خطبة عن الصحابي: ( ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ )
مارس 24, 2018خطبة عن العزلة وحديث( يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ)
مارس 31, 2018الخطبة الأولى ( من فوائد دراسة السيرة النبوية )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (158) الاعراف، وقال الله تعالى :(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (21) الاحزاب ،وقال الله تعالى :(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (39) ،(40) الاحزاب ، وقال الله تعالى :(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (7)، (8) الحجرات
إخوة الإسلام
نحن – المسلمين – مكلفون بالاقتداء برسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولن نتمكن من الاقتداء والتأسي به صلى الله عليه وسلم ما لم نفقه سيرته وندرسها ونتعرف عليها. وإذا كانت السيرة النبوية هي ما ورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، فأفعال النبي – صلى الله عليه وسلم – تبرز أكثر ما يكون في السيرة. ونحن مكلفون أيضا باتباع خيرة هذه الأمة، وهم أصحابه الأطهار، وأن لا نخرج على سنتهم وهديهم ، قال الله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة (100) ،وكيف نتبع سلف هذه الأمة ،ما لم نطلع على أعمالهم ، وجهادهم وسلوكهم؟!، فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة، سِجِل حافل بالمآثر، مليء بالمكرمات، مفعم بالفضائل والدروس، إنها كثيرة المواعظ والعبر التي تنبض بالنور، وترشد إلى الخير، وتوقظ الهمم، وتشحذ العزائم، وتزيد الإيمان، وترسم الطريق إلى مرضاة الله عز وجل، وتضع المعالم أمام الدعاة والمصلحين. إنها تجسد القيم العليا والمبادئ الرفيعة في شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واقعاً محسوساً لحياة كريمة فاضلة، سار على هديها الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم، ومَنْ جاء بعدهم من التابعين وتابعيهم بإحسان، فاستنارت العقول، وصلحت القلوب، وزكت النفوس، واستقامت الأخلاق، فكانوا بحق خير أمةٍ أُخرجت للناس. وقد اهتم الجيل الأول من الصحابة والتابعين وتابعيهم بهذه السيرة، فعن علي بن الحسين يقول: كنا نعلم مغازي النبي – صلى الله عليه وسلم – كما نعلم السورة من القرآن ، فكان السلف الصالح يعلِّمون أبناءهم هذه السيرة كما يعلمونهم السورة من القرآن، فنشؤوا على الفضائل، ونهضوا إلى المكارم، وطمحوا إلى معالي الأمور، واتخذوا من الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى، ومناراً شامخاً، وقدوة حسنة ينالون باتباعه واقتفاء أثره والعمل بسنته خير الدنيا وسعادة الآخرة ، يقول الله تعالى في محكم التنزيل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7] ،ويقول الله تعالى: {قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32]
أيها المسلمون
