خطبة عن (من فضائل شهر رمضان)
مارس 9, 2024خطبة عن ( في رحاب شهر رمضان )
مارس 9, 2024الخطبة الأولى ( من مقاصد الصيام وحكمته ) 1
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أمَّا بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (183) ) البقرة
إخوة الإسلام
إنَّ الدين الإسلامي دين مبني – بعد إفراد الله بالعبادة – على الحكمة والخير العميم ، ولهذا لم يشرع ـ سبحانه وتعالى ـ أحكام هذا الدين دون فوائد مرجوَّة ، ومقاصد جليلة ، فإنَّ لهذه الشريعة الإسلامية تكاليف سامية المقاصد ، نبيلة الفوائد ، بديعة الأسرار. ومن المعلوم أنَّ الله من أسمائه ـ سبحانه وتعالى ـ: الحكيم ، ومقتضى هذا الاسم أنَّه متَّصفٌ بالحكمة ، فكلُّ ما شرعه الله وقدَّره وأمر به فهو لحكمة بالغة. فهو ـ سبحانه ـ لم يكلِّفنا بالعبادات لأجل الإشقاق علينا ، أو لنكون قائمين بتطبيقها فحسب ، أو لحاجته ـ تعالى ـ لنا، بل إن الله شرعها ـ تعالى ـ لمصلحتنا وتربيتنا ، لتكون هذه العبادات زاداً لنا على طريق الهدى، وفي هذا يقول الإمام البيضاوي ـ رحمه الله ـ:( إنَّ الاستقراء دلَّ على أنَّ الله ـ سبحانه ـ شرع أحكامه لمصالح العباد) (المنهاج)وتلك الحكم والمعاني السامية لا تفهم إلاَّ بالبحث والاستقراء والتتبع ؛ لما يسمِّيه علماء الإسلام بـ:(فقه المقاصد الشرعية)، ومن المتيقَّن أنَّ الأحكام إذا ربطت بعللها ومقاصدها اقتنع الناس بها ، وكان لها دورٌ كبير في تأديتها على الوجه اللاَّئق بها ؛ فإنَّ كثيراً من الناس يلتزمون العبادات ، بيدَ أنَّهم قد يفقدون روحها ومعانيها، ولعلَّ من أسباب ذلك ضعف علمهم بمقاصدها؛ فيؤدُّون عباداتهم وكأنَّها عادات وتقاليد ورثوها عن آبائهم ؛ فلا يشعرون بلذَّتها وحلاوتها ،ولا يستفيدون من القيام بها على الوجه المطلوب. ولهذا كان من المناسب أن أعرِّجَ على ذكر شيء من مقاصد الصوم ، وحِكَمه الباهرة ، وخاصَّة أنَّ أهل العلم كانوا يولون لعلم مقاصد الشريعة مرتبة عالية ، ورحم الله الإمام ابن تيمية حين قال: (من فهم حكمة الشارع كان هو الفقيه حقَّاً) ، بل إنَّه ـ رحمه الله ـ يرى: أنَّ معرفة مقاصد الشريعة هي خاصَّة الفقه في الدين ، فمن المهم أن نعقل تلك الحقيقة الربانية ، ونعلم أنَّ من تمام العبودية لرب الخلق والبرية ، أن تكون عباداتنا خالصة لوجهه الكريم ، وعلى سنَّة خير المرسلين محمد بن عبد الله عليه من ربنا أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وأن تكون تلك العبادات معينة على زيادة الإيمان ، ليكون لها تأثيرٌ جليٌّ على النفوس والأبدان، وإلا كانت عباداتنا عادات ، وحينها فليخشَ المسلم على نفسه من مشابهة أهل النفاق ، الذين يصلون ويركعون ويحجون ومع ذلك لا يُكتب لهم في رصيد الدرجات حسنات ، بل معاصٍ وسيئات ، وسبب ذلك أن تلك العبادات لم تخالط سويداء قلوبهم، فصيَّرتهم إلى ما صيَّرتهم : كما قال تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)) البقرة
أيها المسلمون
فحديثنا اليوم إن شاء الله عن مقاصد الصوم وحكمه ، فإنَّ الصوم شرع لمعانٍ سامية، وحكم بالغة ، وفي هذا يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ:(والمقصود: أنَّ مصالح الصوم لمَّا كانت مشهودة بالعقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، شرعه الله لعباده رحمة بهم ، وإحساناً إليهم ، وحمية لهم وجُنَّة) (زاد المعاد) ، فمن تلك المقاصد والحكم: 1 ـ تحقيق التقوى بعبودية الله ـ عزَّ وجل ـ: وذلك لأنَّ الصوم عبادة يتقرب بها العبد لربِّه بترك محبوباته ، وقمع شهواته ، فيضبط نفسه بالتقوى ومراقبة الله ـ سبحانه وتعالى ـ في كل مكان وزمان ، ولهذا يقول المولى سبحانه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (183) ) البقرة ، وإذا تأمَّلنا أمره ـ تعالى ـ لعلَّنا نستنتج ، أنَّ هذا ـ والله أعلم ـ من باب التسلية للمؤمنين حين أوجب عليهم الصيام ، فبيَّن لهم أنَّه قد فرض الصيام على من كان قبلهم من الأمم في