خطبة عن: من أخلاق المسلم :(الرضا)
مايو 5, 2018خطبة عن :من أخلاق المسلم :(الكرم والجود والسخاء)
مايو 12, 2018الخطبة الأولى (من أخلاق المسلم 🙁 الصبر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) لقمان 17 ، ووصف عباده المؤمنين بقوله تعالى : ( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) البقرة 177 ، وروى البخاري في صحيحه ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ »
إخوة الإسلام
الصبر خلق وصفة أساسية في حياة المؤمن، يُعرف به حقيقة الإيمان ،وحسن اليقين بالله، وهو كما قال أبو طالب المكي: من كانت التقوى مقامه، كان الصبر حاله .. لأنه به يكون كف الأذى عن الخَلق واحتمال الأذى من الخَلق، وهذه من عزائم الأمور التي يضيق منها أكثر الصدور، فَخلق الصبر خُلُقٌ بلغت قيمته أعلى الدرجات ، ولذلك فلابد أن نتعرف عليه ،وعلى أنواعه، وحالاته وفضائله. وبداية : فالصبر في اللغة : الحبس والمنع، وهو ضدّ الجزع والصبر : هو أن يلتزم الإنسان بما يأمره الله به فيؤديه كاملا، وأن يجتنب ما ينهاه عنه، وأن يتقبل بنفس راضية ما يصيبه من مصائب وشدائد. وقد عرفه بعضهم بأنه: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم، وشق الجيوب، ونحو ذلك. وللصبر أنواع كثيرة، منها: 1- الصبر على الطاعة: فالمسلم يصبر على الطاعات؛ لأنها تحتاج إلى جهد وعزيمة لتأديتها . 2- الصبر عن المعصية: فالمسلم يقاوم المغريات التي تزين له المعصية، وهذا يحتاج إلى صبر عظيم. 3- الصبر على المصائب: فالمسلم يصبر على ما يصيبه في ماله أو نفسه أو أهله, وقال الإمام علي: ( إن صبرتَ جرى عليك القلم وأنتَ مأجور (لك أجر وثواب)، وإن جزعتَ جرى عليكَ القلم وأنت مأزور (عليك وزر وذنب) ، 4- الصبر على أذى الناس: قال صلى الله عليه وسلم : كما في سنن الترمذي :« إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذِى لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ » ، ومن نماذج صبر الانبياء عليهم السلام : فهذا نبي الله أيوب عليه السلام وصبره على البلاء: فقد كان نبي الله أيوب عليه السلام، غاية في الصبر، وبه يضرب المثل في ذلك، قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 83- 84]. وفي المستدرك للحاكم ووافقه الذهبي (عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن أيوب نبي الله لبث به بلاؤه خمسة عشر سنة فرفضه القريب و البعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه قد كانا يغدوان إليه و يروحان فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : نعلم و الله لقد أذنت أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين فقال له صاحبه : و ما ذاك ؟ قال : منذ ثمانية عشر سنة لم يرحمه ربه فكشف عنه ما به ،فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك فقال له أيوب : لا أدري ما تقول غير أن الله يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان يذكران الله فارجع إلى بيتي فاكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد و شراب فاستبطأته فتلقته و أقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء و هو أحسن ما كان فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى و الله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا قال : فإني أنا هو قال : و كان له أندران أندر للقمح و أندر للشعير فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض و أفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض)
وهذا نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وصبرهما على طاعة الله: رأى نبي الله إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل؛ ورؤيا الأنبياء وحي، فأخبر ابنه بذلك، وعرض عليه الأمر. قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102]. قَالَ إسماعيل صابرًا محتسبًا، مرضيًا لربه، وبارًّا بوالده: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} أي: امض لما أمرك الله سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ أخبر أباه أنه موطن نفسه على الصبر، وقرن ذلك بمشيئة الله تعالى، لأنه لا يكون شيء بدون مشيئة الله تعالى. {فَلَمَّا أَسْلَمَا} أي: إبراهيم وابنه إسماعيل، جازمًا بقتل ابنه وثمرة فؤاده، امتثالًا لأمر ربه، وخوفا من عقابه، والابن قد وطَّن نفسه على الصبر، وهانت عليه في طاعة ربه، ورضا والده، {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أي: تلَّ إبراهيم إسماعيل على جبينه، ليضجعه فيذبحه، وقد انكب لوجهه؛ لئلا ينظر وقت الذبح إلى وجهه. {وَنَادَيْنَاهُ} في تلك الحال المزعجة، والأمر المدهش: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ} أي: قد فعلت ما أمرت به، فإنك وطَّنت نفسك على ذلك، وفعلت كل سبب، ولم يبق إلا إمرار السكين على حلقه إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ في عبادتنا، المقدمين رضانا على شهوات أنفسهم” (تيسير الكريم الرحمن للسعدي).
