خطبة عن حديث (الصَّابِرُ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ)
نوفمبر 16, 2019خطبة عن (من أهداف الشيطان)
نوفمبر 16, 2019الخطبة الأولى ( من أدلة البعث بعد الموت )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ (7) التغابن ، وروى الترمذي في سننه : (عَنْ عَلِىٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ وَيُؤْمِنُ بِالْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ ».
إخوة الإسلام
إن من عقيدة المسلم الإيمانَ بالبعث بعد الموت، قال الطحاوي – رحمه الله -: الإيمانُ بالمعاد مما دلَّ عليه الكتابُ والسنة والعقلُ والفطرة، فأخبر الله سبحانه عنه في كتابه العزيز ، وأقام الدليل عليه، وردَّ على مُنكريه في غالب سُوَر القرآن الكريم . قال الله تعالى : ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ (6) ،(7) الحج ، وقال الله تعالى : (وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا) الإسراء (49) :(52) ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلاَّ عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ ». فالبعث بعد الموت، وحشر الخلائق إلى بارئها ،لنيل جزائها يوم القيامة، من العقائد الأساسية في القرآن الكريم، ولما كانت هذه العقيدة محل شك ،واستبعاد من قبل المشركين، كما حكى الله عنهم قولهم: {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} الواقعة (47) :(50) ، لهذا فقد اهتم القرآن الكريم اهتماماً بالغاً ،بإثبات هذه العقيدة وتقريرها، والرد على المشككين فيها،
وقد تنوعت أدلة القرآن الكريم في تقرير هذه العقيدة ، بين إخبار بوقوع البعث، وتدليل على وقوعه، واستدلال بالحس على إمكانه، وتشبيهه بأمور تجري واقعاً في الحياة، وبين ذكر قصص متنوعة ، لحالات تم فيها بإرادة إلهية إحياء الموتى، وهكذا نهج القرآن الكريم في استدلاله على إمكانية البعث ،وتحقق وقوعه ،منهجا قويما ، يجمع بين ما فطرت عليه النفوس من الإيمان بما تشاهد وتحس ، ويقع منه تحت تأثير السمع والبصر ، وبين ما تقرره العقول السليمة ، ولا يتنافى مع الفطر المستقيمة ، فكان منهج القرآن ن في استدلاله على البعث كما يلي : أولا : الاستدلال على البعث بمن أماتهم الله ثم أحياهم ، كما اخبر الله تعالى عن ذلك ومنهم : 1- قوم موسى ، قال الله تعالى 🙁 وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة (55) ،(56) ،2- المضروب بعضو من أعضاء البقرة كما قال تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة (72) ،(73) . 3- الذين اخبر الله عنهم بقوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ) البقرة 243. وهؤلاء قوم من بني إسرائيل وقع فيهم الوباء ففروا هاربين ، قال ابن عباس : ” كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون ،وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت ،فأماتهم الله تعالى ، فمر بهم نبي فدعا الله فأحياهم ” 4- قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة (259) ،5- سؤال إبراهيم عليه السلام عن كيفية أحياء الموتى ، قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة (260). 6- ما أخبر الله به عن عيسى عليه السلام من أنه كان يحيي الموتى بإذن الله كما قال تعالى : (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) آل عمران 49 . فهذه الأدلة المتقدمة أدلة مادية حسية ، وقد شاهدها من حضرها، ووقعت كلها ،لتدل على قدرة الله على أحياء الموتى بعد مماتهم ، وهذا برهان قطعي على القدرة الإلهية ،وقد أخبر الله ورسله عن وقوع البعث والحشر ،فوجب القطع بذلك ،لأنه أخبر به من ثبت صدقه ، عمن ثبتت قدرته.
ثانيا : الاستدلال على البعث بالنشأة الأولى ، ومن الآيات الدالة على ذلك ما يلي : قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) الحج (5) :(7)، ففي هذه الآيات دليلان على إمكان البعث ، أحدهما دليل في الأنفس والآخر دليل في الآفاق ، فأما الدليل الذي في الأنفس فهو ما اشتمل عليه صدر الآية وهو متعلق بالنشأة الأولى ، وأما الدليل الآفاقي فهو قوله تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) الحج (5) . ومن الاستدلال على البعث بالنشأة الأولى أيضا: قول الله تعالى : (وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا) الاسراء (49) :(51) ، وشبهات المنكرين للبعث تكاد تكون متجانسة ،لأنها تدور حول استبعاد جمع الأجزاء بعد تفرقها ،وإعادة الحياة إليها بعد فنائها ،وهذه الشبه لا تكون إلا بالقدح في كمال علم الله، المحيط بكل شيء ،وكمال قدرته على كل شيء ، وقد قام البرهان على كمال العلم والقدرة لله تعالى ، فلا وجه للاستبعاد ،والاستغراب بعد ذلك ، ففي قوله تعالى : (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ) الاسراء ) 50 ، 51 ،فالمعنى: أنكم مهما تفرقتم ،وعلى أية حال كنتم ،فالله قادر على إعادة الحياة إليكم مرة أخرى ، وفي قوله تعالى : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) . استدلال بالنشأة الأولى على الثانية ،وهذا هو الشاهد من الآية ، بهذا المنطق الصحيح ،والبرهان القاطع ،يرد القرآن الكريم على ذلك المنكر ،ويجادله في أسلوب هادئ محكم ،فيلزمه الحجة الواضحة ،
أيها المسلون