فللسيرة النبوية قدر كبير ، وفي مدارستها فوائد كثيرة ، وثمار عظيمة ، ومنها : أولاً: فهم القرآن : فمن فوائد دراسة السيرة النبوية؛ أنها تساعدك على فهم كتاب الله تعالى، فقد نزل القرآنُ مُنجّمًا، تعقيبًا على الأحداث، أو تبيينًا لإشكال، أو ردًا على استفسار، أو تحليلاً لموقف من مواقف السيرة، كما حدث في مواقع بدر وأُحد والأحزاب وتبوك، وكما حدث في صلح الحديبية، وحادث الإفك وغيرها من الحوادث والمشاهد . فدراسة هذه المواقف من السيرة تساعد في فهم ملابسات الحدث، وخلفيات الموقف، وطبيعته من الناحية المكانية والزمانية. ثانيًا: من فوائد دراسة السيرة : فهم السُّنّة : فأحيانًا تَردُ مواقفُ السيرةِ في كُتب الحديث بشكل مقتضب جدًا، وأحيانًا يذكر أصحابُ المتون موقفًا أو موقفين في غزوة كاملة، الأمر الذي يدفع إلى مطالعة السيرة النبوية للوقوف على ملابسات الحدث وخلفياته وزمنه ومكانه، مما يعينه على فهم الحديث، واستيعاب بعض الأحاديث التي قد لا يفهمها العقل. ثالثًا: من فوائد دراسة السيرة : فهم العقيدة الإسلامية : فهي تساعد على فهم العقيدة الإسلامية؛ بطريقة عملية من خلال السلوك العملي للنبي – صلى الله عليه وسلم – عبر مسيرته الحافلة بمواقف الإيمان والثبات في مواجهة المحن والإيذاء والمساومات. وفي المرحلة المكية تتجلى المعاني الكبرى لعقيدة التوحيد، وتظهر طريقة القرآن المكي في ملاحقة الشبهات العقدية التي يطرحها المشركون خلال هذه المرحلة، وفي ضوء هذا التنزيل نرى الحكمة النبوية كيف تدمغ هذه الشبهات، وتفند هذه الادّعاءات التي أثارها الوثنيون حول توحيد الألوهية، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، والوحي والنبوة، وغيرها من المحاور العقدية العظمى، والتي تناولتها السيرة النبوية بشكل جامع مانع. رابعًا: من فوائد دراسة السيرة : التأسي بالنبي – صلى الله عليه وسلم – فهي تساعد على الاقتداء برسول الله – صلى الله عليه وسلم -، إذ هي تبين لنا أحواله وأخلاقه مع أهله ومع صحبه ومع عدوه، وتشرح لك سلوكه في سلمه وحربه، في حكمه وقضائه، في ضعفه وقوته، وفي مرضه وصحته … وقد قال الله تعالى -: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ” [الأحزاب:21]، ولن يتحقق هذا التأسي إلا بمعرفة سيرة الـمُتأسَى به وهو رسول الله. خامسًا: من فوائد دراسة السيرة : مَحبة النبي – صلى الله عليه وسلم – : فدراستها تُزيد المسلم حبا للنبي – صلى الله عليه وسلم -، وحبُه من الدين، وحبه من الإيمان، وقد قال الله – جل وعلا -: “قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ” [التوبة:24]، وقد قال خير البرية – صلى الله عليه وسلم -: « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » [ رواه البخاري ] .
فإذا أردتَ أن تكون من محبيه فعليك بسيرته، وإذا أردت أن تعرف قدره فعليك بسيرته، فهي تلهب مشاعرك نحوه، وتوثق قلبك به، فعليك بإدمان النظر في السيرة حتى يكون النبي – صلى الله عليه وسلم – أحب إليك من نفسك ووالدك وولدك والناس أجمعين، ولا تظنن أن هذا الحب يُدرك بالقراءة فقط، فالقراءة وعاء أجوف ما لم تملأه بالعمل. سادسًا: من فوائد دراسة السيرة : محبة الصحابة وآل البيت – رضي الله عنهم – فمن السيرة تعرف قدْرَ أبي بكر ، وبَلاءَ عمر ، وبذل عثمان، وشجاعة علي، وحلم معاوية، وصبر خباب، وثبات بلال، واجتماعية الطفيل، واقتصادية ثمامة، وكرم أبي أيوب، وفقه معاذ، وهمة ابن الجموح، وفدائية ابن جحش، وقرآنية ابن مسعود، وصدق أبي ذر، وأمانة أبي عبيدة، وعبقرية الحباب، وحفظ أبي هريرة، ودهاء عمرو، وخطابة سُهيل، وفروسية الزبير، وصمود سمّاك، وأناقة دحية، ولباقة ابن حذافة، وذكاء سلمان، وغيرهم، من الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم جميعًا ، هذا فضلاً عن فَضلِ أمهات المؤمنين، فمن السيرة تعرف سَبْقَ خديجة، وعِلْمَ عائشة، وفضل سَوْدة، وبركة