خطبة عن ( من أهداف الزكاة المفروضة )
مارس 6, 2017خطبة عن (أمنيات الصالحين والطالحين من الموتى)
مارس 7, 2017الخطبة الأولى ( من أسباب هلاك الأمم ، ودمار القرى والشعوب )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ) (13) محمد ، وقال تعالى : (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) (59) الكهف
وقال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ) (6) الأنعام ، وقال تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (14) يونس ،وقال تعالى : (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ) (5) الحجر ، وقال تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) (17) الاسراء ، وقال تعالى : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى) (128) طه
إخوة الاسلام
لله في خلقه سنن وقد جرت سنة الله عز وجل في عباده أن يعاملهم بحسب أعمالهم، فإذا اتقى الناس ربهم عز وجل خالقهم ورازقهم، أنزل الله عز وجل عليهم البركات من السماء، وأخرج لهم الخيرات من الأرض، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (96) [الأعراف]. وقال تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن:16]، وأما إذا تمرد العباد على شرع الله، وفسقوا عن أمره ،أتاهم العذاب والنكال من كل مكان من الكبير المتعال ، وهكذا فالجزاء من جنس العمل ، فإن كان العباد مطيعين لله عز وجل، معظمين لشرعه، أغدق الله عز وجل عليهم النعم، وأزاح عنهم النقم، ولكن إذا تبدل حال العباد من الطاعة إلى المعصية، ومن الشكر إلى الكفر، حلت بهم النقم، وزالت عنهم النعم. قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [النحل:112]. إذن ،فكل ما يحصل للعباد من عذاب وعقاب فبما كسبت أيديهم ،ويعفو الله عن كثير كما قال تعالى: ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) [الشورى:30]. وقال تعالى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (36) ،(37) [الروم]. فالله عز وجل لا يبدل حال العباد من النقمة إلى النعمة، ومن الرخاء إلى الضنك والشقاء، حتى يغيروا ما بأنفسهم من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى الفسق قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [الأنفال:53].
أيها المسلمون
فما هي الأسباب التي يتنزل بها عذاب الله؟، وما هي سنة الله عز وجل في القوم المجرمين؟ أو بعبارة آخرى ، ما هي أسباب هلاك الأمم؟ . فنقول : مستعينين بالله تعالى : إن من أول هذه الأسباب : الكفر بالملك الوهاب، وتكذيب الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، فقد أهلك الله عز وجل الأمم السابقة قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين وقرونا بين ذلك كثيرا بسبب كفرهم بالله عز وجل، وتكذبيهم لرسله. قال تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ) [الفرقان:35-40]. وقال تعالى: ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ) [ق:12-14]. ومن أسباب هلاك الأمم : كثرة الفساد وكثرة الخبث: قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) [الإسراء:16]. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: ( الصواب الذي يشهد له القرآن، وعليه جمهور العلماء أن الأمر في قوله: (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) هو الأمر الذي هو ضد النهي، وأن متعلق الأمر محذوف لظهوره، والمعنى: أمرنا مترفيها بطاعة الله وتوحيده، وتصديق رسله واتباعهم فيما جاءوا به: (فَفَسَقُوا فِيهَا ) أي خرجوا عن طاعة أمر ربهم وعصوه، وكذبوا رسله: (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ) أي وجب عليها الوعيد: (فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) أي أهلكناها إهلاكا مستأصلا، وأكد فعل التدمير بمصدره للمبالغة في شدة الهلاك الواقع بهم. ثم قال رحمه الله: (فإن قال قائل: إن الله أسند الفسق فيها لخصوص المترفين دون غيرهم في قوله: (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ) مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع المترفين وغيرهم في قوله: (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) يعني القرية، ولم يستثن منها غير المترفين. والجواب من وجهين: الأول: أن غير المترفين تبع لهم، وإنما خص بالذكر المترفين الذين هم سادتهم وكبراؤهم، لأن غيرهم تبع لهم كما قال تعالى: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ) [الأحزاب:67]. وقال تعالى: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ) [إبراهيم:21]. الثاني: أن بعضهم إن عصى الله وبغى وطغى، ولم ينههم الآخرون ،فإن الهلاك يعم الجميع قال تعالى:(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25]. وفي الصحيحين البخاري ومسلم (عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ » . وَحَلَّقَ بِإِصْبَعَيْهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا . قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ » وفي مسند أحمد (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَاصِى فِى أُمَّتِى عَمَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا فِيهِمْ يَوْمَئِذٍ أُنَاسٌ صَالِحُونَ قَالَ « بَلَى ». قَالَتْ فَكَيْفَ يَصْنَعُ أُولَئِكَ قَالَ « يُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ »
