خطبة عن قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ)
نوفمبر 24, 2018خطبة عن ظل عرش الرحمن :(سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ)
نوفمبر 24, 2018الخطبة الأولى : من الاعجاز العلمي حديث( إِنَّ فِي الإِنْسَانِ عَظْمًا لاَ تَأْكُلُهُ الأَرْضُ أَبَدًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : ( عن أبي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ فِي الإِنْسَانِ عَظْمًا لاَ تَأْكُلُهُ الأَرْضُ أَبَدًا فِيهِ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». قَالُوا أَيُّ عَظْمٍ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « عَجْبُ الذَّنَبِ ».
إخوة الاسلام
خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وجعل خلقه آية عظيمة ، دالة على عظيم قدرته ،وبديع صنعه، ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى الإنسان بالنظر والتفكر في خلقه، يقول الله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ [الطارق: 5]؛ وكل هذا لكي يتعرف الإنسان على ربه تعالى ، ويشهد بأنه الإله الحق، والخالق المدبر ، والقائم على خلقه ، والمتصرف في ملكه كيف يشاء ، وقد جاءت نصوص من الكتاب والسنة ، لترشد الإنسان إلى بعض أسرار خلقه ، وتعينه على النظر والتفكر، ومن ذلك هذا الحديث الذي صدرت به هذه الخطبة وهو حديث : (عجب الذنب) والذي أخبر فيه النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عن حقائق علمية بالغة الأهمية، وهي أن الإنسان يركب خلقه من عجب الذنب ،وذلك عند تكون الجنين، وأن هذا العظم لا يبلى، بل يركب منه الإنسان، ويعاد خلقه منه يوم القيامة، فسبحان من خلق فأبدع ، وصور فأحسن وأتقن .وقوله -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ فِي الإِنْسَانِ عَظْمًا لاَ تَأْكُلُهُ الأَرْضُ أَبَدًا فِيهِ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». قَالُوا أَيُّ عَظْمٍ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « عَجْبُ الذَّنَبِ » رواه مسلم . وفي الصحيحين البخاري ومسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ » . قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ أَبَيْتُ . قَالَ أَرْبَعُونَ شَهْرًا قَالَ أَبَيْتُ . قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أَبَيْتُ . قَالَ « ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً . فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلاَّ يَبْلَى إِلاَّ عَظْمًا وَاحِدًا وَهْوَ عَجْبُ الذَّنَبِ ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ، وفي رواية في سنن أبي داود : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « كُلَّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُ الأَرْضُ إِلاَّ عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ ». وفي رواية الإمام أحمد 🙁عَن رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « يَأْكُلُ التُّرَابُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الإِنْسَانِ إِلاَّ عَجْبَ ذَنَبِهِ ». قِيلَ وَمِثْلُ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْهُ تَنْبُتُونَ » ، والعَجْبُ بالسكون: وهو العظمُ الذي في أَسفل الصُّلْب عند العَجُز. يقول النووي: “قوله: (عجب الذنب) هو بفتح العين وإسكان الجيم أي العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب، وهو رأس العصعص، ويقال له: (عجم) بالميم، وهو أول ما يخلق من الآدمي، وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه”.
ومن خلال هذه الأحاديث النبوية الشريفة نجد أن فيها إشارات إلى ثلاثة أمور: أولها : أن الإنسان يبدأ خلقه في مرحلة التكوين من عجب الذنب. ثانيها : أن عجب الذنب لا يبلى ولا تأكله الأرض. ثالثها : أنه منه يعاد خلق الإنسان يوم القيامة. ومن الاعجاز العلمي المذهل أن العلم الحديث أثبت ما قاله وأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقد اكتشف العلماء أن الذي يقوم بالتخليق والتنظيم لجميع خلايا الجنين هو الشريط الأولي ( عجب الذنب ) ، ومن ذلك أيضا ما أثبته مجموعة من العلماء في عدد من التجارب المختبرية استحالة إفناء عجب الذنب كيميائياً بالإذابة في أقوى الأحماض، أو فيزيائياً بالحرق، أو بالسحق، أو بالتعريض للأشعة المختلفة ، وأثبتوا كذلك أن الإنسان يركب خلقه يوم القيامة من عجب الذنب، ومما يصلح أن يستدل به على هذه المسألة هو أن عجب الذنب بعد أن يتراجع ويستقر في العصعص فإنه إذا حدث له مؤثر ونما مرة أخرى فإنه ينمو نمواً يشبه نمو الجنين حيث يبدأ في تكوين الطبقات الأولية ، تماماً مثل نمو الجنين، وأن وجود هذه الخلايا في منطقة العصعص لكي تحفظ البداية البشرية، ويمكن الاستدلال بهذا على أن الإنسان يركب من عجب الذنب يوم القيامة ،فمنطقة عجب الذنب تحتوى على خلايا الشريط الأولي وهي ذات مقدرة شاملة كلية بحيث لو نمت خلية فإنها تنمو نمواً بحيث تكون جنيناً. وهكذا ، ومن خلال اكتشافات العلم الحديث رأينا أن الإنسان يبدأ خلقه وتركيبه في اليوم الخامس عشر من عجب الذنب، ويعمل عجب الذنب على تكوين أجزاء جسم الإنسان ثم يرجع فيستقر في نهاية العمود الفقري في العصعص، وأظهرت التجارب أن عجب الذنب يبقى محافظاً على خواصه حتى لو تعرض للحرق أو الطحن أو الغلي، وتمكن العلماء من ملاحظة قدرة عجب الذنب على إعادة عملية التخليق إذا تعرض لبعض المؤثرات مشكلاً ما يشبه الجنين.
