خطبة عن قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
يناير 19, 2019خطبة عن حديث: (عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ
يناير 19, 2019الخطبة الأولى (من فضائل المهاجرين إلى الحبشة) (وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين واللفظ لمسلم : ( دَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ – عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- زَائِرَةً وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ مَنْ هَذِهِ قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ. قَالَ عُمَرُ الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْكُمْ. فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ كَلِمَةً كَذَبْتَ يَا عُمَرُ كَلاَّ وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ وَكُنَّا فِي دَارِ أَوْ فِي أَرْضِ الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ فِي الْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِى رَسُولِهِ وَايْمُ اللَّهِ لاَ أَطْعَمُ طَعَامًا وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَسْأَلُهُ وَوَاللَّهِ لاَ أَكْذِبُ وَلاَ أَزِيغُ وَلاَ أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ ». قَالَتْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالاً يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلاَ أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّى.
إخوة الإسلام
في بداية الدعوة الاسلامية ، ولمَّا رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما حل بالمسلمين من أذى وعذاب ،يوقعه بهم المشركون من أهل مكة ، أراد صلى الله عليه وسلم أن ينقذهم مِمَّا يلاقون، فنصحهم بالهجرة إلى الحبشة ،وقد فضّل الرسول عليه الصلاة والسلام هجرة المسلمين إلى الحبشة دون غيرها من البلدان، لأنّ سكانها يدينون بالمسيحية، وأنّ فيها ملكاً عُرِفَ بالتسامح والعدل ،وأنَّه لا يظلم عنده أحد. فخرج المسلمون من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام مهاجرين مخافة الفتنة، وفراراً إلى الله بدينهم، وكانت هذه أوَّل هجرة في الإسلام. وكان أهل هذه الهجرة الأولى إلى الحبشة اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، وقيل غير ذلك ، وكان من بينهم : عثمان بن عفان وزوجته رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسماء بنت عميس وزوجها جعفر بن أبي طالب ، وقد أنجبت أسماء لزوجها جعفر في الحبشة ثلاثة أولاد هم عبدالله بن جعفر وكان أول مولود للمسلمين في الحبشة ثمّ محمّد وعَون، ومنهم أيضا الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، وأبو سلمة وامرأته، وغيرهم ، رضي الله عنهم أجمعين. خرج المهاجرون متسللين سرّاً حتى وصلوا إلى شاطئ البحر الأحمر، وهناك وجدوا سفينة حملتهم إلى الحبشة ، وقد خرجت قريش في آثار هؤلاء المهاجرين تود أن تدركهم وأن تعيدهم إلى مكة مرّةً ثانية، ولكن عندما وصلوا إلى البحر لم يجدوا أحداً. وكان لهجرتهم هذه شأن عظيم في تاريخ الإسلام، فإنهم كانوا برهاناً لأهل مكة على مبلغ إخلاص المسلمين وتفانيهم في احتمال ما يصيبهم من المشقات والمتاعب في سبيل تمسكهم بعقيدتهم .
أيها المسلمون
وفي الحديث الذي تصدرت به هذه الخطبة ، دليل واضح ، وشاهد جلي ، على فضائل المهاجرين إلى الحبشة ، فإن كان للمهاجرين إلى المدينة أجر واحد ، فللمهاجرين إلى الحبشة أجران ، فأجرهم مضاعف ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم ردا على ما قاله عمر رضي الله عنه : « لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ ،وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ ». ومن فضائل المهاجرين إلى الله ورسوله : أولا : وقوع أجْر المهاجر على الله ، فقد قال الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [النساء: 100] ، ثانيا : ومن فضائل المهاجرين إلى الله ورسوله : هدم الذنوب ، ومغفرة الغدرات والفجرات ، فقد روى مسلم في صحيحه (عن عمرو بن العاص قال: فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ – قَالَ – فَقَبَضْتُ يَدِى. قَالَ « مَا لَكَ يَا عَمْرُو ». قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ « تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ». قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ « أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ». وفي معجم الطبراني (عن سلمة بن نفيل قال : جاء شاب فقام بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال بأعلى صوته : يا رسول الله أرأيت من لم يدع سيئة إلا عملها ولا خطيئة إلا ركبها ولا أشرف له سهم فما فوقه إلا اقتطعه بيمينه ومن لو قسمت خطاياه على أهل المدينة لغمرتهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم في : أسلمت أو أنت مسلم ؟ قال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اذهب فقد بدل الله سيئاتك حسنات ، قال : يا رسول الله وغدراتي وفجراتي ؟ قال : وغدراتك وفجراتك ثلاثا فولى الشاب وهو يقول : الله أكبر فلم أزل أسمعه يكبر حتى توارى عني أو خفى عنى ) ،
