خطبة عن السعي للعمل وحديث (لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ)
ديسمبر 5, 2023خطبة عن قوله تعالى ( هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
ديسمبر 12, 2023الخطبة الأولى ( مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه وصححه الحاكم ،ووافقه الذهبي ،وحسَّنه الحافظ ابن حجر في ” فتح الباري :(عَنْ سَعْدٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللَّهِ وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ سَخَطُهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ ». وفي رواية لأحمد :« مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ اللَّهَ وَمِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَاهُ اللَّهُ وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللَّهِ وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ سَخَطُهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ »
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم – إن شاء الله تعالى- مع هذا الحديث النبوي الشريف ،والذي يرشدنا ويدلنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبواب السعادة وأسبابها ،لتسعد أمته في دنياها وأخراها ،ويحذرنا فيه من أسباب الشقاء ،فلقد أرشد الناصح الأمين والرؤوف الرحيم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمته وعلمها ،ودلها على جميع ما ينفعها في دينها ودنياها ،ومن ذلك إرشاده الأمة لكثرة سؤال الله تعالى ،والإلحاح عليه ،ولدعاء الاستخارة ، فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا {سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ} وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {مَنْ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ} وَفِيهِ {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ} وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ {يَسْأَلُ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ شِسْعَ نَعْلِهِ إذَا انْقَطَعَ} وَقَدْ {بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنْ لَا يَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا مِنْهُمْ الصِّدِّيقُ وَأَبُو ذَرٍّ وَثَوْبَانُ وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَسْقُطُ سَوْطُهُ أَوْ يَسْقُطُ خِطَامُ نَاقَتِهِ فَلَا يَسْأَلُ أَحَدًا أَنْ يُنَاوِلَهُ}، وأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ « اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي » رواه البزار، وقد كان السلف يطلبون من الله حتى ملح الطعام ،وما هو أقل منه ،ثم يأخذون في الأسباب ،ويستخيرون الله تعالى، فهي من أعظم العبادات حال تشتت الذهن ،ونزول الحيرة بالإنسان ، فالعبد في هذه الدنيا تمر به محن ،ويحتاج إذا وقف على مفترق الطرق أن يلجأ إلى ربه، ويفوض إليه أمره ،ويسأله الدلالة على الخير ،يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ” ما ندم من استخار الخالق ،وشاور المخلوقين وثبت في أمره ” ،فمن نعم الله العظيمة ،وآلائه الجسيمة على العبد المسلم استخارته لربه ،ورضاه وقناعته بما قسمه وقدَّره له خالقه ومولاه ،ففي ذلك السعادة الأبدية ،وفي التبرم والتسخط بالمقدور الشقاوة السَّرمدية ،وذلك لأن الغيب لا يعلمه إلا الله ،ولا يطلع عليه أحد سواه ،
والاستخارة: هي طلب الخير من الله سبحانه وتعالى ،فيما أباحه لعباده ،بالكيفية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ففي صحيح البخاري : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ « إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ،وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ ،فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ،وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي – قَالَ – وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ » ،فصلاة الاستخارة هي سُنة مستحبة، تؤدى ركعتين من غير الفريضة، ليس لها وقت محدد، تُصلى في كل الأوقات ،في الليل أو النهار، ومن الأفضل تحري الأوقات التي يجاب فيها الدعاء ،وتصلى صلاة الاستخارة في كل أمور المسلم ،التي يجد فيها حيرة أو ترددا أيهما يختار؟ في هذه الحالة عليه أن يلجأ إلى صلاة الاستخارة، سواء كانت هذه الحيرة في عقد صفقة تجارية ،أو شراء سيارة ،أو اختيار مسكن ، أو زواج وما إلى ذلك ،وصلاة الاستخارة من أهم الوسائل التي تعين المسلم على المضي فيما عزم ،وتكشف له طريق الخير ،لأنه يتوكل على الله دون غيره، ويسلم أمره إلى الله سبحانه وتعالى ، وهي توجه المسلم إلى اللجوء إلى الله تعالى في كل أمر وحال، وفي هذا استقامة للأمر ،وصلاح وسعادة لكل مسلم، وصلاة الاستخارة تبعد المسلم عن عادات الجاهلية : مثل اللجوء إلى غير الله تعالى (كالكهنة والمنجمين) وتصديقهم ،مما ينحدر بالمسلم إلى هاوية الشرك بالله تعالى،
