خطبة عن (تدبر القرآن والعمل به)
أكتوبر 13, 2018خطبة عن (رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي) مختصرة
أكتوبر 17, 2018الخطبة الأولى (من أخلاق المسلم ( سلامة القلب والصدر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء 88، 89، (وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ « كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ». قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ « هُوَ التَّقِىُّ النَّقِيُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْىَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وصححه الألباني
إخوة الإسلام
حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عن خلق عظيم من أخلاق المسلمين ألا وهو / ( سلامة القلب ونقاء الصدر) : ومعنى سلامة القلب والصدر: أن يكون القلب مليئا بنور الإيمان ، مؤمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وبالقضاء خيره وشره ، أن يكون مليئا بالإخلاص ، والتوكل ، والمراقبة ، واليقين ، ومحبا لله ورسوله والمؤمنين وأن يكون القلب سليما خاليا من الكفر ، والشرك ، والريبة ، والنفاق ، والرياء ، والكبر ، والعظمة ،والعجب والخيلاء ، والكذب ،والبهتان وكل ما ينقص الايمان ، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على سلامة قلبه ، ففي سنن الترمذي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ ». وفي مسند أحمد وسنن النسائي : (عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ فِي صَلاَتِهِ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ وَالْعَزِيمَةِ عَلَى الرُّشْدِ وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا وَلِسَانًا صَادِقًا وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ »
ومن صور سلامة القلب ، ما رواه أحمد في مسنده (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا جُلُوساً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ». فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وَضُوئِهِ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ ذَلِكَ فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الأُولَى فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضاً فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ إِنِّي لاَحَيْتُ أَبِى فَأَقْسَمْتُ أَنْ لاَ أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاَثاً فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُئْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِىَ فَعَلْتَ. قَالَ نَعَمْ . قَالَ أَنَسٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ الثَلاَثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئاً غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ غَيْرَ أَنِّى لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلاَّ خَيْراً فَلَمَّا مَضَتِ الثَلاَثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِى غَضَبٌ وَلاَ هَجْرٌ ثَمَّ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لَكَ ثَلاَثَ مِرَارٍ « يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ». فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَلاَثَ مِرَارٍ فَأَرَدْتُ أَنْ آوِىَ إِلَيْكَ لأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِىَ بِهِ فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ فَمَا الَّذِى بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ. قَالَ فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي. فَقَالَ مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّى لاَ أَجِدُ فِي نَفْسِى لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلاَ أَحْسُدُ أَحَداً عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِىَ الَّتِي لاَ نُطِيقُ ).
من أعظم فوائد سَلَامة الصَّدر : أنَّها سبيل لدخول الجنَّة، فهي صفة من صفات أهلها، ونعت من نعوتهم، قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشُّعراء:88-89]. – ومن فوائد سَلَامة الصَّدر : أنَّها تكسو صاحبها بحلَّة الخيريَّة، وتلبسه لباس الأفضلية، ففي سنن ابن ماجة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَىُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ « كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ». قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ « هُوَ التَّقِىُّ النَّقِيُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْىَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ ». – ومن فوائد سَلَامة الصَّدر : أنَّها تجمع القلب على الخير والبِرِّ والطَّاعة والصَّلاح، فلا يجد القلب راحة إلا فيها، ولا تقرُّ عين المؤمن إلا بها. – ومن فوائد سَلَامة الصَّدر : أنَّها تزيل العيوب، وتقطع أسباب الذُّنوب، فمن سَلِم صدره، وطَهُر قلبه عن الإرادات الفاسدة، والظُّنون السَّيئة، عفَّ لسانه وجوارحه عن كلِّ قبيح.
والسؤال : كيف أكون سليم الصدر ؟؟ : فسلامة الصدر تكون بخلوه من سوء الظن بالمسلمين، ومن الحقد، والحسد، والبغض، والكراهية لهم، وهي راحة للقلب، وطيب في النفس، والأصل في المسلم أن يكون سليم الصدر لإخوانه المسلمين مسامحًا لهم، وَهُوَ يُثمر طيب النَّفس، وسماحة الْوَجْه، وَإِرَادَة الْخَيْر لكل أحد، والشفقة، والمودة، وَحسن الظَّن، وَيذْهب الشحناء، والبغضاء، والحقد، والحسد، وَلذَلِك ينَال بِهَذِهِ الْخصْلَة مَا ينَال بالصيام، وَالْقِيَام.
