خطبة عن ( كيف كان الرسول يقضي يومه ) مختصرة
أكتوبر 23, 2020خطبة عن أداء الأمانة والنهي عن الخيانة ، وحديث (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ)
أكتوبر 31, 2020الخطبة الأولى ( من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في التغيير )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد 11، وقال الله تعالى : (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (23) الفتح
إخوة الإسلام
إن التغيير سنّة حتمية من سنن الحياة، والتغيير واقع يجب أن نعيشه ونتقبله ،بل ونسعى إليه في مختلف مجالات الحياة ، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو البيئية أو المعرفية، وأن نعمل على الاستفادة منه في الانتقال من الواقع الحالي إلى مستقبل أكثر إشراقاً وتميزاً ، وقد خلق الله تعالى الكون وجعل التغيير واحداً من القوانين التي تحكمه، وقانوناً من القوانين التي تنظم علاقة مكوناته مع بعضها البعض، بل وأكّد الله تعالى في أكثر من آية في القرآن الكريم أنّ دوام الحال – فيما يتعلق بالإنسان بالذات – هو أمر غير وارد البتة ،وهو ما نفهمه من قول الحق تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) “آل عمران 140″، فهذه السنة ثابتة لا تتخلف أبدا، فالله يرفع أقواماً ويضع آخرين، ويرزق نعماً، ويحرم أخرى، ويغني قوماً، ويفقر آخرين، ويقوي أناساً، ويُضعف آخرين، وهكذا.. ولابد أن نعلم أنه لا يمكن الانتقال من وضع إلى وضع إلا بسبب، وقانون الله لا يحابي أحداً، فإذا غير الناس، إذا غير المجتمع حاله، غير الله حالهم، ونفذت سنته فيهم، فحدوث التغيير من الله مترتب على حدوثه من البشر، إن حسناً فحسن، وإن سوءً فسوء، وقد ذكرت الآية تغييرين :التغيير الأول : يُحدثه الله، كما في قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ) [الرعد: 11]. والتغير الثاني: يحدثه الناس: (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) [الرعد: 11]. وهو في الحقيقة يكون إلى الأحسن ويكون إلى الأسوأ، فالله يغير ما بقوم من الهزيمة والضعف إلى نصر وتمكين إذا غيروا ما بأنفسهم من بعد عن دينه، إلى تمسك بدينه، والعكس بالعكس، فهم الذين يختارون لأنفسهم، ويتحملون النتيجة والمسؤولية ، فالنعم والنقم، والخيرات والويلات، لا تتأتى هكذا مصادفة عفوية دون سبب، وإنما هي منوطة بأسباب، وأحوال معنية.
أيها المسلمون
وإذا كان التغيير سنة ربانية مؤكدة ، فماذا عن هدي الرسول (صلى الله عليه وسلم ) في التغيير؟، أولا : أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سلك طريق التغيير بالسنن الكونية والاجتماعية والنفسية والعقلية، واستعمل كلَّ الملكات وكل الحواس والإمكانات والأساليب في دعوة الناس ونقلهم من الظلمات إلى النور، سهر الليالي، وقطع الفيافي والقفار، واستغل كل جمع وكل موسم وكل قرابة وكل صلة وكل موقف، ولم ينتصر بكلمة كن والله قادر على نصره بها والتمكين بها، ولكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عرف الواقع فتعامل معه، ووعى التقاليد فوعاها، وفهم العقول فأرشدها وحاجَّها، وقدَّر المصاعب، وعرف العقبات، وأعدَّ العدَّة، ولم يترك شيئًا للمصادفات أو الظروف. لكنه -صلى الله عليه وسلم- استغلَّ الفرص، واستفاد من المواقف، واستثمر الزمن، وجيَّش الطاقات، ووظَّف العقول، واستعمل الحكمة، وهدهد العواطف، وأشبع الأشواق، ولفت إلى الغايات، وقاس الأمور بمقاييسها الصحيحة في السرِّ والعلَن، في الإعداد والاستعداد، في السلم والحرب، فأقدم لما كان الإقدام حزمًا وعزمًا، وهادن لما كانت المهادنة كسبًا وفتحًا، وانتصر بالحجة، وفاز بالمنطق، ووجَّه بالهداية، وأبهر بالقدرة، وفتح بالتعاليم، لم يقهر النفس أو يسخر منها أو يُكرهها على شيء، بل كان حريصًا على الناس، رؤوفا رحيمًا، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا قاسيَ القلب، لم يساوم على الحق أو يلوِ فيه وإن كان يرتاد له ويسلك أفضل السبل لقبوله والإقناع به.
