خطبة عن قوله تعالى (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
يونيو 23, 2018خطبة عن حديث (ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ)
يونيو 30, 2018الخطبة الأولى (من أخلاق المسلم : ( غض البصر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) النور 30 ،31، وقال عز وجل : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الاسراء 36 ،وروى مسلم في صحيحه 🙁 عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِى.) ،وروى الترمذي وغيره : (عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ قَالَ « يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ »، وفي صحيح البخاري : (مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا ، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ »
إخوة الإسلام
غض البصر عبادة من العبادات ،فرضها الله – سبحانه وتعالى على الإنسان ،وشدد عليها القرآن ، مخاطباً الرجال والنساء ، فقد من الله سبحانه وتعالى علينا بنعم كثيرة ظاهرة وباطنة لا تعد ولا تحصى، ومن أعظم هذه النعم نعمة البصر ،التي عن طريقها يطلع الإنسان على عظمة الواحد الأحد في خلقه ،فإذا استخدمها العبد في طاعة الله عز وجل ،نال الأجر والثواب ،ورضا الله عز وجل، أما إذا استخدمها في معصية الله والعياذ بالله، فإنها تكون سبباً للحسرة والندامة في الدنيا، والعذاب في الآخرة، فاستخدام هذه النعمة العظيمة فيما حرم الله يوقع في فتنة، ويفتح باب كل شهوة، فالنظرة سهم مسموم من سهام إبليس ،فعن طريقها تضعف العزائم ،وتكثر الفاحشة ،وينتشر الزنا ، وبسبب النظر ضاع كثير من العباد، والزهاد، والطائعين، وكم وقع بسببه أناس في الزنا والفاحشة ما ظهر منها وما بطن ، ومن المعلوم أن العين مرآةُ القلب، فإذا غضَّ الإنسان بصرَه ،غضَّ القلب شهوتَه وإرادتَه، واستراحت الحواس ،وهدأت ،وقامت بواجباتها التي من اجلها خلقها البارئ عز وجل، بينما إذا أطلق الإنسان بصره ،أطلق القلب شهوته ،مما يؤدي في النهاية إلى الوقوع في الهوى ، والخطيئة ، والتي من شأنها أن تجلب العار ،وتغذي الرذيلة ،وتعمل على نشرها حتى تموت الشهامة، وتنهار المروءة ،فتتفشى الموبقات وتنتشر الأمراض ،ويبتعد القوم عن ذكر الله عز وجل في مجالسهم، ويحل محله الحديث حول الغانيات ،والصرعات التي تدعو إلى العري والابتذال. ولقد كان السلف الصالح يبالغون في غض البصر حذراً من فتنته ، وخوفاً من عاقبته، وكذلك يحذِّرون من إطلاقه على المحرمات والعورات, وإليك شيئاً مما قالوا: قال ابن مسعود رضي الله عنه :” ما كان من نظرة فإن للشيطان فيها مطعماً ” ، وكان الربيع بن خيثم –رحمه الله – يغض بصره فمر به نسوة فأطرق – أي أمال رأسه إلى صدره – حتى ظن النسوة أنه أعمى فتعوذن بالله من العمى. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ” الشيطان من الرجل في ثلاث منازل: في بصره وقلبه وذَكَرِهِ. ومن المرأة في ثلاث منازل: في بصرها وقلبها وعجزها ” ،وقال عيسى بن مريم عليه السلام : ” النظر يزرع في القلب الشهوة وكفى بها خطيئة ” ،وقال معروف – رحمه الله -:” غضوا أبصاركم ولوا عن شاة أنثى ” ، وقال ذو النون عليه السلام : ” اللحظات تورث الحسرات ،أولها أسف ،وآخرها تلف ،فمن طاوع طرفه تابع حتفه ” ،وقال الإمام أحمد – رحمه الله -:” كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل؟ ” ، وقال ابن المسيب – رحمه الله -: ” إذا رأيتم الرجل يديم النظر إلى غلام أمرد فاتهموه “, وقال عمر رضي الله عنه : ” الغلام الأمرد أضر على العالم من السبع الضاري ” ، وقال ابن القيم – رحمه الله” أول أسباب العشق الاستحسان سواء نظر إليه أو سمع به ” ، وقال ابن رجب – رحمه الله-: ” لا يجوز النظر إلى الأمرد بشهوة وغيرها من غير حاجة كل ذلك لخوف الفتنة والوقوع في الهلكة “. ويشير ابن القيم إلى أن غض البصر يقوي القلب ويفرحه ويكسبه نوراً وثباتاً وشجاعة وقوة، و يورث المسلم فراسة صادقة يميز بها بين الحق والباطل، فالله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس العمل، فإن غض بصره عن محارم الله عوضه الله بأن يطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة
أيها المسلمون
والسؤال ، كيف يعالج المسلم نفسه من النظر الى المحرمات ؟ فأقول : على المسلم المبتلى بهذا المرض أن يعالج نفسه بالآتي : أولها : الدعاء والفرار واللجوء إلى الله تعالى ، فهو الهادي ،وملجأ المضطرين ،وغياث الملهوفين، ومجير المستجيرين ،والمفرج الكروب ،والمصرف والمقلب القلوب، ليصرف القلوب للطاعة، ومن الدعاء المأثور:( اللهم طهر قلبي من النفاق، وعملي من الرياء، ولساني من الكذب، وعيني من الخيانة، فانك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور). ودعاء يونس، كما في مسند أحمد وسنن الترمذي والمستدرك (عَنْ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ». وثانيها : التبصير بفوائد غض البصر، وبخطر إطلاق البصر للمحرمات، فالنظر للحرام سببٌ للشقاء والأمراض النفسية؛ وثالثها: استحضار إطلاع الله وإحاطته بك. وتذكر شهادة العينين عليك يوم القيامة.. وأن تعلم أنه لا خيار لك في هذا الأمر مهما كانت الظروف والأحوال. رابعها : الإكثار من نوافل العبادات. والصوم. وذكر الله على كل حال. خامسها : تذكر منافع غض البصر.. والبعد عن فضول النظر. سادسها : مجاهدة النفس وتعويدها على غض البصر, والصبر على ذلك. سابعها : تجنب المواطن التي تخشى فيها من فتنة النظر, واقطع أسبابه المهيِّجة. ثامنها : تذكر الموت القبر والحشر والصراط و الجنة والنار. تاسعها : معرفة أن النظر الحرام زنا العينين.. وتذكر أنك كما تدين تدان.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من أخلاق المسلم : ( غض البصر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
واعلموا أن إطلاق البصر سبب لأعظم الفتن, فكم فسد بسبب النظر من عابد؟، وكم انتكس بسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين؟، وكم وقع بسببه أناس في الزنا والفاحشة والعياذ بالله؟. فالنظر المحرمة أصل لعامة المصائب التي تصيب الإنسان من هذه الشهوات المحرمة، فالنظرة تولد الخطرة، والخطرة تولد الفكرة، والفكرة تولد الشهوة، والشهوة تولد الإرادة، والإرادة تصبح عزيمة، والعزيمة تولد الفعل، وتجعله واقعة،
يا رمياً بسهام اللحظ مجتهد *** أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
يا باعث الطرف يرتاد الشفاء له*** أحبس رسولك لا يأتيك بالعطب
فالنظر المحرم يورث الحسرات؛ لأن الإنسان يرى ما ليس قادراً عليه، ولا صابراً عنه، وهذا من أعظم العذاب ، وقال الله تعالى : (فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (26) الزمر
الدعاء