أيها المسلمون
وما هي الأسباب المعينة على سلامة الصدر؟؟ : من أراد أن يكون سليم الصدر، سليم القلب، فليأخذ بأسباب سلامة الصدر وطهارة القلب، وهذه بعضها: – التعلق بالله سبحانه وحده دون أحد سواه؛ فهو مصرف القلوب، ومدبر الأمور. – طاعته والاستجابة لأمره؛ ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر : الإقبال على الله بالتضرع والدعاء وأن تلهج بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يجعل قلبك سليمًا من الغِلِّ والضغينة والحقد والحسد؛ ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر : إفشاء السلام بين المسلمين: فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا .أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ » رواه مسلم . – ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر : الإحسان إلى الفقراء والمحتاجين؛ فقد قال الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة:103] ، ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر : إصلاح ذات البَيْن: فلا ينبغي ترك المشاكل تتكاثر، والصراعات تتفاقم، والعداوات تدوم حتى توغر الصدور، وتملأ القلوب حقدًا وكراهية وبغضاءَ؛ ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر : حسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل: فإن سوء الظن بالناس مما يغرس الحقد والكراهية في النفوس ، ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر : التماس الأعذار، وإقالة العثرات، والتغاضي عن الزلات: يقول ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء، فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد، فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه. ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر : محبة الخير للمسلمين: ففي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من أخلاق المسلم ( سلامة القلب والصدر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر : الرضا بما قسم الله وقدر: فإن العبد إذا أيقن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بحاله، ولم يجد في قلبه حسدًا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه؛ روى مسلم في صحيحه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ » ومِن أسباب سلامة الصدر: اجتناب أسباب التشاحن والتباغض؛ من غضب وحسد، ونميمة وزور، وتنافس على الدنيا؛
أيها المسلمون
وإذا كان الاسلام قد رغب أتباعه في ( سلامة الصدر والقلب ) ، فقد حذرهم مما هو يخالف ذلك ، من امتلاء القلوب بالغل ،والحسد ،والكراهية ، والضغينة ، وروى الترمذي وغيره (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ..) ، فالغل والحقد والحسد، وأمراض القلوب، لا يمكن أن تجتمع في قلب يحتوي عليه الإيمان؛ لأن بينهما تضاد وتنافر، فالقلب المفعم بالإيمان، طارد للغل، طارد للحسد، لا يرضى أن يشاركه في ذات المكان، ونفس الظرف، وهذا مصداق قول النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما أخرج النسائي وحسنه الألباني : “ وَلاَ يَجْتَمِعَانِ فِى قَلْبِ عَبْدٍ الإِيمَانُ وَالْحَسَدُ ». والحاقد والحاسد والكائد ألعوبة في يد الشيطان، وأحبولة يحركه كيف يشاء. روى مسلم : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ » . وروى الترمذي بسند صحيح : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَفَ عَلَى أُنَاسٍ جُلُوسٍ فَقَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ ». قَالَ فَسَكَتُوا فَقَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ رَجُلٌ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِخَيْرِنَا مِنْ شَرِّنَا. قَالَ «خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ وَشَرُّكُمْ مَنْ لاَ يُرْجَى خَيْرُهُ وَلاَ يُؤْمَنُ شَرُّهُ » ، فالحقد أينما وجد لا يتمكن إلا من النفوس المنحطة الوضيعة وعند أحقر الطبقات من الناس أما ذووا الهمم العالية والمروءات العظيمة والأخلاق الكريمة فهؤلاء أبعد ما يكونون عن الحقد وتوابعه . قال الماورديّ رحمه الله: “اعلم أنّ الحسد خلق ذميم، مع إضراره بالبدن، وإفساده للدّين، حتّى لقد أمر الله بالاستعاذة من شرّه، فقال تعالى: ﴿ وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ﴾ [الفلق، 5]. وحسبُك بذلك شرّا، ولو لم يكن من ذمّ الحسد إلّا أنّه خلق دنيء، يتوجّه نحو الأكفاء والأقارب، ويختصّ بالمخالط والصاحب، لكانت النزاهة عنه كرما، والسلامة منه مغنما، فكيف وهو بالنّفس مضرّ، وعلى الهمّ مصرّ، حتّى ربّما أفضى بصاحبه إلى التلف، من غير نكاية في عدوّ، ولا إضرار بمحسود”. وقال بعض الحكماء: ما أمْحَقُ للإيمان، ولا أهتكُ للستر من الحسد؛ وذلك أن الحاسد مُعانِد لحكم الله، باغٍ على عباده، عاتٍ على ربه، يعتدُّ نِعَم الله نِقَمًا، ومزيده غِيَرًا، وعدلَ قضائِه حيفا، للناس حالٌ وله حال، ليس يَهدأ، ولا ينام جشعه، ولا ينفعه عيشه، محتقرٌ لنِعَم الله عليه، متسخِّط ما جرت به أقداره، لا يبرد غليله، ولا تُؤمَن غوائله، إن سالمته وَتَرَك، وإن واصلته قَطَعَك، وإن صَرَمته سبقك. الحسد داء يَقتل صاحبه: فصدر الحَسود يَضيق، وقلبه يتفطّر ألماً إذا رأى نعمة الله على أخيه، فيُعاني من البؤس، مما لا يستطيع معه أن يبث ما يجده من الحزن والقلق، ولا يقدر على الشكوى إلا إلى الشيطان ونفسه الأمارة بالسوء، أو مَن هو على شاكلته في الحسد. فالحَسُود مُعَذب؛ لا ينقطع غمه، ولا يستريح قلبه، ولا تسكن ثائرته، ساخط على ربه وعلى الناس، معذب النفس، منغص البال، دائم الهم، فقاتلَ الله الحسود، لا يفعل الخير ولا يحبه لإخوانه، غاية أمنيته زوال نعمة الله عن عباده.
الدعاء