خطبة عن قتل المؤمن :(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا)
مارس 5, 2017خطبة عن (من أسباب هلاك الأمم ،وخراب القرى،ودمار الشعوب)
مارس 7, 2017الخطبة الأولى ( من أهداف الزكاة المفروضة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) البقرة 110، وقال تعالى(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) النور 56،
وقال تعالى : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) المعارج 24 ، 25 ، وقال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة 216، وروى البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ »
إخوة الإسلام
للزكاة أهداف عظيمة ، وحكم نبيلة ، وهي تتعدى ما تعرفنا عليه من الأجر والثواب ، ومساعدة الفقراء، إلى طهارة نفس الفقير من الحسد ، وطهارة لنفس الغني من الشح البغيض ، وهي أيضا طهارة للمجتمع ، والمال ، وهي نماء للمال وتزكيته ، وهي وسيلة فعالة للضمان والتكافل الاجتماعي، وهي وسيلة رائعة للتقريب بين الفقراء والأغنياء ، كما أن لها أهدافا أخرى أسمى وأعمق من ذلك . وفي ذلك يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله :
– أن الزكاة طهارة لنفس الغني من الشح البغيض. وتلك الآفة النفسية الخطرة التي قد تدفع من اتصف بها إلى الدم فيسفكه، أو العرض فيبذله، أو الوطن فيبيعه، ولن يفلح فرد أو مجتمع سيطر الشح عليه وملك ناصيته ، قال تعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر (9) – والزكاة طهارة لنفس الفقير من الحسد والضغينة على ذلك الغني الكانز لمال الله عن عباد الله ، قال تعالى : (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ) الهمزة (2)، (3) ، ومن شأن الإحسان أن يستميل قلب الإنسان، كما أن من شأن الحرمان في جانب، والتنعم في جانب، أن يملأ قلوب المحرومين بالبغضاء والأضغان. – وأن الزكاة طهارة للمجتمع كله ـ أغنيائه وفقرائه ـ من عوامل الهدم والتفرقة والصراع والفتن. – وأن الزكاة طهارة للمال، فإن تعلق حق الغير بالمال يجعله ملوثا لا يطهر إلا بإخراجها منه، ولهذا روى البيهقي في سننه (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ أَذْهَبْتَ عَنْكَ شَرَّهُ » ، وأكثر من ذلك ما رواه الطبراني في المعجم (عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله : حصنوا أموالكم بالزكاة ) ، وما أحوج الأغنياء إلى هذا التحصين، وخاصة في عصرنا الذي عرف المبادئ الهدامة، والثورات الحمراء!! – وأن الزكاة نماء وزيادة، نماء لشخصية الغني وكيانه المعنوي، فالإنسان الذي يسدي الخير، ويصنع المعروف، ويبذل من ذات نفسه ويده، لينهض بإخوانه في الدين والإنسانية، وليقوم بحق الله عليه، يشعر بامتداد في نفسه، وانشراح واتساع في صدره، ويحس بما يحس به من انتصر في معركة، وهو فعلا قد انتصر على ضعفه وأثرته وشيطان شحه وهواه، فهذا هو النماء النفسي، والزكاة المعنوية. ولعل هذا ما نفهمه من قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة 103، فعطف التزكية على التطهير قد يفيد هذا المعنى الذي ذكرناه،
– وأن الزكاة نماء لشخصية الفقير، حيث يحس أنه ليس ضائعا في المجتمع، ولا متروكا لضعفه وفقره، ينخران فيه حتى يوديا به، ويعجلا بهلاكه، كلا، إن مجتمعه ليعمل على إقالة عثرته، ويحمل عنه أثقاله، ويمد له يد المعونة بكل ما يستطيع، وبعد ذلك هو لا يتناول الزكاة من فرد يشعر بالاستعلاء عليه، ويشعر هو بالهوان أمامه، بل يأخذ حقه من يد الدولة حرصا على كرامته أن تخدش، ولو قدر للأفراد أن يكونوا هم المعطين بأنفسهم، فالقرآن يحذرهم المن والأذى ، قال تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) البقرة (263) . – وأن الزكاة نماء للمال وبركة فيه: فربما استغرب ذلك بعض الناس فالزكاة في الظاهر نقص من المال بإخراج بعضه، فكيف تكون نماء وزيادة؟! ولكن العارفين يعلمون أن هذا النقص الظاهري وراءه زيادة حقيقية: زيادة في مال المجموع ، وزيادة في مال الغني نفسه، فإن هذا الجزء القليل الذي يدفعه يعود عليه أضعافه من حيث يدري أو لا يدري. وفي مسند أحمد وغيره ، يقول صلى الله عليه وسلم : (لاَ يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا وَلاَ يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ يَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا » – وأن الزكاة أيضا لها أثر نفسي رائع: فنرى أن الدينار في يد رجل تخفق له القلوب