وبجانب صلاة الاستخارة ودعاء الاستخارة فعلى المسلم الاستشارة ؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159]، وقال الله تعالى : ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38]، والاستشارة يُقصَد منها: سؤال العارف بمقاصد ما تنوي القيام به، فالإنسان بطبيعة خِلْقته عاجز عن إدراك جميع جزئيات الحياة ،وبتعاونه مع مَن يَثِق بهم بالاستشارة ، ربما يستطيع أن يجمع أطرافَ القرار، ومع الفَهْم الجمعي بالاستشارة ،فإنه لا غنى للخَلْق عن الخالق، فيتوجَّهوا إليه بدعاء الاستخارة ،لاحتمال أن تتوافَق العقول على خلل أو نَقْص أو تقصير، فمن يستشير أهل العلم والفضل يضم عقولهم إلى عقله ،وفكرهم إلى فكره، لذلك قيل: (ما خاب من استخار ،ولا ندم من استشار)، والاستشارة والاستخارة كلاهما لازم للمسلم ،ولا يُستغنى بواحدة عن الأخرى، غير أن استخارة الله سبحانه وتعالى هي النجاة، فإن الله تعالى هو العالم بما كان ،وبما سيكون ،وبما فيه الخير لنا، وعندما نلجأ إليه سبحانه وتعالى ،فإننا نلجأ إلى العليم بكل شيء ،والقادر على جلب الخير لنا ودفع الشر عنا ،قال سفيان الثوري رحمه الله: «ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة ومن خشي الله تعالى». ،ومن المستحب أن نبدأ دعاء الاستخارة ونختمه بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله ،وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا أبالي أصبحت على ما أحب أو على ما أكره، لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره.
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ) فيه دليل على أن الإنسان بطبعه يطلب السعادة ،ويبحث عنها ،فهل السعادة في مال وفير ،يهيئ للإنسان معيشة رغيدة ؟! ،ألم يكن قارون ذا مال وفير ؟! فهل حصلها ؟، وهل السعادة في ملك يجعل فيه الناس له خدمًا وعبيدًا ؟ ،ألم يكن فرعون والنمروذ من أهل الملك والحكم ؟ ،فهل حصلاها ؟، وهل السعادة في منصب يقربه من الملوك والسلاطين والحكام ،فيعيش بعيشهم ،ويسر بسرورهم ؟ ،ألم يكن هامان وزيرًا لفرعون ،فهل حازها ؟ ، وهل السعادة في صحة الجسم وقوته ،فلا مرض ولا بؤس ؟! ،وهل هذا يكون في دنيا الأغيار؟ ،وهل هي في السلامة من الناس ، أي : السلامة من كيدهم ومكرهم وحسدهم ؟ وهل يحدث ذلك في الدنيا ؟، وهل السعادة في التمتع بلذات الدنيا ،وشهوات النفس ؟ ،وهل في ذلك تحصيل السعادة ؟ ،وهل هي في الشهرة والسير مع المشاهير من أهل الفن والرياضة ومن شابههم ؟ وهل حصل هؤلاء على السعادة حقيقة ؟!
إن هؤلاء جميعًا يعلمون يقينًا أنهم في واد ،والسعادة في واد آخر ،ذلك بأن السعادة حالة نفسية ،يرتاح معها الروح والبدن ،فيسلم صاحبها باطنًا بصدر منشرح وقلب مطمئن ونفس راضية مرضية ،فلا كدر يعكر صفوها ،ولا ألم يكدر صاحبها ؛ وهو مع ذلك يتمتع بمتاع لا يزول عنه ولا يزال ،وهل هذا إلا في الجنة ؟ قال الله تعالى: ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) [ هود: 108] ،هذه هي السعادة الحقيقية .. إنها سعادة الآخرة ، إنها السعادة الدائمة الباقية ،فهل في هذه الدنيا سعادة ؟ ،وإن كان فما هي ؟ ،ومن هم أصحابها ؟ ،نعم في الدنيا سعادة ،لكنها موصولة بسعادة الآخرة ، فأهلها هم أهل السعادة الأخروية ، ولذا فقد تجد أناسًا حصلوا أسباب السعادة، لكنهم لم يذوقوا طعمها ،لأنهم قرنوها بمنغصات السعادة ومكدراتها ،وهي معصية الخالق التي لا يمكن أن يكون هناك سعادة معها على الحقيقة ،ولا سيما إذا كان أصحاب هذه الأسباب كفارًا ؛ قال الله تعالى: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) [آل عمران :196، 197] ، فهل مع هذه النهاية تكون سعادة ؟! ،إنها سعادة متوهمة ، لا سعادة حقيقية ؛ قال الله تعالى : ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ . وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ . وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) [ الزخرف : 33-35 ] ،فقد يفتتن بعض الناس بحال هؤلاء ،فيحوز بعض أسباب السعادة ، لكنه لا يحصل عليها ! ،فسعة الرزق في الدنيا لا تدل على سعادة في الدنيا ،فضلا عن الآخرة ، فلا تظنوا الأموال تغني عنكم غدًا شيئًا ؛ قال تعالى: ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدنا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ) [ سـبأ: 37] .
