خطبة عن حديث :(تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ)
يونيو 30, 2018خطبة عن (من أخلاق المسلم (القناعة)
يونيو 30, 2018الخطبة الأولى ( من علماء الإسلام : سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) (28) فاطر ، وروى أبو داود في سننه : (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ». وفي سنن الترمذي : (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِى فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ ،وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ».
إخوة الإسلام
إن العلماء ورثة الأنبياء، فهم قائمون في الأمة مقامهم، ومضطلعون بدورهم، والناس دائمًا تتطلع إليهم، وعيونهم معلقة بهم، خاصة وقت الأزمات والنوازل، وكلما كان العالم الرباني منظورًا إليه، مقتدى به، كانت التبعة أعظم، والمحنة أشد، فالعالم الرباني هو رجل الأمة ودليل العامة، ودرع الحق والشرع الذي يحمي بيضة الدين، ويذب عن حياضه، وبثباته على الحق يثبت الكثيرون، لذلك ما من عالم رباني قام في الأمة إلا تعرض لكثير من المحن والابتلاءات ، وعالمنا الرباني الذي نتحدث عنه اليوم إن شاء الله ، هو سيد التابعين، وقدوة السلف، إنه العالم : (سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ) ،إنه الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد ، أبو محمد ، مولاهم -أي: أنه لم يكن من أصل عربي ولكنه مولى لبني أسد، أي: أن أحد أفراد هذه القبيلة اشتراه فأعتقه، فصارت هناك علاقة بين المُعتِق والمُعتَق وهي علاقة الولاء ،وقد وُلِدَ سعيد بن جبير في زمن خلافة الإمام على بن أبي طالب – – بالكوفة، وقد نشأ سعيد محبًّا للعلم، مقبلاً عليه، ينهل من معينه ، فكان : (سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ) تقياً وعالماً بالدين ، وقد درس العلم عن عبد الله بن عباس حبر الأمة وعن عبد الله بن عمر وعن السيدة عائشة أم المؤمنين في المدينة المنورة، وقد سكن الكوفة ونشر العِلم فيها ، وكان من علماء التابعين، وقد روى الحديث عن أكثر من عشرة من الصحابة، وقد بلغ رتبة في العلم لم يبلغها أحد من أقرانه، قال خصيف بن عبد الرحمن عن أصحاب ابن عباس: كان أعلمهم بالقرآن مجاهد وأعلمهم بالحج عطاء، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير. وكان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء يعني سعيد بن جبير. وعن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن فريضة فقال: ائت سعيد بن جبير فإنه أعلم بالحساب مني وهو يفرض منها ما أفرض . وقد روى له البخاري – ومسلم – وأبو داود – والترمذي – والنسائي- وابن ماجه. ومن ملامح شخصية سعيد بن جبير : أنه كان عابدًا قوامًا، فعن أصبغ بن زيد قال : كان لسعيد بن جبير ديك كان يقوم من الليل بصياحة فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح فلم يصل سعيد تلك الليلة فشق عليه فقال: ما له قطع الله صوته فما سمع له صوت بعد فقالت له أمه: يا بني لا تدع على شيء بعدها. وقال القاسم بن أبي أيوب سمعت سعيدًا يردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) البقرة (281) ،ويقول هلال بن خباب: خرجت مع سعيد بن جبير في رجب فأحرم من الكوفة بعمرة ثم رجع من عمرته، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة وكان يحرم في كل سنة مرتين مرة للحج ومرة للعمرة. وكان لسعيد شأن وحال مع القرآن فروي أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين. وكان سعيد بن جبير يجيء فيما بين المغرب والعشاء فيقرأ القرآن في رمضان، وعن الصعب بن عثمان قال: قال سعيد بن جبير: ما مضت علي ليلتان منذ قتل الحسين إلا أقرأ فيها القرآن إلا مريضًا أو مسافرًا. ومما أثر عن سعيد بن جبير خوفه وخشيته وكان ذكر الموت لا يفارقه فيقول: لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي قلبي. وعنه قال: إنما الدنيا جمع من جمع الآخرة. ولما علم من فضل الشهادة تمناها ،وثبت للقتل ،ولم يكترث ولا عامل عدوه بالتقية المباحة له – رحمه الله تعالى -، فعن داود بن أبي هند قال: لما أًخذ الحجاج سعيد بن جبير قال: ما أراني إلا مقتولاً وسأخبركم: إني كنت أنا وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء ، ثم سألنا الله الشهادة ، فكلا صاحبي رزقها ،وأنا أنتظرها ، قال: فكأنه رأى أن الإجابة عند حلاوة الدعاء. ومن الكلمات الخالدات لسعيد بن جبير أنه قال : التوكل على الله جماع الإيمان ، والخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك فلتلك الخشية، والذكر طاعة الله فمن أطاع الله فقد ذكره ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن. وقال: أظهر اليأس مما في أيدي الناس فإنه عناء، وإياك وما يعتذر منه فإنه لا يعتذر من خير .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من علماء الإسلام : سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يروي عون بن أبي شداد ما وقع بين سعيد والحجاج فيقول: بلغني أن الحجاج لما ذكر له سعيد بن جبير أرسل إليه قائدًا يسمى المتلمس بن أحوص ، في عشرين من أهل الشام، فبينما هم يطلبونه ،إذا هم براهب في صومعته فسألوه عنه فقال: صفوه لي ،فوصفوه ،فدلهم عليه ،فانطلقوا ، فوجدوه ساجدًا يناجي بأعلى صوته ، فدنوا ،وسلموا، فرفع رأسه ، فأتم بقية صلاته ،ثم رد عليهم السلام ،فقالوا: إنا رسل الحجاج إليك فأجبه، قال: ولا بد من الإجابة، قالوا: لابد ،فحمد الله وأثنى عليه ، وقام معهم ،حتى انتهى إلى دير الراهب ،فقال الراهب: يا معشر الفرسان، أصبتم صاحبكم ، قالوا: نعم ، فقال: اصعدوا فإن اللبوة والأسد يأويان حول الدير ففعلوا، وأبى سعيد أن يدخل ، فقالوا: ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا ، قال: لا ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدًا ،قالوا: فإنا لا ندعك ،فإن السباع تقتلك ، قال: لا ضير إن معي ربي ،يصرفها عني ، ويجعلها حرسًا تحرسني ،قالوا: فأنت من الأنبياء؟ قال: ما أنا من الأنبياء، ولكن عبد من عبيد الله مذنب ،قال الراهب: فليعطني ما أثق به على طمأنينة ،فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد قال: إني أعطي العظيم الذي لا شريك له ،لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله، فرضي الراهب بذلك ،فقال لهم: اصعدوا وأوتروا القسي ،لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح ،فإنه كره الدخول في الصومعة لمكانكم، فلما صعدوا وأوتروا القسي ، إذا هم بلبوة قد أقبلت ،فلما دنت من سعيد ، تحككت به وتمسحت به، ثم ربضت قريبا منه ،وأقبل الأسد يصنع كذلك ،فلما رأى الراهب ذلك ، وأصبحوا ، نزل إليه ، فسأله عن شرائع دينه ،وسنن رسوله ، ففسر له سعيد ذلك كله ، فأسلم، وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ، ويقبلون يديه ورجليه ، ويأخذون التراب الذي وطئه ، فيقولون: يا سعيد حلفنا الحجاج بالطلاق والعتاق ، إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه، فمرنا بما شئت ،قال: امضوا لأمركم ،فإني لائذ بخالقي ،ولا راد لقضائه ، فساروا حتى بلغو واسطًا ،فقال سعيد: قد تحرمت بكم ، وصحبتكم ، ولست أشك أن أجلي قد حضر ،فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت ، واستعد لمنكر ونكير، وأذكر عذاب القبر، فإذا أصبحتم ، فالميعاد بيننا المكان الذي تريدون ،فقال: بعضهم لا تريدون أثرًا بعد عين ،وقال بعضهم: قد بلغتم أمنكم واستوجبتم جوائز الأمير ،فلا تعجزوا عنه ، وقال بعضهم: يعطيكم ما أعطى الراهب، ويلكم أما لكم عبرة بالأسد ، ونظروا إلى سعيد قد دمعت عيناه، وشعث رأسه، واغبر لونه، ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ يوم لقوه وصحبوه، فقالوا: يا خير أهل الأرض، ليتنا لم نعرفك ولم نسرح إليك، الويل لنا ويلاً طويلاً، كيف ابتلينا بك؟ اعذرنا عند خالقنا يوم الحشر الأكبر، فإنه القاضي الأكبر، والعادل الذي لا يجور، قال: ما أعذرني لكم، وأرضاني لما سبق من علم الله في، فلما فرغوا من البكاء والمجاوبة قال: كفيله أسألك بالله لما زودتنا من دعائك ،وكلامك ، فإنا لن نلقى مثلك أبدًا ، ففعل ذلك، فخلوا سبيله ، فغسل رأسه ، ومدرعته ، وكساءه ، وهم محتفون الليل كله، ينادون بالويل واللهف، فلما انشق عمود الصبح جاءهم سعيد فقرع الباب، فنزلوا وبكوا معه ، وذهبوا به إلى الحجاج ، وآخر معه فدخلا ،
فقال الحجاج: أتيتموني بسعيد بن جبير قالوا: نعم ، وعاينا منا العجب، فصرف بوجهه عنهم فقال: أدخلوه علي ،فخرج المتلمس فقال: لسعيد أستودعك الله ، وأقرأ عليك السلام ، فأدخل عليه : فقال: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير؟ قال: أنت شقي بن كسير. قال: بل أمي كانت أعلم باسمي منك قال: شقيت أنت وشقيت أمك. قال: الغيب يعلمه غيرك. قال: لأبدلنك بالدنيا نار تلظى. قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا. قال: فما قولك في محمد صلى الله عليه وسلم. قال: نبي الرحمة إمام الهدى. قال: فما قولك في علي في الجنة هو أم في النار؟ ، قال: لو دخلتها فرأيت أهلها عرفت. قال: فما قولك في الخلفاء؟ ، قال: لست عليهم بوكيل. قال: فأيهم أعجب إليك؟ ،قال: أرضاهم لخالقي. قال: فأيهم أرضى للخالق؟. قال: علم ذلك عنده. قال: أبيت أن تصدقني؟ .قال: إني لم أحب أن أكذبك. قال: فما بالك لم تضحك. قال: وكيف يضحك مخلوق خلق من الطين والطين تأكله النار؟ قال: فما بالنا نضحك؟ قال: لم تستو القلوب . قال: ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والياقوت والزبرجد وجمعه بن يدي سعيد. فقال: إن كنت جمعته لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء جُمع للدنيا إلا ما طاب وزكا. ثم دعا الحجاج بالعود والناي فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى. فقال: الحجاج ما يبكيك هو اللهو؟، قال: بل هو الحزن أما النفخ فذكرني يوم نفخ الصور، وأما العود فشجرة قطعت من غير حق، وأما الأوتار فأمعاء شاة يبعث بها معك يوم القيامة. فقال: الحجاج ويلك يا سعيد. قال: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار. قال: اختر أي قتلة تريد أن أقتلك؟ قال: اختر لنفسك يا حجاج فو الله ما تقتلني قتله إلا قتلتك قتلة في الآخرة؟ قال: فتريد أن أعفوا عنك؟ قال: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر؟ قال: اذهبوا به فاقتلوه. فلما خرج من الباب ضحك فأخبر الحجاج بذلك فأمر برده. فقال: ما أضحكك؟ قال: عجبت من جرأتك على الله، وحلمه عنك فأمر بالنطع فبسط ، فقال: اقتلوه. فقال: “وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض”. قال: شدوا به لغير القبلة. قال:” فأينما تولوا فثم وجه الله”. قال: “منها خلقناكم وفيها نعيدكم”. قال: اذبحوه. قال: إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة، ثم دعا الله سعيد وقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي ، فذبح على النطع . وكان قتل سعيد بن جبير سنة أربع وتسعين وكان يومئذ بن تسع وأربعين سنة وقيل تسع وخمسون سنة، ومات ولسانه رطب بذكر الله
ولما كان دعاء سعيد بن جبير على الحجاج قبل مقتله “اللهم لا تسلطه على قتل أحد من بعدي”. فقد مات الحجاج دون أن يقتل أحد من بعد سعيد بن جبير. وبعد مقتل سعيد بن جبير اغتم الحجاج غما كبيرا ، وكان يقول: ما لي ولسعيد بن جبير ،كلما أردت النوم أخذ برجلي ،ويقال إنه رؤي الحجاج في النوم بعد موته ، فقيل له: ما فعل الله بك ؟ فقال : قتلني بكل قتيل قتلة ،وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة، هذا ويوجد مرقد سعيد بن جبير بواسط في العراق
الدعاء