أيها المسلمون
لقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن قضية علمية غيبية ،في زمن لم يكن لمخلوق علم بها ، فقد ألهم الله رسوله صلى الله عليه وسلم النطق بهذه الحقيقة ، ليبقى فيها من الشهادات على صدق نبوته ورسالته ما يبقى دائماً لكل زمان، ولما كان زماننا قد تميز بقدر من الكشوف العلمية والتطورات التقنية التي لم تتوفر لزمن من الأزمنة السابقة، فإن مثل هذه الإشارات العلمية في السنة تبقى لغة العصر وخطابه وأسلوب الدعوة إلى دين الله الخاتم. فلا يمكن لعاقل أن يتصور مصدراً لهذه الحقائق العلمية من قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة غير وحي صادق من الله الخالق الذي خلق فأبدع، وألهم خاتم أنبيائه أن يحدث ، وينطق بهذه الحقائق المذهلة والمعجزة ، ليبقى فيها من الشهادات على صدق نبوته ، ورسالته ، ما يكون ملائماً لكل إنسان في كل عصر وزمان.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ فِي الإِنْسَانِ عَظْمًا لاَ تَأْكُلُهُ الأَرْضُ أَبَدًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد جعل الله عز وجل، دليل وجوده في كل مكان، بل إنه سبحانه وتعالى، زرع في نفس الإنسان وبين جوانحه الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على وجوده جل وعلا، قال تعالى {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } (21) الذاريات ، فقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أكمل وأبهى صورة، وأحسن خلق، فيقول رب العزة في كتابه العزيز: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (4) التين . وقد وضع الله عجائب قدرته في هذا الخلق، فلو تأملنا أجسامنا لوجدنا فيها من أفضل قدراته جل وعلا، حيث يتكون جسم الإنسان من العديد من الأجهزة والأعضاء التي لم تخلق عبثا، بل إن كل جهاز في الجسم مسؤول عن القيام بوظيفة معينة. وإن خلق الإنسان بهذا التكوين العجيب، وبهذه الخصائص الفريدة، وبهذه الوظائف اللطيفة المتنوعة الكثيرة، لآيات تدهش العقول، وتحير الألباب، ولكننا نسيناها لطول تكرارها، ولقربها منا، وإلفنا لها. إن هذا الإنسان هو العجيبة الكبرى في هذه الأرض ، ولكنه يغفل عن قيمته، وعن أسراره الكامنة في كيانه، حين يغفل قلبه عن الإيمان، وحين يحرم نعمة اليقين. إن آيات الرب تبارك وتعالى في خلقه ومخلوقاته تبصرة وذكرى، يتبصر بها من عمى القلب، ويتذكر بها من غفلته، فيعظم من خلقه. وأعظم وأفضل ما أنفقت فيه الأنفاس .. التفكر في آيات الله .. وعجائب صنعه .. والانتقال منها إلى تعلق القلب بالله .. وتعظيمه وتوقيره سبحانه دون شيء من مخلوقاته بتوحيده والإيمان به .. وطاعته، وعبادته.
إن هذا الإنسان عجيبة في تكوينه الجسماني في أسرار هذا الجسد .. وعجيبة في تكوينه الروحي في أسرار هذه النفس ، وحيثما وقف الإنسان يتأمل عجائب نفسه، التقى بأسرار تدهش وتحير، خلق أعضائه وتوزيعها، وأشكالها ووظائفها، وفي كل عضو من أعضائه، بل في كل جزء من عضو، خارقة تحير الألباب، لو كانت هناك عقول. وأعجب من هذا أسرار روحه، وطاقاتها المعلومة والمجهولة، إدراكه للأشياء، وطريقة إدراكها، وحفظها، وتذكرها ، فما أعظم وأمتع تلك اللحظات التي يقضيها الإنسان يتأمل وجوه الخلق وسماتهم وحركاتهم، بعين العابد السائح، الذي يتجول في معرض من إبداع أحسن الخالقين. ألا ما أعظم الخالق .. وما أعظم صنعه وخلقه. وما أخطر الجهل .. وما أسوأ الغفلة .. وما أضل من جهل نفسه. متى يتفكر الإنسان في نفسه؟. ومتى ينتبه القلب من رقدته؟.ومتى يؤوب العبد إلى ربه؟. فسبحان الخلاق العليم الذي تولى خلق هذه النطفة، وجعل منها إنساناً سوياً، سميعاً بصيراً: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (62) غافر ،فما أعظم قدرة الله، وما أعظم صنعه في هذه النطفة، كيف جعلها إنساناً، وبث منها البشرية المنتشرة على وجه الأرض؟. فمن هذه عظمته، وهذه نعمه، وهذا صنعه، كيف لا يعبده الإنسان ويطيعه، وهو الذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره؟.
الدعاء