إذًا فسر السعادة ليس في كثرة المال ،وإن كان المال من أسبابها الدنيوية ،لكن إذا فقد صاحبه السر الذي به تكون السعادة لم ينتفع بالسبب ،ولا يسعد بحصول المال ،وكذلك لا يكون سر السعادة في الملك ،وكم من ملك تعيس حقًّا ،كما لا يكون في الشهرة ، فأكثر من يشكو من التعاسة والشقاوة هم أهلها ،ومن قرأ في سيرهم وعرف أخبارهم ،وقف على ذلك ؛ قال الله تعالى : ( أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ . مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) [الشعراء : 205- 207] ، وكذلك ليست السعادة في اتباع الشهوات ،والجري وراء الملذات المحرمة ، فالأمراض الفتاكة أصابت هؤلاء الذين يبحثون عن السعادة في هذه المستنقعات .
إذن فما هو سر السعادة التي يفتقدها من يحصل أسبابها المادية ،وقد يحصل عليها من وجد سرها وعمل به ؟ : إن سر السعادة يكمن في الإيمان بالله تعالى ،وحبه وحب محابه، والاجتهاد في طاعته وذكره ،والدعوة إليه. إنَّ صِدقَ الإيمان هو سر السعادة الأعظم، الذي به يحصل عليها من صدق وإن قل ماله وسلطانه، وإن عزف عن ملذات الدنيا ،أو عزفت هي عنه.
وللحطيئة قوله : ولَسْتُ أَرَى السعادةَ جَمْعَ مَالٍ … ولكنَّ التقيَ هو السـعيدُ ،
ولغيره قال : ما شِقوة المرءِ بالإقتارِ يفقرُهُ … ولا سَـعَادَتُهُ يومًا بإكثارِ
إن الشَقِيَّ الذي في النارِ مَنْزِلُهُ … والفوزَ فَوْزُ الذي يَنْجُو مِنَ النارِ
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد أعطانا الله تعالى مثلا لهذه السعادة في خليله إبراهيم عليه السلام فقال تعالى: (وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) [العنكبوت: 27] ؛ قال ابن كثير – : أي : جمع الله له بين سعادة الدنيا الموصولة بسعادة الآخرة ، فكان له في الدنيا الرزق الواسع الهنيء ،والمنزل الرحب ،والمورد العذب ،والزوجة الحسنة الصالحة ،والثناء الجميل ،والذكر الحسن ،وكل أحد يحبه ويتولاه – كما قال ابن عباس وغيره – مع القيام بطاعة الله من جميع الوجوه ؛ كما قال الله تعالى : ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) [النجم: 37] أي: قام بجميع ما أمر به، وكمل طاعة ربه ،ولهذا قال تعالى : (وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [العنكبوت: 27] ،وقال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقا ) [النساء: 69] ؛ وقال الله تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [النحل: 97].
فالسعادة كلُّ السعادة : طول العمر في طاعة الله تعالى ، ولذا قيل : العبد لا ينال من السعادة عطاء أفضل من التوفيق في العبادة ؛ فهو يرفل في نعمة الله تعالى ،محبًّا له ،طائعًا له ،فحياته لله ،ومماته لله ،فهذا يسعده الله في الدنيا والآخرة .وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول :
« مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللَّهِ وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ سَخَطُهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ ».
الدعاء