خطبة عن ( مَعَ الْقُرْآنِ )
ديسمبر 29, 2018خطبة عن قوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ)
يناير 5, 2019الخطبة الأولى ( من مقاصد الصلاة وثمراتها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (103) النساء، وقال الله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (114) هود، وقال الله تعالى : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (14) طه ،وقال الله تعالى : (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (45) العنكبوت
إخوة الإسلام
إن حياة الإنسان في هذه الأرض مريرة بالكد ،ومُفعمة بالبؤس والشقاء ، بدون إيمان يملأ شغاف الأفئدة، ويتربع على عرش القلوب، فالإيمان هو الحياة الحقيقية لهذا الإنسان، ولكنه لما خفت وهجه في النفوس ،وأَفَل نوره في القلوب ، استشرت العِلل، ووجدت بين الناس تعبا وشقاء ، وأرقا وضنكا ، وشتى أنواع الشقاء الإنساني ، حتى وإن وصل في المدنية أعلى المنازل ،وأرقى المراتب ، والذي ينظر إلى الإنسان نظرة ظاهرية شوهاء ،فإنه سيرجح جانب الجسد فيه، ولن يكون همه سوى إشباع رغباته ،واقتناص مصالح جسده ، بل وسيقدس وسائل الإشباع من جنس وأكل ونوم ومطالب للجسد ، ومثل هذا اللاهث نحو الجسد ،سيكون نقمة على الإنسانية إذا هددت مصالحه، ولما كان الله تبارك وتعالى هو خالق هذا الكون ، وهو يعلم ما يصلحه ، وما يفسده ، فقد شرع لعباده المؤمنين الصلاة ، لتكون لهم نورا ،وهداية ، وشحنة إيمانية ، يهتدي بها المسلم في حياته ، ولتكون له نورا ورحمة بعد مماته .فالصلاة فضلا عن تحقيقها للوصال مع الله عز وجل، فإن المسلم بمداومته إقامة الصلاة فإنها تكون سببا رئيسا لغرس الإيمان في القلوب ، وإنبات الإيمان في النفوس، ذاك الإيمان الذي فقدته الإنسانية، وتوارى نوره بين سراديب ماديتها، قال سبحانه في بيان القصد الرئيسي للصلاة: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (45) العنكبوت ، فإن قصد تحقيق ذكر الله في الصلاة ، هو من أعظم مقاصدها ، فبه تطمئن القلوب وتسعد، ويشرق الإيمان فيها ويستنير، وتلك هي السعادة الحقيقية وملاذ الإنسان وجوهر كده وبحثه، فالصلاة ذِكر من العبد لله، وذكر من الله للعبد في الملإ الأعلى ، فقال الله تعالى : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (14) طه، أي لتذكرني فيها ، أو لأذكرك بالمدح في عليين بها، وفي هذا تنبيه على عظم قدر الصلاة إذ هي تضرع إلى الله تعالى، وقيام بين يديه؛ وعلى هذا فالصلاة هي الذكر. وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرا في قوله تعالى 🙁 فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) الجمعة: 9 ولما كان الذاكر الله عز وجل مذكورا عند الله وذاكرا له كما قال سبحانه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) البقرة 152، كان أهل الله هم جلساؤه لأنهم ذاكرون له لاسيما في الصلاة التي هي وصال بين المحب والمحبوب عز وجل. وأما من كان غافلا عن الله وبقي محصورا في صلاته بين جدران المسجد ،مترقبا أخطاء المصلين ، فهو محروم من المعراج إلى الله الذي سلكه الصالحون في صلاتهم اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي فرضت عليه الصلاة عند المعراج ليكون هذا الفرض دليلا على أن الصلاة عتق من الأسر، أسر الدنيا وأثقال الأرض وأمراض الأنفس إلى رحاب الله وعروجا إليه، فالفائز حقا من كان في معراج دائم إلى الله في الصلاة، وداخلا جنان الذكر في صلاته ،فلا يعبأ أبدا بحطام، ولا يهتم ببشر، إذ همه الأعلى وقصده الأسنى ذكر الله في صلاته ،
أيها المسلمون