الدهور المنصرمة، فلا يتعجبوا حين فرض عليهم الصوم، ثمَّ قال تعالى:( لعلكم تتقون) وهذا هو المقصد الأسمى ، في حكمة مشروعية الصيام. (فهو لجام المتَّقين ، وجُنَّة المحاربين ، ورياضة الأبرار والمقرَّبين ، وهو لربِّ العالمين من بين سائر الأعمال ، فإنَّ الصائم لا يفعل شيئاً ، وإنَّما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده ، فهو ترك محبوبات النفس وتلذُ ذاتها إيثاراً لمحبَّة الله ومرضاته ، وهو سرٌّ بين العبد وربه لا يطَّلع عليه سواه ، والعباد قد يطَّلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة ، وأمَّا كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده ، فهو أمر لا يطَّلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم) ، ولهذا فإنَّ من تقوى المسلمين الصائمين لربِّهم أنَّهم لو أمروا أن يفطروا في شهر رمضان لغير عذر لم يفعلوا ، لعلمهم بكراهية الله لإفطارهم في هذا الشهر ، ولا ريب أنَّ هذا كما قال ابن رجب:(من علامات الإيمان حيث يكره المؤمن ما يلائمه من شهواته إذا علم أنَّ الله يكرهه) ( لطائف المعارف) ، بل إنَّ هذا من أبلغ حكم الصيام لتدريب النفس على التقوى ومحاسبة النفس على التقصير والنقص. وصدق الله ـ ومن أصدق من الله قيلاً ـ حين قال عن حكمة تشريع الصوم:( لعلَّكم تتقون)، فإنَّ من أعظم العبادات التي يتدرب بها العبد على ممارسة التقوى والتكيف معها هي عبادة الصيام، ولأجل ذا صار من أعظم الطاعات وأجل القربات ، ليكون الصائم مقبلاً على الله تعالى ، خاضعاً بين يديه ، ومجاهداً نفسه ومحاسباً لها في تقصيره ، فتكون نتيجة من نتائج التقوى ، وقد قال ميمون بن مهران ـ رحمه الله ـ:(لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه) وحينئذٍ يرتقي الإنسان لمسالك العبودية ، ومدارج التميز ، لأنَّه حفظ هذه الأمانة ، وجعلها منتصبة تجاه عينيه ، ولذا صار الصيام سراً بين العبد وربه ؛ لأنَّه قد يخلو الإنسان بنفسه فيكون عنده مثلاً شيء من الطعام ، فتتحرك غريزة الأكل لديه ، فيقمعها بسلطان التقوى ، ويلجمها بلجام المراقبة، فإنَّ عبادة الصوم هي عبادة السر،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من مقاصد الصيام وحكمته ) 1
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أمَّا بعد أيها المسلمون
يقول الله ـ تعالى ـ في الحديث القدسي الصحيح: « يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِى ، ) أخرجه الشيخان. فيكون هذا الترك لأجله ـ تعالى ـ طريقاً موصلاً بنا إلى الجنة ، ومكفِّراً لذنوبنا، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » أخرجه البخاري ومسلم ، ومعنى إيماناً: أي إيماناً بوجوبه ، ومعنى احتساباً: استشعاراً بالأجر عند ربِّه، ، ويكفي أنَّ العبد المؤمن يشعر بصيامه أنَّه عبد لله حقَّاً، فإنَّ كمال الحرية في تمام العبودية لله ، فلا يأكل الإنسان إلا إذا ابتدأ الوقت الذي بيَّنه الله أنَّه وقت للإفطار ، ولا يصوم إلاَّ إذا ابتدأ وقت الصيام ، فهي عبودية كاملة لله ، وأمانة يؤدِّيها العبد لربِّه ، ولهذا يقول المصطفى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: (إنَّ الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته) أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود بسند حسن. والحقيقة أنَّ هناك بعض المسلمين يفرِّط في حفظ هذه الأمانة التي استرعاه الله إيَّاها، فالمسلم ينبغي أن يلازم صيامه بتقوى الله في السِّر والعلن ، وأن يكون صيامه على منهاج النبوَّة والسنَّة المحمدية ، ولهذا فمن يصوم زيادة على ما قدَّره الشارع الحكيم ـ كمن يصوم من الفجر إلى العشاء ـ فإنَّه ليس من الصوم الذي شرعه الله واتُّقِيَ به، وكذلك من يفطر بعد صيامه على ما حرَّم الله كمن يفطر على الدخان أو الخمر أو غير ذلك من المسميات الخبيثة ، فإنَّه لا يعتبر ممَّن جرَّه صيامه للتقوى وملازمة مراقبة الله ، ونستكمل الموضوع إن شاء الله
الدعاء