أما عن الاستدلال على إمكان البعث بخلق الأكوان ، مثل السماوات والأرض ، فان خلقها أعظم من خلق الإنسان ، ومن الآيات الدالة عليه ما يلي : 1- قول الله تعالى 🙁 وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا) الاسراء (98) ،(99) ، وقال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الاحقاف (33) .فجميع الآيات السابقة وما في معناها من الآيات ، أكبر برهان على قدرة الله المطلقة ،التي لا تقيد بقيود ،ولتنتهي عند حدود ، فان تلك الآيات الكونية مما هو معروف ببداهة العقول، أن خلقها أعظم من إعادة خلق الإنسان . رابعا : الاستدلال على إمكان البعث بخلق النباتات المختلفة : ومن الآيات ما يلي : 1- قول الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الاعراف (57) ، 2- قوله تعالى : (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) فاطر (9) . 3- قوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فصلت (39) .ففي هذه الآيات السابقة استدلال بتبدل أحوال النباتات ، من حياة إلى موت فحياة ، وسلب خاصية النشوء والنماء في بعض النباتات ،فتهمد وتتفتت ،ثم تسقى بالماء فتعود إليها تلك الخاصية ، فلو كان مستحيلا إعادة الحياة إلى الإنسان مرة أخرى ،لما عادت الحياة إلى النباتات المختلفة بعد موتها ،لأن المشابهة واضحة في القدرة الإلهية في إعادة الحياتين سيرتهما الأولى ،ولهذا لفت القرآن الكريم أنظار المنكرين إلى التبصر في الموجودات الحسية ،واستنتاج العظات والعبر منها ،ليعود للنفس إيمانها ، فتسعد بالطمأنينة والاستقرار ، وقد تقدمت المشابهة بين إعادة الحياة إلى النبات بالمطر ،وإعادة بناء الأجساد وإنباتها بالمطر الذي يجعله الله عند البعث ،وهو مطر كمني الرجال فتنبت منه الأجساد . ففي المستدرك للحاكم (فيرسل الله ماء من تحت العرش كمني الرجال فتنبت جثمانهم من ذلك الماء كما ينبت الأرض من الثرى)
خامسا : الاستدلال على البعث بأن حكمة الله وعدله يقتضيان البعث والجزاء . فان الله تعالى لم يخلق الناس عبثا ولن يتركهم سدى قال الله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) القيامة (36) . وقال الله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون (115) ،(116) ، فعدل الله وحكمته ،وإحقاقه الحق ،وإبطاله الباطل ،وإعطاؤه كل ذي حق حقه ،وتميزه بين الخبيث والطيب ،والمحسن والمسيء ،كل ذلك يأبى إلا أن يكون هناك يوم آخر بعد نهاية الدنيا ،ينال فيه كل إنسان جزاؤه ،وما يستحقه من الثواب والعقاب ،على ما قدم من خير أو شر . فإننا نرى أناسا يفارقون الدنيا وهم ظالمون لم يقتص منهم ، ونرى أناسا آخرين يفارقون الدنيا مظلومين لم ترد إليهم مظالمهم ، ونرى أشرارا في الدنيا منعمين ،ونرى أخيارا فيها معذبين ،فإذا ذهب كل إنسان بما فعل ،إن ظالما أو مظلوما ،محظوظا أو مهضوما ،كان ذلك خدشا في عظمة الألوهية ، وعدلها وقضائها ، فلابد إذن من يوم يحضر الجميع فيه بين يدي الله ، ليقتص من الظالم للمظلوم ،ولينال كل من المحسن والمسيء جزاءه ، كما قال تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) الأنبياء (47) .وقال تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) الجاثية (21)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أدلة البعث بعد الموت )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما عن الاستدلال على البعث بحصول اليقظة بعد النوم ، فان النوم أخو الموت واليقظة شبيهة بالحياة بعد الموت ، ففي المعجم للطبراني (سئل نبي الله فقيل يا رسول الله أينام أهل الجنة فقال رسول الله النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون ) وقال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الانعام (60) . ثم ذكر سبحانه وتعالى عاقبه أمر الموت والبعث ، فقال الله تعالى : (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) الانعام (61) ،(62) ، وقال تعالى في آية أخرى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الزمر (42) .
أيها المسلمون
وأما عن عقوبة المكذبين بالبعث بعد الموت ، فقد ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم صوراً ونماذج من كفرهم ،وتكذيبهم ،وذمهم ،ومقتهم ،وتهددهم ،وتوعدهم، يقول الله تعالى : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (5) الرعد فمن العذاب اللاحق بالمكذبين بالبعث بعد الموت يوم القيامة ، أن يغلّهم الله بالأغلال في أعناقهم؛ لأنهم غلّوا عقولهم، أي: قيدوها ،وعاشوا في سجن المادة الضيق ،ولم يخرجوا إلى عالم الغيب الوسيع؛ العالم الذي ينتظم الدنيا والآخرة، فلما قيدوا عقولهم ،وغلّوها ، عذبهم الله بأن غلّهم في الأعناق يوم القيامة، وعندما أوردوا فريتهم: ( وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) الانعام 29، قال الله لهم مكذباً وراداً عليهم : (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) الانعام (30) ،(31) ، فلا يوجد مجال في تلك اللحظات للتكذيب؛ لأنهم رأوا الأمر رأي العين، رأوا الأمر على حقيقته فقالوا: (قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا )؛ يحلفون بالله في مظهر من الضعف والشفقة والتذلل والخضوع، لم يعرفوا الله عز وجل في الدنيا حتى يرحمهم يوم القيامة، ولكن لم يعرفوه إلا حينما أضاعوا الفرصة.
الدعاء