جويرية، وغيرهن من أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن جميعًا -، وترى في السيرة جهادَ الصحابيات؛ وقد ضربن المثل في التضحية والبذل من أجل دين الله، فستعرف فيها: فضل سمية أيام مكة، وفضل أسماء يوم الهجرة، وفضل نسيبة بنت كعب يوم أُحد، وفضل غيرهن من الصحابيات الجليلات. سابعًا: من فوائد دراسة السيرة : تحصيل المنهج النبوي في التربية ، فدراسة السيرة؛ سياحةٌ روحية، تسمو بها النفوس، وتخشع لها القلوب، وتدمع فيها العيون، وتزكو بها الهمم، وتُشحذ فيها الأرواح والأجسام والعقول والجوارح . كما أن السيرة تُبيْن لك كيف أعدَّ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – جيل النصر المنشود، وكيف ساق عباد الأوثان إلى الحياة من جديد، وجعل منهم أعلامًا في الجهاد والفتوح، والحضارة والعلوم، والسياسة والفنون. فالسيرة ترسم لك معالم المنهج التربوي في الإسلام، وتشرح لك أهداف هذا المنهج ومقوماته ووسائله ونتائجه. وقد شهد أربابُ التربيةِ أن السيرةَ ذخيرةٌ في القيم التربوية والتي لم تجمعها سيرة إنسان مشى على وجه الأرض. ثامنًا: من فوائد دراسة السيرة : ثقافة التكوين، إعداد الفرد المسلم، البيت المسلم ، المجتمع المسلم : فالسيرة النبوية منهج حياة، تصور لك النظام الشامل للإسلام، فمنها يتعرف المسلم على منهج التكوين الإسلامي، فيعرف كيف أعدَّ النبيُ – صلى الله عليه وسلم – الفردَ المسلم، والبيتَ المسلم، والمجتمعَ المسلم، وكيف كانت بدايةُ الدعوةِ على حُر وعبد ( أبي بكر وبلال)، ثم الأُسرة الإيمانية ( في دار الأرقم )، والبيت المسلم ( كبيت أبي بكر)، ثم المجتمع الإسلامي الجديد في المدينة المنورة، ثم الدولة الإسلامية التي هي نتيجة طبيعية للمجتمع المسلم، وكيف أقام هذه الدولة، وبنى مسجدها، ووحد صفها ، وحرر سوقها، وجيش جيشها، وأمنَّ حدودها، وكتبَ دستورها، وعقد المواثيق مع جيرانها، وحارب أعداءها، ثم صالح وعقد هدنة، ثم راسل ملوك الدينا، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، ثم مات وخيله تتجهز لغزو الرومان. تاسعًا: من فوائد دراسة السيرة : الثقافة العسكرية، ومعرفة عوامل النصر وأسباب الهزيمة :فقد اشتملت السيرة على العديد من التجارب الحربية، والمفارقات العسكرية، والمشاهد القتالية، وأبانت لنا كيف انتصر المسلمون في بدر، وكيف انهزموا في أُحد، وكيف انكشف الحصار في الخندق، وأبانت جُبن اليهود، وخيانة اليهود، وعداوة اليهود، وأظهرت عناد الوثنيين، وتكبر الفرس، وإسراف الروم، وحمق كسرى، ودهاء هرقل، وعدل النجاشي، وكذب مسيلمة، وهكذا، يتثقف المسلم في المجال الحربي، متعلمًا من هذه المشاهد أسباب الهزيمة، وعوامل النصر، ووسائل التحفيز، وطرق الردع، وخطط الحرب، وآلات الضرب، ومشاهد السرية والكتمان، ودراسة مشاهد الحصار، والحرب الاستباقية، والحرب الدفاعية، والحرب المعنوية، والسَرايا الاستخبراتية، وغيرها من الدروب الحربية. عاشرًا: من فوائد دراسة السيرة : مدخل للعلوم الشرعية : فمن فوائدها، أنها تهيئ طلاب العلم، وتجعل لهم سُلامًا للعلوم الشرعية الأخرى، فالسيرة هي أم العلوم الشرعية؛ ففيها الشرح التطبيقي للعقيدة الإسلامية، وفيها مظان الأحكام الشرعية ، وأصول الأخلاق النبوية، وهي صدر التاريخ الإسلامي، ومقدمة مهمة لدراسة علم الحديث، ودرسٌ أساسي لدراسة السياسية الشرعية وأصول الحُكم في الإسلام، ولا غنى لطلاب علوم الاقتصاد الإسلامي من دراسة السيرة لاسيما ما حدث من استقلال الدولة الإسلامية في المدينة عن الاقتصاد اليهودي.