أيها المسلمون
ومن أسباب هلاك الأمم : الكفر بنعم الله عز وجل ، وعدم القيام بواجب شكرها. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) [سبأ:15-19]. وقال تعالى: ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [النحل:112]. ومن أسباب هلاك الأمم : ظهور النقص والتطفيف في الكيل والميزان ومنع حق الله وحق عباده ونقض العهود والمواثيق، والإعراض عن أحكام الله تعالى. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ » رواه ابن ماجة. وفي الصحيحين : (أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمِ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِى عُبَيْدَةَ ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – ، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – حِينَ رَآهُمْ ثُمَّ قَالَ « أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ » . قَالُوا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَ اللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنِّى أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ » ، وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ » رواه مسلم ، وفي مسند الإمام أحمد : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُشَ وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا ».
أيها المسلمون
ومن أسباب هلاك الأمم : كثرة التعامل بالربا، وانتشار الزنا – والعياذ بالله – فإن هذا مما يخرب البلاد، ويهلك العباد، ويوجب سخط الرب عز وجل . ففي مسند أحمد (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ ». قَالَ وَقَالَ « مَا ظَهَرَ فِى قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلاَّ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». ، والربا نوعان: ربا الفضل: وهو الزيادة في الجنس الواحد الربوي. والأجناس الربوية: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء.
والنوع الثاني: هو ربا النسيئة، وهو الزيادة التي يأخذها صاحب الدين في مقابلة دينه. قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة :275-276]. وانتشار الزنا سبب لظهور الأوجاع والطواعين التي لم تكن في السالفين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا) رواه ابن ماجة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أسباب هلاك الأمم ، ودمار القرى والشعوب )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أسباب هلاك الأمم: تقصير الدعاة في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (فعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ مِنْهُمْ وَأَمْنَعُ لاَ يُغَيِّرُونَ إِلاَّ عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ » رواه ابن ماجة . وفي سنن أبي داود (عَنْ قَيْسٍ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) قَالَ عَنْ خَالِدٍ وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ ». وفي صحيح البخاري عن (النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ – رضى الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا ، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا . فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا » ، وقال الإمام الغزالي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوى بساطه، وأهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، وقد كان الذي خفنا أن يكون، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومن أسباب هلاك الأمم: ترك الجهاد والإخلاد إلى الأرض. فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ » رواه أبو داود . واتباع أذناب البقر، والرضا بالزرع علامة على الإخلاد إلى الأرض، والإخلاد إلى الأرض وترك الجهاد سبب الذل والهوان. ومن أسباب هلاك الأمم : مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ » رواه أحمد. ومن أسباب هلاك الأمم : الغلو في الدين، والغلو هو التنطع ومجاوزة الحد، ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ ». قَالَهَا ثَلاَثًا. وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ « هَاتِ الْقُطْ لِي ». فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ بِأَمْثَالِ هَؤُلاَءِ « وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ » رواه النسائي .