ثالثا : ومن فضائل المهاجرين إلى الله ورسوله : مغفرة الذنوب العظام مثل : (قتل النفس): فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ – قَالَ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ – فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلأَنْصَارِ فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ فَقَالَ غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ » ، رابعا: ومن فضائل المهاجرين إلى الله ورسوله : أن الهجرة أفضل الإيمان: فقد روى أحمد في مسنده : (عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِسْلاَمُ ،قَالَ « أَنْ يُسْلِمَ قَلْبُكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ ». قَالَ فَأَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ قَالَ « الإِيمَانُ ». قَالَ وَمَا الإِيمَانُ قَالَ « تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ ». قَالَ فَأَيُّ الإِيمَانِ أَفْضَلُ قَالَ « الْهِجْرَةُ ». قَالَ َمَا الْهِجْرَةُ قَالَ « تَهْجُرُ السُّوءَ ». قَالَ فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ قَالَ « الْجِهَادُ ». قَالَ وَمَا الْجِهَادُ قَالَ « أَنْ تُقَاتِلَ الْكُفَّارَ إِذَا لَقِيتَهُمْ ». قَالَ َأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ « مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ثُمَّ عَمَلاَنِ هُمَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِلاَّ مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِهِمَا حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ أَوْ عُمْرَةٌ ». خامسا : ومن فضائل المهاجرين إلى الله ورسوله :أن الهجرة من خمس أوامر أمَر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمته: ففي مسند أحمد (عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلاَّمٍ عَنْ جَدِّهِ مَمْطُورٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ أُرَاهُ أَبَا مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ آمُرُكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ رَأْسِهِ وَمَنْ دَعَا دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ جُثَا جَهَنَّمَ ». قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى ،قَالَ : « نَعَمْ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَلَكِنْ تَسَمَّوْا بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِى سَمَّاكُمْ عِبَادَ اللَّهِ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من فضائل المهاجرين إلى الحبشة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن فضائل المهاجرين إلى الله ورسوله : أن الهجرة عملٌ لا مثيلَ له: فقد روى النسائي في سننه (عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ أَنَّ أَبَا فَاطِمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِعَمَلٍ أَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ وَأَعْمَلُهُ. قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَلَيْكَ بِالْهِجْرَةِ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهَا ». قل المناوي: أي: “الزم التحوُّل من ديار الكفر إلى ديار الإيمان”. وقال الديلمي: “يريد به الهجرة مما حرَّم الله” ، سابعا : ومن فضائل المهاجرين إلى الله ورسوله : أن المهاجر حقًّا على الله أن يُدخله الجنة: ففي مسند أحمد وسنن النسائي (عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِى فَاكِهٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لاِبْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ لَهُ أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ – قَالَ – فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ. وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ – قَالَ – فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ – قَالَ – ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ هُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقَسَّمُ الْمَالُ – قَالَ – فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَمَاتَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّةٌ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ». ثامنا : ومن فضائل المهاجرين إلى الله ورسوله : أن المهاجر يُبشَّر ببيت في رَبَض الجنة، وببيت في وسط الجنة: ففي سنن النسائي وغيره (عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنْبِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « أَنَا زَعِيمٌ – وَالزَّعِيمُ الْحَمِيلُ – لِمَنْ آمَنَ بِي وَأَسْلَمَ وَهَاجَرَ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ وَأَنَا زَعِيمٌ لِمَنْ آمَنَ بِي وَأَسْلَمَ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى غُرَفِ الْجَنَّةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَدَعْ لِلْخَيْرِ مَطْلَبًا وَلاَ مِنَ الشَّرِّ مَهْرَبًا يَمُوتُ حَيْثُ شَاءَ أَنْ يَمُوتَ ». تاسعا : ومن فضائل المهاجرين إلى الله ورسوله : أن المهاجر في أول زُمرة تدخل الجنة: فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أُمتي؟)، قال: الله ورسوله أعلم، فقال: (المهاجرون يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون، فيقول لهم الخزنة: أَوَقَد حُوسِبتُم؟ فيقولون بأي شيء نُحاسب؟ وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله، حتى مِتنا على ذلك، قال: فيُفتح لهم، فيَقِيلون فيه أربعين عامًا قبل أن يدخلها الناس) رواه الحاكم في المستدرك
الدعاء