خطبة عن الصحابي: (ضِرَار بْنُ الأَزْوَرِ)
فبراير 3, 2018خطبة عن اسم الله (الْوَاحِدُ، الأَحَدُ )
فبراير 3, 2018الخطبة الأولى ( من أسرار الصلاة وثمراتها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (114) هود ، وقال الله تعالى : (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (78) الاسراء ،وقال الله تعالى : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (14) طه ، وقال الله تعالى : (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (45) العنكبوت
إخوة الإسلام
إن الصلاة قرة عُيون المحبين ، ولذة أرواح الموحدين ، وبستان العابدين ولذة نفوس الخاشعين ، ومحك أحوال الصادقين ، وميزان أحوال السالكين ، وهي رحمةُ الله المهداة إلى عباده المؤمنين . والعبد مادام في ذكر الله، والإقبال عليه ،فغيث الرحمة ينزل عليه كالمطر المتدارك ، فإذا غفل ناله من القحط بحسب غفلته قلة وكثرة ،وسرُّ الصلاة ولُبها إقبال القلب فيها على الله ، وحضوره بكلِّيته بين يديه ، فيقف العبد بين يدي ربه معتذرا من خطاياه وزلاته ، ومستمطرا سحائب جوده وكرمه ورحمته ، ومَن ذاق طعم الصلاة ،عَلِمَ أنه لا يقوم مقام التكبير والفاتحة غيرهما مقامها ، كما لا يقوم غير القيام والركوع والسجود مقامها ، فلكلٍّ عبوديته من عبودية الصلاة سرٌّ وتأثيرٌ ، وعبودية لا تحصل في غيرها ، ثمَّ لكل آية من آيات الفاتحة عبودية وذوق ووجد ،يخُصُّها لا يوجد في غيرها ،فينبغي بالمصلي أن يقف عند كل آية من آيات الفاتحة وقفة يسيرة ، ينتظر جواب ربِّه له ، كما في صحيح مسلم ( أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَىَّ عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي – وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَىَّ عَبْدِي – فَإِذَا قَالَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ). قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ). قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ». فسرُّ الصلاة و روحها و لبُّها ، هو إقبال العبد على الله بكليّته فيها ، فكما أنه لا ينبغي أن يصرف وجهه عن القبلة إلى غيرها فيها ، فكذلك لا ينبغي له أن يصرف قلبه عن ربِّه إلى غيره فيها. بل يجعل الكعبة ـ التي هي بيت الله ـ قبلة وجهه وبدنه ، ورب البيت تبارك وتعالى قبلة قلبه وروحه ، وعلى حسب إقبال العبد على الله في صلاته ، يكون إقبال الله عليه ، وإذا أعرضَ أعرض الله عنه ، فكما تدين تُدان. وتأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم كما في المستدرك: ” و جعلت قرة عيني في الصلاة ” ولم يقل : ” بالصلاة ” ، إعلاماً منه صلى الله عليه وسلم بأن عينه لا تقر إلا بدخوله ،كما تقر عين المحب بملابسته لمحبوبه ، وتقر عين الخائف بدخوله في محل أنسه وأمنه ، فقرة العين بالدخول في الشيء أتم وأكمل مِن قرة العين به قبل الدخول فيه ، ولما جاء إلى راحة القلب من تعبه ونصبه قال : “يا بلال أرحنا بالصلاة ” وفي كتاب الاحياء للغزالي ( يروى عن حاتم الأصم رضي الله عنه أنه سئل عن صلاته فقال: إذا حانت الصلاة ..أسبغت الوضوء ..وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه ،فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي.. ثم أقوم إلى صلاتي .. وأجعل الكعبة بين حاجبي والصراط تحت قدمي ..والجنة عن يميني ..والنار عن شمالي ..وملك الموت ورائي أظنها آخر صلاتي “.. ثم أقوم بين الرجاء والخوف ..وأكبر تكبيراً بتحقيق ..وأقرأ قراءة بترتيل ..وأركع ركوعاً بتواضع ..وأسجد سجوداً بتخشع ..وأقعد على الورك الأيسر .. وأفرش ظهر قدمها وأنصب القدم اليمنى على الإبهام ..وأتبعها الإخلاص.. ثم لا أدري أقبلت مني أم لا؟) ، والصلاة أساس شخصيّة المُسلم، فبها يُطهّر قلبه، ويَتعمّق إيمانه، وتتـّصل روحه بالملأ الأعلى، وتنظّم أموره، فتقوى لديه دوافع البرّ ،والإحسان والصّلاح وفعل الخيرات.
