خطبة عن قوله تعالى (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)
مايو 4, 2017خطبة عن (واقع الأمة الإسلامية ومن أين نبدأ ؟)
مايو 5, 2017الخطبة الأولى (تشخيص لواقع الأمة الاسلامية) (ومن أين نبدأ؟)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) النور
إخوة الإسلام
ونستكمل الحديث عن واقع الأمة الاسلامية ونقطة البداية: فقد كان الصحابة- رضوان الله عليهم- يدركون أن السر وراء رفعة هذه الأمة، وأفضل قائد يمكنه قيادتها إلى الله هو القرآن، لذلك كانوا شديدي الحرص على ألا ينشغل من بعدهم بشيء غيره، فقد ذهب اثنان من التابعين إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لكي يطلعوه على صحيفة أعجبتهم وبهرتهم، وظلا في انتظاره حتى خرج إليهما، وأخبراه بسب مجيئهما، فماذا فعل؟! قال: يا خادم, هات الطست، وأخذ الصحيفة ووضعها في الطست وسكب الماء ليمحو ما فيها ويقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3]. يفعل ذلك وهما يقولان له: انظر فيها, إن فيها حديثًا عجبًا، فيرد عليهما بقوله: إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره. فقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يريد أن ينبههم إلى أهمية القرآن، وضرورة الانشغال به، وملء القلب بمعانيه، وليس معنى ذلك ترك القراءة في الكتب أو عدم الاستفادة من الوسائل الأخرى، ولكن بقدر محدود لا يشغل المرء عن تعامله المستمر وانشغاله بالقرآن. فالقرآن هو الوسيلة التي تبحث عنها، وهو المخرج الآمن الذي لا يوجد غيره ليخرجنا بإذن الله من الظلمات التي نتخبط فيها، ومرحلة التيه التي نعيشها إلى النور والمجد والعزة مرة أخرى. وفي مسند البزار وغيره : (عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ : إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ ، قَالَ : قُلْتُ : فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : كِتَابُ اللهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، مَنْ يَرُدَّهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ ، أَضَلَّهُ اللَّهُ ، هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ ، وَالذَّكَرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي ،لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ ، وَلاَ تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلاَ يَخْلُقُ عَنْ رَدٍّ ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ حِينَ سَمِعَتْهُ ، أَنْ قَالُوا : إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَمَنْ دُعِيَ إِلَيْهِ ، هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ ، هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. ) ،وفي صحيح ابن حبان :(عن حذيفة قال قلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير الذي نحن فيه من شر نحذره ، قال يا حذيفة : عليك بكتاب الله فتعلمه واتبع ما فيه خيرا لك )
أيها المسلمون
إن مشكلة أمتنا – يقينًا – مشكلة إيمانية، والحل يكمن في الوصول إلى دواء يعالج هذه المشكلة ويسع جميع أفراد الأمة، ولا يختلف عليه اثنان، ولا يمل منه أحد.فماذا غير القرآن يمتلك كل هذه المقومات؟! من هنا نؤكد ونؤكد بأن عودة المجد لأمتنا مرتبطة بالعودة الصحيحة إلى القرآن. فالجيل الموعود بالنصر والتمكين جيل قرآني، والخلافة الموعودة منهجها القرآن، وهذا أمر لا مجال فيه للشك، فإن أردنا أن ننال هذا الشرف ، ونرى عز الإسلام وهلال مجده ،فلا بديل أمامنا من الانكباب على القرآن ، والتعامل الصحيح معه، والذي من شأنه أن يبصرنا ويذكرنا ويقوي إيماننا ، ويدفعنا دفعًا إلى القيام بكل ما يرضي الله عز وجل. ومن هذا المنطلق ،ستشتد الحاجة إلى القرآن ، ومن ثم يتولد العزم، ويأتي المدد والعون من الله عز وجل، فيفتح لنا منابع الإيمان التي تحملها آيات القرآن، فتبث الروح وتيار الحياة إلى قلوبنا.