أيها المسلمون
ومن أسباب هلاك الأمم ودمار القرى وهلاك المجتمعات: كثرة المنافقين الذين يتولَّون زمام الأمور، ويُنَصَّبُون ويتولَّون أمور المؤمنين ، فالمنافقون :هم الذين يُظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، ومحاربة أولياء الرحمن، ويحاربون الدعاة إلى الله ،والعلماء وطلبة العلم والمتدينين ،ويتظاهرون بالإسلام، ثم مع هذا يتولَّون أمور المؤمنين، ويتولَّون زمام شئونهم، قال عليه الصلاة والسلام كما في البخاري: « إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » -أي: أُعطِي الزمام من لا يستحقه- فانتظر الساعة) ، وقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ) [البقرة:11-12] ، فالمنافقون يتظاهرون بالصلاح وبالإصلاح، بل ويقوم بعضهم كما قال فرعون لقومه : ( إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ) [غافر:26] ، فيقول :يا قوم! أخاف من الفساد، أخاف أن يهلكوا هذه الأمة، أخاف أن يمزقوا المجتمع، أخاف أن يظهروا فيها الفساد، أخاف أن يغيروا دينكم؛ ولهذا قتلتُهم، ولهذا سجنتُهم، ولهذا طردتُهم، ويتظاهر المنافق بأنه يحمي هذا الدين ويحمي حوزته، ويخطب في الناس ويزعم أنه يحافظ على دينهم وعلى كرامتهم .. وهذه من علامات فساد هذه الأمة ، وزوالها ودمارها! ومن أسباب هلاك الأمم : موالاة الكافرين :فإذا رأيت أهل هذه القرية ، أو أهل هذا المجتمع يوالون الكفار ولا يوالون المؤمنين: وتجدهم يوالون أعداء الله جل وعلا، ويفتخرون بنصرتهم وبإعانتهم، ويحاربون أولياء الله جل وعلا، كما قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) [الأنفال:73] ،أي: إن الكفار هم الذين يتولون بعضُهم بعضاً ( إِلَّا تَفْعَلُوهُ ) [الأنفال:73] أي: إلاَّ يوالي بعضُكم بعضاً، ويوالي عباد الله المؤمنين، ويوالي الدعاة والمصلحين، ويوالي أهل العلم وأهل التقوى وأهل الصلاح: (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) [الأنفال:73] ، فموالاة الكافرين :فساد يعم الأرض والمجتمع، وفساد يعم القرى، وهي فتنة تدمر الشعوب وتمزق صفوفها؛ لسبب واحد ، وهو (أنهم والَوا أعداء الله وتركوا عباد الله) ، وكما نرى ونسمع ، فالنفقات والصدقات والمعونات والإعانات كلها لمن؟ إنها للكفار من الشعوب، ولأعداء الرحمن، أما المسلمون فإنهم يموتون من الجوع، ويَهْلَكون من العُري، ويطلبون ديناراً واحداً فلا يصلهم، وتُقْطَع الطرق ،وتُمْنَع عنهم، ولاءً لأعداء الله وبراءً من أولياء الله. ومن أسباب هلاك الأمم: تخريب المساجد وهدمها: فمن أسباب زوال الأمم ودمار الشعوب وهلاك القرى: تخريب المساجد وهدمها؛ فإنك ترى هذه القرية وذلك المجتمع يدمرون المساجد ويخربونها ويهدمونها على رءوس أصحابها. قال الشوكاني : والتخريب نوعان: تخريب حسي؛ أن تُهَدَّم المساجد وتُخَرَّب. وتخريب معنوي: أن تُعَطَّل عن أهدافها، فتُمْنَع المحاضرات، وتُمْنَع الدروس، وتُقْفَل أبوابها، ويُمْنَع الناس من الجلوس فيها، وذلك لغير مصلحة شرعية،
قال الله جل وعلا: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ) [البقرة:114]. هذه هي بعض أسباب هلاك الأمم والقرى والبلاد والشعوب ، ألا فاحذروا الوقوع فيها ، فتهلككم كما أهلكتهم ، قال تعالى : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (13) آل عمران ، وقال تعالى : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (3) الرعد ، وقال تعالى : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (24) الروم
الدعاء