خطبة عن حديث (لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ)
يوليو 15, 2023خطبة عن الهجرة النبوية (دروس وعبر) 2
يوليو 15, 2023الخطبة الأولى ( من دروس الهجرة : الثبات على المبدإ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (40) التوبة
إخوة الإسلام
لقد ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم – وأصحابه رضي الله عنهم – ظلوا صامدين ثابتين على مبادئهم ودينهم وعقيدتهم ، أمام التحديات ،وأساليب التهديد والترهيب ، وكذا الإغراءات والعروض ،التي مارسها إزاءهم المشركون؛ فلم يساوموا قط في دينهم، وهم في أحرج المواقف العصيبة في مكة، وهاجروا منها إلى المدينة المنورة وهم على نفس الدرجة من الثبات والعزيمة ، ولم يبالوا بما يصيبهم في سبيل ذلك من عذاب وعنت ومشقة ، فالصبر والثبات من أجل العقيدة من أهم الدروس المستفادة من الهجرة المباركة، وهي التي يحتاجها المسلم في هذا الزمان ،وفي تلك الأيام بالذات ،فنحن في عصر كثرت فيه الفتن ، وتنوعت فيه الشبهات ، وطغت فيه الشهوات والمغريات ، فأصبح المؤمن في أشد الحاجة إلى الثبات على الدين والعقيدة ،والثبات على الدين والحق نعمة من نعم الله على عبده المؤمن ، قال الله تعالى: { وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } (الإسراء:74)، وفي سنن الترمذي بسند حسن : (قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قُلْتُ لأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ عِنْدَكِ قَالَتْ : كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لأَكْثَرِ دُعَائِكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ قَالَ « يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ ». فَتَلاَ مُعَاذٌ : (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) آل عمران 8،
والثبات في أيام الفتن ووقت المحن والبلاء له أجره الكبير وفضله العظيم، ولذلك بشّر رسول الله – صلى الله عليه وسلم ـ الثابت على دينه بأجر خمسين من الصحابة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ ،قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ « لاَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ». رواه الترمذي . فهلاَّ ثبتنا على الحق ، هلا صبرنا على تنفيذ أوامر الله وعشناها وطبقَّناها في واقعنا حتى نفوز الفوز العظيم ، وننجو من الخسران المبين ،فطوبى لأولئك القابضين على دينهم في زمن غربة الإسلام بين أهله وفي وطنه، وكيف لا وها هي شعائر الإسلام تُحارَب في موطن الإسلام وبين أهله، وطوبى لأولئك الصابرين على فتن الحاضر وفتن المستقبل، والصابرين في مواجهة الظلم والطغيان، والصابرين في مواجهة ظلم السلطان وظلم السجان، والصابرين خلف الأسوار بلا تهم، والقابعين في زنازين الظلم والطغيان، لا لذنبٍ اقترفوه إلا أنهم (قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) فصلت 30، ففي المحن تظهر معادن الرجال، وتتجلَّى صور الإيمان، فإن كان ليلُ الظلم طويلاً ، فإن نور الصبح لا بد هو آتٍ ، وهو قريبٌ. فصبرًا صبرًا؛ فما أروع الصبر والثبات في سبيل هذه القيم النبيلة لهذه الأمة العظيمة، ولنتذكر دائمًا وأبدًا قوله تعالى : ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: 214). نعم.. ألا إن نصر الله قريب، ألا إن فرجه قريبٌ، فإن كانت الأمم السابقة وأهلها ضربوا لنا الأمثال في الصبر والثبات على الدين والعقيدة، فحريٌّ بهذه الأمة العظيمة أن يكون فيها مثلُ هؤلاء وأكثر في الصبر والثبات على المبدإ، وهي الأمة الشهيدة على كل الأمم ، قال الله تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: 143).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من دروس الهجرة : الثبات على المبدإ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
واعلموا أن التحمل والصبر والثبات في هذا الزمان يصيب الله به العباد ليميز به الخبيث من الطيب ، والمؤمن من المنافق ، قال الله تعالى : ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَم اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ (آل عمران: 142). فالذي أعز أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الله ، ثم شدة عقيدتهم وثباتهم على الحق ، فكان الرجل منهم لا يبيح لنفسه أن يخرج عن المثل والمبادئ الإيمانية قيد أنملة خوفاً من الله – مهما تعرض له من صعاب ، ومهما فقد من متاع الدنيا ونعيمها ، لأنه تعلم من كتاب الله ، قوله تعالى : ( وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) (198) آل عمران وقوله تعالى : (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (96) ،(97) النحل ،وقوله تعالى : (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (60) القصص ،وقوله تعالى : (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (36) الشورى
الدعاء