خطبة عن قوله تعالى (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ )
يوليو 15, 2023خطبة عن (العبرة من مرور الأيام والأعوام)
يوليو 15, 2023الخطبة الأولى: (من دروس الهجرة) مختصرة
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (5) إبراهيم
إخوة الإسلام
كلما أهل علينا شهر الله المُحرَّم، يتذكَّر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ذلك الحدث العظيم، الذي قلَب موازين التاريخ، وغيَّر وجه البشريَّة، إنَّه حادث الهجرة النبوية المباركة، التي كانت سبيلاً إلى قيام الدولة الإسلامية، فتدكدكت جبال الكفر ، وشع النور وانطمس الظلام ،وعم العدل وولى الظلم ،وجاء الهدى بعد الضلال ، والأمن بعد الخوف ،ومن أهم الدروس التي يمكن لنا أن نستخلصها من هذا الحادث الجلل :التضحية: فهذا رسولُ الله – صلى الله عليه وسلَّم – يضطرُّ إلى مغادرة بلده الذي وُلِد فيه ، وترك أقرباءه وعشيرته، فقال وهو يغادرها بِنَبْرة من الحزنِ: (واللهِ إنَّك لَخيْر أرْض الله، وأحبُّ أرْض الله إلى الله، ولوْلا أنِّي أُخْرِجْت منْك ما خرجْتُ) ؛ “الترمذي”.، ومن الدروس أيضا : عدم اليأس: فلقد مكثَ النبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – في مكة مدَّةً من الزَّمن، يدعو قومه إلى الهدى، فما آمن له إلاَّ قليل، بل عُذِّب هو وأصحابُه، فلم يكن لِيَثنِيَه كلُّ ذلك عن دعوته، بل زاده إصرارًا وثَباتًا، وفي صحيح البخاري : (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ ،قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ « كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ ،فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ،وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ،لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ »، ومن الدروس أيضا: حسن الصحبة: وتجلَّت في أبْهَى صُوَرِها مع أبي بكر الصدِّيق، فعندما خرجا معًا، كان أبو بكر يتقدَّم النبِيَّ – صلى الله عليه وسلَّم – في ترَصُّد الأمكنة؛ حتَّى لا يصيبه أذًى، فسأله النبي – صلى الله عليه وسلَّم – قائلاً: ((يا أبا بكر، لو كان شيء، أحببتَ أن يكون بك دوني؟))، فقال أبو بكر: “والذي بعثك بالحقِّ، ما كانَتْ لتكون من مُلِمَّة إلاَّ أن تكون بي دونَك”، فلما انتهَيا إلى الغار، قال أبو بكر: “مكانك يا رسول الله، حتَّى أستَبْرِئ لك الغار”؛ رواه الحاكم في “المستدرك”، ومن الدروس أيضا: التخطيط الجيد: فالهجرة تعلِّمنا كيف يؤدِّي التخطيطُ الجيِّد دَوْرَه في تحقيق النَّجاح، ومن أعظم أسُسِ التَّخطيط حُسْنُ توظيف الطاقات، وسلامة استغلال القدرات المتاحة، فالصَّدِيق قبل الطريق، والراحلة تُعْلَف وتُجهَّز قبل أربعة أشهر وبِسرِّية تامَّة، وعليُّ بن أبي طالب يُكَلَّف بالنوم في فراش النبِيِّ – صلى الله عليه وسلَّم – تَمويهًا على المشركين، وهو دور الفتيان الأقوياء، ومن الدروس أيضا: الثبات على الموقف، والبحث عن الحلِّ الشامل،: لقد بدأ الحلُّ الشامل منذ أن عُرض على النبيِّ – صلى الله عليه وسلَّم – أن يَعْبد إله المشركين عامًا، ويعبدوا إلَهَه عامًا، فأبَى ذلك، ثم تطوَّرَت العروض والمغريات حتَّى وصلَتْ إلى ذروتها مع عتبة بن ربيعة حين قال للنبِيِّ – صلى الله عليه وسلَّم -: “يا ابن أخي، إن كنْتَ إنَّما تريد بِما جئتَ به من هذا الأمر مالاً، جَمَعْنا لك من أموالنا حتَّى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفًا، سوَّدْناك علينا حتَّى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد مُلكًا، ملَّكْناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا تراه” مَسًّا من الجن “لا تستطيع ردَّه عن نفسك، طلَبْنا لك الطِّبَّ، وبذَلْنا فيه أموالنا حتَّى نبرئك منه”؛ السيرة النبوية”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية: ( من دروس الهجرة) مختصرة
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن دروس الهجرة أيضا: التوكل على الله: فمَنِ الذي منع المشركين من أن يَعْثروا على النبِيِّ – صلى الله عليه وسلَّم – وصاحبه، وقد وقَفوا على شفير الغار، حتَّى قال أبو بكر: “لو أنَّ أحدهم نظر تَحْت قدمَيْه لأبصرنا”؟ إنه الله؛ ولذلك كان جواب الرسول – صلى الله عليه وسلم -: (ما ظَنُّك يا أبا بكر باثْنَيْن اللهُ ثالثُهما؟)؛ البخاري. فالتوكُّل سبيل النَّصر، فكلما اشتدت الظُّلمات، جاء الصُّبح أكثر انبلاجًا، ومن دروس الهجرة أيضا: السرية التامة، وكتمان السر ، فيدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أبي بكر في وقت الظهيرة ، متقنعا ثوبه على رأسه ، ويقول لأبي بكر : (« أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ . يَعْنِى عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ . قَالَ « أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ » . قَالَ الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .قَالَ « الصُّحْبَةَ» قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ ، فَخُذْ إِحْدَاهُمَا . قَالَ « قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ »، ومن دروس الهجرة أيضا: الإيثار ، فهذا هو الإمام علي رضي الله عنه ، وكرم الله وجهه ، يؤثر رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه ، ويفديه بحياته وعمره ، فها هو رضي الله عنه يبيت في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، معرضا نفسه للقتل والضرب والخطر ، ليخدع المتربصين برسول الله صلى الله عليه وسلم ،يبيت في فراشه ،رغم علمه بأن العيون ترصده ،والسيوف تطلبه ،لكنه باع نفسه لله ،ليفدي رسوله ومصطفاه ،فكما في مسند أحمد (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( فَبَاتَ عَلِىٌّ عَلَي فِرَاشِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَخَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى لَحِقَ بِالغَارِ )، وأيضا ،يظهر خلق الإيثار في الهجرة المباركة ،من خلال أبي بكر الصديق رضي الله عنه ،فنراه عندما وصلا إلى الغار ،يدخله قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ،خوفا من أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم مكروه، ويؤثر بذلك رسول الله على نفسه
الدعاء