ومن المواقف التي يتجلّى فيها صبره عليه الصلاة والسلام ، ما تعرض له من أذى جسدي من قومه وأهله وعشيرته وهو بمكة يبلغ رسالة ربه ، ومن ذلك ما جاء عند البخاري : (عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخْبِرْنِى بِأَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُصَلِّى بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِى مُعَيْطٍ ، فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ ، وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَقَالَ : ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّىَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ) ، وروى البخاري ومسلم : (أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ « لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِى عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِى ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِى ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِى فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، فَنَادَانِى مَلَكُ الْجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَىَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا » ، وروى البخاري : ( عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ – رضى الله عنه – قَالَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قِسْمَةً ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَاللَّهِ مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِهَذَا وَجْهَ اللَّهِ . فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَخْبَرْتُهُ ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ « رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى ، لَقَدْ أُوذِىَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ »
ومن نماذج صبر الصحابة رضي الله عنهم : صَبرُ آل ياسر رضي الله عنهم: فآل ياسر رضي الله عنهم – عمار، وأبوه ياسر، وأمه سمية – يعذبهم المشركون بسبب إيمانهم فيصمدون، وروى الحاكم في المستدرك عن ابن إسحاق قال: (كان عمار بن ياسر وأبوه وأمه أهل بيت إسلام، وكان بنو مخزوم يعذبونهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: صبرًا يا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة)) ، وهذا بلال بن رباح رضي الله عنه يعذب من أجل إيمانه فيصبر، (فكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره ثم يقول: لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد، فيقول وهو في ذلك: أحد أحد) ، وقال ابن مسعود: (أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وبلال، وصهيب، والمقداد. فأما النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر: فمنعهما الله بقومهما. وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من أخلاق المسلم 🙁 الصبر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زال حديثنا موصولا عن الصبر ، ونماذج من صبر الصحابة رضي الله عنهم : وأما عن صبر أم سليم رضي الله عنها وصبرها عند فقد ابنها: ففي مسند أحمد : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ مَاتَ لَهُ ابْنٌ فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لاَ تُخْبِرُوا أَبَا طَلْحَةَ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِى أُخْبِرُهُ. فَسَجَّتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ وَضَعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَاماً فَأَكَلَ ثُمَّ تَطَيَّبَتْ لَهُ فَأَصَابَ مِنْهَا فَعَلِقَتْ بِغُلاَمٍ فَقَالَتْ يَا أَبَا طَلْحَةَ إِنَّ آلَ فُلاَنٍ اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فُلاَنٍ عَارِيَةً فَبَعَثُوا إِلَيْهِمْ ابْعَثُوا إِلَيْنَا بِعَارِيَتِنَا فَأَبَوْا أنْ يَرُدُّوهَا. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إِنَّ الْعَارِيَةَ مُؤَدَّاةٌ إِلَى أَهْلِهَا. قَالَتْ فَإِنَّ ابْنَكَ كَانَ عَارِيَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَبَضَهُ . فَاسْتَرْجَعَ َالَ أَنَسٌ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِذَلِكَ فَقَالَ « بَارَكَ اللَّهُ لَهُمَا فِي لَيْلَتِهِمَا ». قَالَ فَعَلِقَتْ بِغُلاَمٍ فَوَلَدَتْ فَأَرْسَلَتْ بِهِ مَعِي أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَحَمَلْتُ تَمْراً فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ وَهُوَ يَهْنَأُ بَعِيراً لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « هَلْ مَعَكَ تَمْرٌ ». قَالَ قُلْتُ نَعَمْ. فَأَخَذَ التَّمَرَاتِ فَأَلْقَاهُنَّ فِي فِيهِ فَلاَكَهُنَّ ثُمَّ جَمَعَ لُعَابَهُ ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ فَأَوْجَرَهُ إِيَّاهُ فَجَعَلَ الصَّبِىُّ يَتَلَمَّظُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « حُبُّ الأَنْصَارِ التَّمْرَ ». فَحَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ فَمَا كَانَ فِي الأَنْصَارِ شَابٌّ أَفْضَلَ مِنْهُ ).
ومن نماذج صبر الصحابة رضي الله عنهم : عروة بن الزبير وصبره على الابتلاء: وقعت الأكلة في رجل عروة بن الزبير، فصعدت في ساقه، فبعث إليه الوليد، فحُمل إليه ودعا الأطباء فقالوا: ليس له دواء إلا القطع، وقالوا له: اشرب المرقِد فقال عروة للطبيب: “امض لشأنك، ما كنت أظن أن خلقًا يشرب ما يزيل عقله حتى يعرف به”، فوضع المنشار على ركبته اليسرى، فما سُمع له حسٌّ، فلما قطعها جعل يقول: “لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت” وما ترك جزءه من القرآن تلك الليلة، قال الوليد: “ما رأيت شيخًا قط أصبر من هذا”، ثم إنه أصيب بابنه محمد في ذلك السفر، ركضته بغلة في إصطبل، فلم يُسمع من عروة في ذلك كلمة، فلما كان بوادي القرى قال: “{لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف:63]، اللهم كان لي بنون سبعة، فأخذت واحدًا وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذت واحدًا وأبقيت ثلاثة، ولئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت”. (سير أعلام النبلاء) للذهبي ،وفي الصحيحين : (عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى . قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي . قَالَ « إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ » . فَقَالَتْ أَصْبِرُ . فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا ، وفي البخاري : (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهْىَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَلاَ تُحَدِّثُنِى عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ ، صَبَرْتُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ . قَالَ « يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى » . أما عن الجزاء : فقد جعل الله للصابرين من الأجر والجزاء ما ليس لغيرهم؛ فقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة 156 ، 157،
أيها المسلمون
والحذر الحذر من الجزع عند ونزول المصيبة فإنها علامة سوء . واعتراض على الرب جل وتقدس سبحانه .ومن مظاهر الجزع والتسخط على قضاء الله وقدره .النياحة على الميت, والصراخ والعويل وشق الجيوب والطم الخدود . ونحو ذلك مما هو طباع أهل الجاهلية. فقد ثبت في الصحيحين ( عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ » ، وجاء في الصحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ « النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ ».
الدعاء