خطبة عن: من دروس الهجرة (الإيثار)
يوليو 15, 2023خطبة عن قوله تعالى (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ )
يوليو 15, 2023الخطبة الأولى (من دروس الهجرة ( حسن اختيار الصاحب ) 1
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
كلما أهل علينا شهر المحرم ، أهلت معه أجمل الذكريات ، وأروع العبر، تأتي هذه الذكرى ، ومعها عبير الجهاد ،والتضحية ، والفداء ، نعم ، التضحية بالنفس والمال والولد ، بالأهل والعشيرة ، كل ذلك من أجل نصرة الحق ، والتمكين للدين ،واليوم إن شاء الله أتناول معكم درسا من الدروس التي نستلهمها ونستخلصها من هذا الحادث الجلل ، وهذه الذكرى المباركة ،فمن الدروس المستفادة من حادث الهجرة ،( حسن اختيار الصديق، والصاحب والرفيق) فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما أراد الهجرة ، اختار أقوى الناس إيمانا ، وأحسنهم خلقا ، وأشدهم حبا لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم ، وأعظمهم فداء للحق ، وأكرمهم يدا ، إنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيقه في رحلته ، ثاني اثنين إذ هما في الغار ، إنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ،ففي صحيح البخاري (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا ، فَقَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « عَلَى رِسْلِكَ ، فَإِنِّى أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِى » . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَوَ تَرْجُوهُ بِأَبِى أَنْتَ قَالَ « نَعَمْ » . فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – لِصُحْبَتِهِ ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) ، هكذا اختار الرسول صلى الله عليه وسلم صاحبه في رحلته ، ورفيقه في سفره ،ويجب عليك أيها المسلم أن تحسن اختيار رفقائك ،وأصحابك ، وأصدقائك ، وجلسائك ،وفي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ » ، نعم ، لا تصاحب ولا تجالس ولا تستضيف في بيتك ، إلا المؤمن التقي ، الذي يحفظ سرك ، ويصون عرضك ، ويغض طرفه عن محارمك ، ويحفظ ودك ، ويعرف قدرك ، ويقربك من ربك ، فهو ناصح لا يغش ، أمين لا يخون ، صادق لا يكذب ، (لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا ) ، لأن الصاحب يتأثر بصاحبه ، وينقل عنه طباعه ، وأخلاقه ، فالصاحب ساحب ( فقد يسحبك للطاعة ، وقد يسحبك للمعصية )، لذا جاء في سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ » ، وصحبة الأخيار ، ومجالسة الأبرار الأطهار ، مكسب لك في دنياك وآخرتك ، يقول الحق تبارك وتعالى في وصف الأصدقاء والأخلاء يوم القيامة : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) الزخرف 67 ، فالمؤمن كله منفعة ، إن شاورته نفعك ، وإن شاركته نفعك ، وإن ما شيته نفعك ، فهو عون لأخيه في الدنيا والآخرة ،وفي الحديث المتفق عليه (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » . وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ )، ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : (عليك بإخوان الصدق ، تعش في أكنافهم ، فإنهم زينة في الرخاء ، وعدة في البلاء ، وضع أمر أخيك على أحسنه ، حتى يجيئك ما يغلبك منه ، واعتزل عدوك ، واحذر صديقك إلا الأمين من القوم ، ولا أمين إلا من خشي الله ، فلا تصاحب الفاجر فتتعلم من فجوره ، ولا تطلعه على أسرارك ، واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى ) ، أما علقمه فيوصي ابنه فيقول : ( إذا عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة ، فصاحب من إذا خدمته صانك ، وإن صحبته زانك ، وإن قعدت بك مؤنة مانك (أعطاك مؤنة) ، اصحب ، من إذا مددت يدك بخير مدها ، وإن رأى منك حسنة عدها ، وإن رأى منك سيئة سدها ، اصحب ، من إذا سألته أعطاك ، وإن سكت ابتداك ، وإن نزلت بك نازلة واساك ، وإن تنازعتما على شيء آثرك ) ،وفي مسند أحمد (« قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِىَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِىَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِىَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِىَّ »
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من دروس الهجرة ( حسن اختيار الصاحب ) 1
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
من أجمل ما قيل في تعريف الصديق الحق ، ما قاله بعضهم: قال : ( الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك ). ومثل هذا القول قد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين أقطع طلحة بن عبيد الله أرضاً وكتب له بها كتاباً وأشهد فيه ناساً منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، فأتى طلحة بكتابه إلى عمر ليختمه له، فامتنع عمر، فرجع طلحة إلى أبي بكر مغضباً وقال: ( والله ما أدري أأنت الخليفة أم عمر ؟ فقال أبو بكر: ( بل عمر لكنّه أنا ). قال لقمان لابنه وهو يعظه: ( يا بني إياك وصاحب السوء، فإنه كالسيف المسلول، يعجبك منظره، ويَقبُح أثره، يا بني ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا عند الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة ). وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: (“الذي يغفر زللي، ويقبل عِللي، ويسد خللي”). وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “اصحب من ينسى معروفه عندك، ويذكر حقوقك عليه”.
إخوة الإسلام والإيمان
ذكر أهل العلم صفات ، يجب على المسلم أن يختار صديقه وجليسه على وفقها: أولها: أن يكون ذا دين واستقامة، فإنّ ذا الدين يقف به دينه على الخيرات، ويجنبه المحرمات، مما يعود على صاحبه بالخير، وتارك الدين عدوّ لنفسه فكيف ترجى منه مودةُ غيره. قال أحد الحكماء: “اصطفِ من الإخوان ذا الدين والحسب والرأي والأدب، فإنه ردءٌ لك عند حاجتك، ويدٌ عند نائبتك، وأُنسٌ عند وحشتك، وزينٌ عند عافيتك”….فالخلق والدين شرط ضروري للجليس الصالح والصديق الناصح، ولن يكون صديقاً ناصحاً من يكون على غير دين، ولن يكون خليلاً وفياً من يخالفك في الفكر، الصفة الثانية: أن يكون عاقلاً ، فإن العقل رأس المال، والصديق الأحمق يفسد أكثر مما يصلح، ويضر أكثر مما ينفع، لذا كان لا بد أن يكون الصديق صاحب عقلٍ موفور، وسلوك محمود، ومن الجهل صحبة ذوي الجهل والحماقة ممن لا تدوم صداقتهم، ولا تثبت مودتهم، وقديماً قالوا
احذر مودة ماذقٍ …… مزج المرارةَ بالحلاوة
يُحصي الذنوب عليك…… أيام الصداقةِ للعداوةِ
الصفة الثالثة: أن يكون محمود الأخلاق، مرضيّ الفعال، مؤثراً للخير، آمراً به، كارهاً للشر ناهياً عنه… وروى الترمذي في سننه (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ شَىْءٍ يُوضَعُ فِى الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ ».
الدعاء