من أسرار الصلاة أنها جمعت بين أمور عظيمة افترقت في غيرها من الشعائر الأخرى، فإضافة إلى الدعاء الذي هو أهم عنصر حاضر في الصلاة؛ نجد أيضا قراءة القرآن. والصلاة اشتملت على سر عظيم لا ينتبه إليه الكثير من المسلمين، وذلك أن المصلي عندما يشرع في الصلاة ويكبر تكبيرة الإحرام فإنه يدخل إلى مقام المناجاة والتخاطب، وبتكبيرة الإحرام يحرم عليه فعل شيء إلا الصلاة، ولذلك سُميت «تكبيرة الإحرام»، أي أنها تحرّم على المصلي فعل شيء ليس من جنس الصلاة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: « مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ » رواه الترمذي ،وقد قيل: إذا أردت أن يناجيك ربك فاقرأ القرآن، وإذا أردت أن تناجيه فادخل في الصلاة. وذلك لأن القارئ للقرآن يخاطبه الله تعالى بكلامه القديم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي يدخل في الصلاة يدخل إلى حمى ربه تعالى. والصلاة قد جمعت بين الأمرين معا: فيها يخاطب الله تعالى العبد ،وفيها يناجي العبدُ ربه، فتكون الصلاة قد جمعت هذا السر العظيم الذي تفرق في غيرها.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أسرار الصلاة وثمراتها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أسرار الصلاة العظيمة : أنها شريعة الله تعالى لجميع الأمم، وهي الركن الأعظم الذي فرضه الله تعالى على جميع الأنبياء والرسل ،من لدن آدم إلى نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ففي القرآن الكريم نقف عند آيات كثيرة تظهر لنا حضور الصلاة عند الأنبياء وأقوامهم، ومن ذلك: أ- قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم: 37)، ب- قوله تعالى مخاطبا موسى عليه السلام: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 87). ج- قوله تعالى على لسان عيسى بن مريم: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) (مريم: 31). سر آخر من أسرار الصلاة لا نجده في غيرها من الشعائر وهو «السجود»، والسجود وضع أشرف ما في جسد الإنسان (الوجه) على الأرض، وهو رمز للذّلّة والحقارة، فإذا كان لغير الخالق يكون قمة الذل والهوان، ولا يوازيه فعل آخر في الحقارة، ولذلك حرم الإسلام السجود لغير الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي وغيره : « لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا » ، وذلك لأن السجود رمز الذل والخضوع، ولا يكون ذلك إلا للخالق، فإذا كان للخالق كان رفعة وسموا، لأنه يستحق ذلك ولا يستحقه غيره. ولا يمكن للمسلم أن يحب الصلاة إلا بمعرفة قيمتها .. وما من شك أنّ معرفة قيمتها هي نتيجة قوة الإيمان ورسوخ اليقين .. فمن آمن وأيقن أنّ الصلاة هي معراج المؤمن إلى الله ، وإسراء روحه إلى عالم الخلود .. ومن آمن وأيقن أنّ الصلاة هي فضاء رحيب تتفتّح فيه إنسانيّة الإنسان بطاقاتها المختلفة ، فلا تظل حبيسة المادة وحدود الجسد وعالم الدنيا .. هذا المؤمن الموقن هو وحده الذي يحب الصلاة .. فيحرص على أوقاتها وخشوعها .. لتكون النتيجة إحساسه بسعادة غامرة وتذوقه لحلاوة لا يستطيع التعبير عنها بالكلمات ،وهو بقدر ترقيه في مدارج الإيمان واليقين بقدر ما يتذوق جمال السعادة وسمو الروح فيه .وما من شك أنّ هذا يقتضي من المسلم أن يكون دائم الحضور مع الله تعالى ، فالصلاة هي محطات كبرى للتزود بشكل أكبر من دفقات الإيمان وفيوضات اليقين ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وكل الصالحين يحرصون أشد الحرص على هذا الحضور الروحي مع الله تعالى في مختلف نشاطاتهم اليوميّة ،عبر وسيلة الذكر ، والتفقه في الدين ، وتأمل النعم .
الدعاء