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من فوائد دراسة السيرة النبوية )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن فوائد دراسة السيرة : مطالعة الأدب الإسلامي : فهي تحظيك نَهَلَهْ في الأدبين الجاهلي والإسلامي، فالعهد النبوي؛ عصرٌ ذهبيٌ في تاريخ الأدب، تنهل منه من الأدب الجاهلي الذي دار على ألسنة الصحابة وغيرهم، وتنهل منه من أشعار حسّان بن ثابت، وكَعب بن مالك، وعبدَ الله بن رواحة، ولبيد بن ربيعة، وغيرهم. وقد قال سعيد بن المُسيِّب: كان أبو بكر شاعراً، وعُمر شاعراً، وعليُّ أشعرَ الثلاثة. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في عمرة القضاء ، عندما أنكر عمر بن الخطاب على عبد الله بن رواحة قول الشعر في الحرم: ” «خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ فَلَهِي أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ » [ رواه الترمذي ] ،وعن عائشة – رضي الله عنها – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اهْجُوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ ». فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ « اهْجُهُمْ ». فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ حَسَّانُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ، ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ ، فَقَالَ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْي الأَدِيمِ … قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لِحَسَّانَ « إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ». وَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى ». [ رواه مسلم ]، والقصائد التي نظمها حسان وغيرها من شعراء العهد النبوي، لن ترتشف من رحيقها إلا في أعجاز المواقف والمشاهد في سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم -، مثل تلك الأشعار التي قِيلت في يوم بدر، أو يوم أحد، أو التي قيلت في مناسبات اجتماعية أو مدح أو ذم. ثاني عشر: من فوائد دراسة السيرة : وجبة ثقافية شهية: فهي تمنحك وجبة ثقافية دسمة؛ في عادات العرب الأُسرية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والعقدية والعسكرية والسياسية. ستعرف فيها كيف كان الزواج في الجاهلية وكيف كان في الإسلام، كيف كانت المرأة في الجاهلية وكيف كانت في الإسلام، وكذا الميراث والحج والقتال وغيرها من الموضوعات التي تعَلي من شأن الإسلام في نفسك. كما أن هذه الوجبة هي مطيتك لفهم ثاقب لطبيعة المجتمع الإسلامي في المدينة بعد ذلك. ثالث عشر: من فوائد دراسة السيرة : استلهام المستقبل: فالسنن الربانية ثابتة لا تتغير، ولا تتبدل، ولا تتحول، ولا تحابي أحدًا. والسيرة ما هي إلا تأريخٌ لأعظم فترة مرت بها البشرية، فيها أعظم تجربة لبناء أمة هي خير أمة أخرجت للناس، فيها تجربةٌ لبناء دولة، هي أعظم دولة ظهرت على كوكب الأرض، فيها تجربةٌ لإنشاء حضارة؛ هي أعظم حضارة ظهرت على مر العصور. وهذه الحصيلة الضخمة من الخبرات والتجارب التي حوتها السيرة لا غنى لذي عقل عنها فضلاً عن الحكام والعلماء والفلاسفة والمصلحين، فالسيرة بمثابة الكشاف الذي تَفهم به الحاضر وتستلهم منه المستقبل.
الدعاء