أيها المسلمون
فمن المؤسف أننا أدرنا ظهرنا للقرآن، واكتفينا بما نفعله معه، ولم نفكر في كيفية الاستفادة من الوصفة النبوية للخروج من المأزق الراهن، كل ذلك حدث لأننا لا ندرك حجم التغيير الذي يمكن أن يحدثه القرآن فيمن يحُسن التعامل معه، ولأننا قد ورثنا مفهومًا محدودا عن القرآن جعلنا لا نصدق بأنه المخرج السهل الميسر لما نحن فيه. فقد رسخ في الأذهان والعقل الباطن عند الناس أن القرآن كتاب مقدس يُستدعي في الحفلات والمآتم والمناسبات وُيقرأ في رمضان وغيره من أجل الثواب فقط، وأن أهل القرآن هم حفَّاظ حروفه وإن فرَّطوا في تطبيقه، وانزوى وتراجع لديهم المفهوم العظيم والوظيفة الخطيرة للقرآن في بث الروح وإحياء القلب وزيادة الإيمان وتوليد الطاقة الدافعة للعمل، لذلك من النادر أن تجد من يتحدث عن القرآن كمشروع لنهضة الأمة، وإن تحدث فتجد الحديث ينصب على الاهتمام بلفظه وشكله فقط دون جوهره ومعجزته. ومما يؤكد أننا لم نستفد من وجود القرآن بيننا استفادة حقيقية ما قاله صلى الله عليه وسلم لربه، وشكوته صلى الله عليه وسلم إليه من قومه حول طريقة تعاملهم مع القرآن قال تعالى :{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]. فكلمة {اتَّخَذُوا} تدل على عمل إيجابي كقوله تعالى : {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا} [الأعراف: 148]. وكلمة {مَهْجُورًا} تدل على عمل سلبي. فكيف يكون اتخاذ الشيء بهجره؟! فلو كان المقصد من هجره عدم التعامل معه بكل الصور والأشكال لكانت الشكوى: يا رب إن قومي هجروا القرآن. ولكن الإتيان بكلمة {اتَّخَذُوا} يدل على أن القوم قد عملوا أعمالا معينة، وبذلوا مجهودًا مع القرآن, هذه الأعمال، وهذا المجهود يُصب في خانة هجر القرآن. فالانشغال بقراءته دون فهم ولا تأثر، والإسراع بحفظه دون تعلم معانيه، والعمل بها، وإقامة الإذاعات، والمدارس، والجامعات التي تهتم بشكله ولفظه دون حقيقته وجوهره والغاية العظمة من نزوله .. هذا المجهود الضخم لم يخدم القرآن الخدمة المطلوبة، فظل القرآن مع هذا كله مهجورا، فقد هجروه كقائد يقود الحياة، ومصنع للتغيير، ومعجزة تبث الروح. وفي هذا المعنى يقول عبد الله بن مسعود: نزل القرآن لُيعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملا. أي أصبحت التلاوة وما يتعلق بها هي عملهم وشغلهم الشاغل مع القرآن، أما فهمه والتأثر به، والعمل بما تدل عليه آياته فقلما تجد من يفعله أو يثابر عليه. معنى ذلك أنه لا بد أولا من تغيير هذا المفهوم، وأن ندير وجوهنا للقرآن، ونبدأ رحلة العودة الحقيقية إليه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (تشخيص لواقع الأمة الاسلامية) (ومن أين نبدأ؟)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
من هنا نقول : إنه ليس أمامنا سوى أن نبدأ رحلة العودة إلى القرآن، وهي بلا شك رحلة صعبة في البداية لأننا سنقاوم أثناءها موروثات خاطئة ورثناها في التعامل معه، ونقاوم كذلك هوى النفس التي تجد في القراءة السريعة، والحفظ السريع مستراحًا لها يخدم حظوظها ويحقق ذاتها ولا يكلفها الكثير. ومما ييسر علينا قطع أشواط تلك الرحلة بسهولة صدق اللجوء إلى الله وطلب المعونة منه، واستشعار الخوف من استمرار الوضع الراهن، وأن بأيدينا تغييره لو وصلنا إلى المعجزة القرآنية، وإلى منابع الإيمان في القرآن. أي أن الهدف من قراءة القرآن ينبغي أن يكون الفهم والتأثر، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة الاستمرار على ذلك حتى تتم التذكرة الدائمة، ويتولد الإيمان باستمرار، وهذا يستدعي منا القراءة اليومية الطويلة للقرآن، وأن نقرأه بهدوء وترتيل وصوت مسموع، وألا يكون همنا متى سننتهي من السورة أو الجزء، ولكن ينبغي أن يكون همنا متى سنتأثر ونتجاوب مع الآيات. ولأن التأثر الإيماني لن يتم إلا إذا فهمنا ما نقرأ، لذلك علينا إعمال عقولنا في الآيات التي نقرؤها، وأن نقرأ الآيات بصوت حزين وتباك، فإن ذلك من شأنه الضغط على المشاعر واستجماعها وتأجيجها. فإذا ما حدث التأثر بآية أو آيات علينا بتكرارها حتى نزداد من خلالها إيمانا . قال حذيفة بن اليمان: اقرءوا القرآن بُحزن، ولا تجفوا عنه، وتعاهدوه، ورتلوه ترتيلا. وهكذا تبدأ العودة الصحيحة للقرآن، لتظهر الثمار بعد ذلك: إيمانا حيا في القلوب يدفع صاحبه دفعا للعمل الصالح وفي كل الاتجاهات، فتسري الروح مرة أخرى في جسد الأمة وينصلح حالها، فيرضى الله عنها ويوفي بوعده الذي قطعه على نفسه ، قال تعالى : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 105، 106] .
. الدعاء