موعد الغداء، فقال له الأحنف: يا هذا إن غداءنا قد حضر فقم معي إن شئت، فاستحيا الرجل ومشى. وكان يقول : ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث: (إن كان فوقي عرفت له فضله وإن كان مثلي تفضلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه). وكان عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشدي الخامس حليمًا صفوحًا، يتطاول عليه الرجل فلا يجيبه، فيقال لعمر: ما يمنعك منه؟ فيجيب: إن التقى مُلْجِمٌ. وحدث ذات ليلة، خرج الخليفة عمر بن عبد العزيز ليتفقد أحوال رعيته ومعه الحارس، فدخلا مسجدًا وكان المسجد مظلمًا، فتعثر عمر برَجُلٍ نائم، فرفع الرجل رأسه وقال له: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا. وأراد الحارس أن يضرب الرجل، فقال له عمر: لا تفعل، إنما يسألني: أمجنون أنت؟ فقلت له: لا. أما عن حلم الشافعي رحمه الله: فقد روي أن الشافعي – رحمه الله – خرج ذات يوم من المسجد فقال له رجل: يا شافعي: قال: لبيك. قال: أنت فاسق! فقال الشافعي: اللهم إنْ كنتُ كما قال فتب عليَّ. وإن لم أكن كما قال فاغفر لي. وفى اليوم الثاني: حدث كما حدث في اليوم الأول، وفى اليوم الثالث كذلك. فقال له الشافعي: يا هذا: إن العالم كالشجرة والعلم كالثمرة. فخذ الثمر ولا شأن لك بالشجرة، فعاتبه صاحب له: أمَا كان لك أن ترد عليه؟! فقال الشافعي: يخاطبني السفيه بكل قبح وآبى أن أكون له مجيبا يزيد سفاهة وأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا
أيها المسلمون
اتقوا الله ، واتصفوا بالحلم ، وتحلوا بالعفو والصفح ، يكتب الله تعالى لكم الخير والسداد والتوفيق والرشاد ، وصدق ربي إذ يقول في محكم آياته : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت 33 : 36 ،
الدعاء