خطبة حول حديث ( وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ)
سبتمبر 25, 2021(دروس عن قصة نبي الله داود عليه السلام )
سبتمبر 28, 2021الخطبة الأولى ( من رضي بالْخَطِيئَة ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في صحيح ابي داود 🙁عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا». وَقَالَ مَرَّةً «أَنْكَرَهَا». « كَمَنْ غَابَ عَنْهَا ،وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا »،
إخوة الإسلام
هذا الحديث النبوي الكريم فيه بشارة ونذارة ،وفيه ترغيب وترهيب، فقوله صلى الله عليه وسلم 🙁إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا أو أَنْكَرَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا». ففي ذلك بشارة للمؤمن الكاره للمنكر بقلبه ،والمعنى: أنه إذا عمل الناس بالمعاصي والمنكرات، وجهروا بها ،واعلنوا عنها ،وافتخروا وتباهوا بها ،فالذي رأى هذا المنكر وكرهه وأبغضه ،وحزن وتألم لما يرى من الفسوق والعصيان، والوقوع فيما يغضب الرحمن، وتبرأ إلى الله من فعل هؤلاء المفسدين ، وقال حسبنا الله ونعم الوكيل ،فهذا لا يحاسب ولا يعاقب ولا يسأل يوم القيامة عما يعمل هؤلاء الظالمون ،لأنه أنكر المنكر بقلبه ، حينما لم يستطع أن يغيره بيده أو لسانه ، واضرب لذلك مثلا لأوضح لكم الأمر : فإذا وقعت عينك على المخنثين من الشباب في هذا الزمان ،والعاريات المائلات المميلات من النساء، وإذا رأيت أهل الشراب والسكر ،وأهل المغاني والرقص لا يحاسبون ، ورأيت أهل الدين والأخلاق يعذبون، ورأيت الكاذب يصدق ،والصادق يكذب ،فأنكرت كل ذلك بقلبك، وتألمت له ،وضاقت به نفسك ، وحزنت للمعصية ،ولما آل إليه حال الناس من الفسوق والطغيان، فحينئذ قد برئت ذمتك أمام الله، وأنقذت نفسك من العذاب الذي سوف يلحق بهؤلاء، لأنك كرهت وأنكرت، وحزنت وتألمت ،ولم يكن في استطاعتك غير ذلك، فلا تملك التغيير ،ولا حتى مجرد النصح والارشاد، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها .فقد أعذرت إلى الله تعالى.
أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا)،فهو يحمل نذارة وتخويف ،وترهيب وتحذير ،والمعنى :أن من غاب عن هذه المنكرات، وابتعد عن فعل المعاصي والموبقات، ولم يقدم على فعل السيئات، ولكنه لم ينكر على فاعلها، ولم يتألم قلبه بوقوعها، بل كان سعيدا مسرورا برؤيتها، راضيا قلبه بسماعها ،فهذا الانسان أوقع نفسه في العذاب فيما لا يطيق ،رغم أنه لم يعمل تلك المعاصي ،ولكنه رضي بها ، وصفق لفاعلها، وفرح برؤيتها ، فكان عليه من الوزر والذنب كمن شهدها ووقع فيها، ويحاسب يوم القيامة مع من فعل هذه المعصية، وأضرب لكم لذلك مثلا : من رأى الممثل وهو يقبل الممثلة، ومن شاهد الراقص وهو يغازل الراقصة ،ومن رأى أو جالس أهل الخمر والمغنى ،ولم يتألم قلبه لقتل المسلمين، أو تعذيب المستضعفين، ومن رضي بزعامة المفسدين ،وصفق لأهل المغنى والمنحرفين ،فهو لم يفعل شيئا من ذلك ،ولكنه رضي بقلبه، فكان الجزاء يوم القيامة أن يحشر مع هؤلاء المفسدين ، وأنه يلقى معهم العذاب الأليم، وتكتب عليه في صحيفة أعماله سيئات هؤلاء المفسدين، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِىَ وَتَابَعَ ». وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : «مَثَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ كَمَثَلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالاً فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « فَهُمَا فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ عِلْمًا وَلاَ مَالاً فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَالِ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من رضي بالْخَطِيئَةُ)
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فقد دلَّت الأحاديث والآثار على أهميَّة إنكار المنكر للمسلم الغَيور على دينه، وأنَّه دائمًا في حالة إنكارٍ للمنكر بدرجاته الثَّلاث: (اليد، واللسان، والقلب)، بحسب الاستِطاعة، ومراعاة أحوال المدعوين، وقد حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من ذلك؛ كما في سنن البيهقي: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيٌّ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَنِهِ وَيَقْتَدُونَ بِهَا ثُمَّ يَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» ،فلذلك ،فعلينا أن نراجِع قلوبنا، وألَّا نرضخ للمنكر مهما عظم وكبر وفحش؛ بل ننكره حتى نثبتَ لله سبحانه وتعالى أنَّنا لا نرضى بهذا، فيكون لك بذلك مَعذرة عند الله تعالى
أما الرضا بالمنكر وبالخطايا فهو من أقبح الذنوب ،ففي سنن أبي داود وغيره 🙁عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهِ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ». وفي مسند أحمد : (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلاَ يُنْكِرُوهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ »،
الدعاء