ومن مقاصد الصلاة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لقوله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (45) العنكبوت ،وهذا المقصد أي ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) هو ثمرة تابعة لما كان عليه العبد في صلاته، فإذا صفى صفي له، وإذا عكر عُكِّر عليه، ألا ترى أن أولياء الله الولهين بذكر الله الخاشعين المطرقين في صلاتهم هم الذين حازوا قصب السبق في الإحسان ومراقبة الله عز وجل والابتعاد عن المكروهات فضلا عن المحظورات، هذا حالهم مع الله ، أما حالهم مع الناس والخَلق ، فهو مغير للمنكر بالتي هي أحسن بسلوكه منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التغيير، ونحن نعلم أن هذا المنهاج كان مبنيا على الحكمة وحسن الخلق والتيسير والمحبة والرحمة والثقة والإقناع وخدمة الناس وجلب المصالح لهم والتواضع لهم والتبسم في وجوههم ومعايشة همومهم والتعاون معهم على طاعة الله واعتبارهم أفضل منه، أما الغلظة لهم والفضاضة معهم وتخشين الكلام عليهم والترفع عنهم فضلا عن محاكمتهم أو سبهم أو شتمهم فذلك من سيئ الأخلاق ورعونة الصفات بل ومن سمات الجاهلين .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من مقاصد الصلاة وثمراتها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن مقاصد الصلاة تعظيم الله عز وجل وتبجيله، ولذلك اشتملت الصلاة على أعلى أنواع التعظيم : من دعاء وتلاوة وركوع وسجود وتكبير وتحميد وتسبيح. ومن مقاصد الصلاة وثمراتها : الخضوع والانقياد لله تعالى: فالصلاة وما تشتمل عليه من أحكام تعبدية مثل الطهارة والقيام والركوع والسجود والأوقات وعدد الركعات، تعلم المسلم الخضوع والانقياد لأمر الله تعالى سواء علم الحكمة من الأمر أم لم يعلمها ،ومن مقاصد الصلاة : أن الصلاة غذاء للروح: فقد خلق الله الإنسان من جسد و روح وجعل لكل منها غذاء، ولما كان الجسد أصله من الأرض جعل الله غذاءه ما يخرج من الأرض، ولما كانت الروح من أمر الله، جعل غذاءها في ذكره سبحانه والاتصال به. يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: “فاعلم أنه لا ريب أن الصلاة قرة عُيون المحبين، ولذة أرواح الموحدين، وبستان العابدين ولذة نفوس الخاشعين، ومحك أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين، وهي رحمةُ الله المهداة إلى عباده المؤمنين…. ولما امتحن الله سبحانه عبده بالشهوة وأشباهها من داخل فيه وخارج عنه، اقتضت تمام رحمته به وإحسانه إليه أن هيأ له مأدبة قد جمعت من جميع الألوان والتحف والخلع والعطايا، ودعاه إليها كل يوم خمس مرَّات، وجعل في كل لون من ألوان تلك المأدبة، لذة ومنفعة ومصلحة ووقاراً لهذا العبد.. فيصدر المدعو من هذه المأدبة وقد أشبعه وأرواه، وخلع عليه بخلع القبول، وأغناه، وذلك أن قلبه كان قبل أن يأتي هذه المأدبة، قد ناله من الجوع والقحط والجذب والظمأ والعري والسقم ما ناله، فصدر من عنده وقد أغناه وأعطاه من الطعام والشراب واللباس والتحف ما يغنيه”.. ومن ثمرات الصلاة : أنها تجلي الهموم وتذهب الأحزان، يقول العلامة ابن عاشور: “عَلَى أَنَّ فِي الصَّلَاة سرا إِلهيَا لَعَلَّه ناشئ عَنْ تَجَلِّي الرِّضْوَانِ الرَّبَّانِيِّ عَلَى الْمُصَلِّي فَلِذَلِكَ نَجِدُ لِلصَّلَاةِ سِرًّا عَظِيمًا فِي تَجْلِيَةِ الْأَحْزَانِ وَكَشْفِ غَمِّ النَّفْسِ”. ويقول الإمام ابن راشد: “فالعبادات هي أدوية لأمراض القلوب، وإن الله تعالى أنزلها رحمة للعباد وصقالًا لمرآة قلوبهم؛ ليتوصلوا بذلك إلى محل أنسه، وسكنهم في حظيرة قدسه”.
الدعاء