بالحب، وتهتف له الألسنة بالدعاء، وتحوطه الأيدي بالحماية والرعاية ـ الدينار مع هذا الإنسان أشد قدرة وأكثر حركة من بضعة دنانير مع غيره، ممن يعيش لنفسه، غريقا في أنانيته، يتمنى الناس له الفشل والإخفاق. ولعل هذا التفسير الاقتصادي للنماء هو بعض ما تشير إليه آيات القرآن ، قال تعالى : (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ (39) ، وقال تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة (268) ، وقال تعالى 🙁 وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) الروم (39)، ،وقال تعالى : (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) البقرة 276. ،- والزكاة وسيلة من وسائل الضمان الاجتماعي الذي جاء به الإسلام، فإن الإسلام يأبى أن يوجد في مجتمعه من لا يجد القوت الذي يكفيه، والثوب الذي يزينه ويواريه، والمسكن الذي يؤويه، فهذه ضروريات يجب أن تتوافر لكل من يعيش في ظل الإسلام، والمسلم مطالب بأن يحقق هذه الضرورات وما فوقها من جهده وكسبه، فإن لم يستطع فالمجتمع يكفله ويضمنه له، ولا يدعه فريسة الجوع والعري والمسكنة. هكذا علم الإسلام المسلمين أن يكونوا كالجسد الواحد، إذا اشتكى بعضه اشتكى كله. والزكاة مورد أساسي لهذه الكفالة الاجتماعية المعيشية التي فرضها الإسلام للعاجزين والمحرومين.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أهداف الزكاة المفروضة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن بعض أهداف الزكاة المفروضة : فالزكاة وسيلة من وسائل الإسلام التي اتخذها لتقريب المسافة بين الأغنياء والفقراء، فالإسلام ـ باعتباره دينا، يعترف بالفطرة ويهذبها ويسمو بها ولا يعلن الحرب لاستئصالها أو مقاومتها ـ قد أقر الملكية الفردية الناشئة عن سبب وطريق مشروع، استجابة للدوافع الفطرية الأصلية في الإنسان ، والتي تتطلب التملك والمنافسة والادخار. وبالتالي يكون الإسلام قد اعترف بالتفاوت الفطري في الأرزاق بين الناس، إذ هو بلا شك ناشئ عن تفاوت فطري آخر في المواهب والملكات، والقدر والطاقات، ولكن هذا الاعتراف بالتفاوت الفطري في الرزق، ليس معناه أن يدع الغني يزداد غنى، والفقير يزداد فقرا، فتتسع الشقة بين الفريقين، ويصبح الأغنياء “طبقة” كتب لها أن تعيش في أبراج من العاج، ويصبح الفقراء “طبقة” كتب عليها أن تموت في أكواخ من البؤس والحرمان، بل تدخل الإسلام بتشريعاته القانونية، ووصاياه الروحية والخلقية، لتقريب المسافة بين هؤلاء وأولئك، فعمل على الحد من طغيان الأغنياء، والرفع من مستوى الفقراء. قال تعالى : (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ) الحشر 7 ، – والزكاة أمضى سلاح في محاربة الكنز وإخراج النقود من مخابئها في الصناديق أو الشقوق، لتشارك في ميدان العمل والتثمير، بدل أن تبقى قوة معطلة شلاء، ولقد شبه من يحبس المال ويكنزه عن التداول بمن يحبس جنديا في جيش الإسلام عن مزاولة عمله في ميدان الجهاد، وهذا حق، فالدينار المتداول المستثمر جندي يعمل لخدمة الأمة ورخائها وسيادتها، والدينار المخزون المكنوز جندي قاعد أو محبوس. ولهذا حرم الإسلام الكنز، وأعلن القرآن سخط الله على الكانزين الأشحاء ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (34) ،(35) التوبة . -أن الزكاة تكفر الخطايا وتدفع البلاء، وتقع فداء عن العبد، وتجلب رحمة الله، قال تعالى : {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ … } [الأعراف: 156].
وها هي المجتمعات المادية تعيش حالة من الفوضى والضياع، ينمو فيها الحقد وتظهر الطبقية، ويكثر الوباء والبلاء، جرائم ترتكب، وسرقات ونصب واحتيال، ففي هذه المجتمعات وحدها تنمو الرذيلة وتقتل الفضيلة، وتنشأ العقد النفسية، ويكثر الجنون، أما في مجتمع الإسلام، مجتمع الزكاة فمحبة لله وطاعة وإنابة وتعاون وتكافل، تأتي بالرحمة والخير والسعادة والأخوة. – وللزَّكاة دور كبير أيضاً في تَشجيع الشَّباب على الزواج، واعفافه عن المتعة الحرام ، عن طريق مساعدتهم على تكاليفه، وقد قرر الفُقهاء أن الذي لا يستطيع الزَّواج بسبب فقره يعطى من الزَّكاة ما يُعينه على الزّواج لأنه من تَمام الكِفاية.
أيها المسلمون
هذه هي بعض أهداف الزكاة في الإسلام ،فما أعظمه من دين ، وما أحكمه من تشريع ، قال تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (31) :(33) يونس ، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (267)، (268) البقرة
الدعاء