ثانيًا: عرف الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن أسس التغيير هو الرجال فكان لا بد له من إيجادهم وتجميعهم حول دعوته، فشمَّر عن ساعدي الجد، ونزل إلى الميدان الحقيقي، الذي به تنتصر الدعوات، وتفوز الأمم، وتشاد الصروح، وترتفع المثل والغايات. وكان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يلتقي في الميدان بأعداء كثُر، وأن ينتصر في معارك متعددة، معارك في داخل النفوس الجاهلية، ومعارك وسط المجتمع ودروبه، ومعارك خارجية متربِّصة حتى يستطيع أن ينتزع الرجال. فمعارك الجاهلية بقسوتها وصلفها وغرورها وعنصريتها وتقاليدها وعقائدها ومظالمها ومجونها ووحشيتها وطبقيتها وأهوائها، معركة الديانات الفاسدة، بما لها من سدنة وكهنة وأحبار ورهبان، تمر سواء في الخداع والكذب والضلال، كل ذلك وغيره يحتاج في الداعية إلى ثلاثة عناصر: إيمان وصبر ووقت، وقد وجَّه القرآن الكريم الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى تلك العناصر، وأكد عليها في كثير من آياته ، قال الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أو زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (1) : (5 ) المزمل، ومنها قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أولُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) الأحقاف: 35، وانتصر الرسول- صلى الله عليه وسلم- في هذه المعارك بإيمان وصبر وأناة؛ حتى كوَّن الأمة وانتصر بها وانتصرت به وحملت الهداية وجاهدت في سبيلها.
ثالثًا : عرف الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن تربية الرجال هي أساس قوتهم وسرّ عظمتهم، واتحادهم وتآخيهم هو لبُّ سعادتهم وعزّتهم، فربى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الرجال حتى كانوا أكرم الناس نفسًا، وأتقاهم قلبًا، وأفضلهم سريرةً، وأطهرهم يدًا، وأشرفهم ذيلاً، وأوصلهم رحمًا، وأحنَّهم عاطفةً، وأعفَّهم لسانًا، وأصدقهم لهجةً، فكانوا صورةً صادقةً لدعوتهم ومثلاً حيًّا لقرآنهم ونموذجًا فريدًا لرسالتهم وقدوةً طيبةً، وتاريخًا عَطِرًا، وشهادةً واضحةً على عظمة الهداية وصِدق الداعي، وجلال التعاليم الربانية، وربانية المنهج.. أشاد القرآن الكريم بهم في رجولتهم وثباتهم، فقال الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (22) ،(23) الأحزاب.
رابعًا : أظهرت لنا سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن تاريخ العظماء إبداعٌ ونبوغٌ وجهادٌ وكفاحٌ وبذلٌ وعطاءٌ وهدايةٌ وإرشادٌ وقيادةٌ وحكمةٌ ورحمةٌ وعدالةٌ، وأن هذا الإبداع وهذه الأوصاف كما تتحقق في خلقه العظيم وفي سيرته تتحقق كذلك في منهجه ورسالته، وقد رسمت لنا السيرة العطرة صورةَ العظمة الحقيقية، وبيَّنت لنا معالم الريادة الصحيحة، وأظهرت بهتانَ العظمة المزيَّفة وضلال الريادة المغشوشة التي بُلي التاريخ بها، واكتوت الأمم بنيرانها، وكما ذكَّرنا القرآن الكريم بالصنفَين وتلا علينا الرسول- صلى الله عليه وسلم- آياتِ الفريقين.. تاريخ الهداة وتاريخ الطغاة.. تاريخ المُصلِحين وسِيَر الفاسدين المفسدين، الذين أوردوا أنفسهم وأممَهم الحتوف والمهالك بذنوبهم وجرائمهم، وصدق الله العظيم : ﴿فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) العنكبوت 40.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في التغيير )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن التغييرات من البشر يقابلها تغيير من خالقهم: (لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ». [رواه ابن ماجه وصححه الألباني) فيجب أن تعيش الأمةُ رسالتَها إذا أرادت أن تعود إلى خيريَّتها وريادتها، وهذه الخيرية بشروطها كما ذكرها الحق سبحانه ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه) آل عمران: 110. يجب أن تعيش الأمة رسالتها إذا رغبت أن تحيى عزيزةً مُهابةَ الجانب، وإلا عوقبت وسلَّط عليها طغاتها وأهواءها وأعداءها، وهذه سنة الله في المتنكِّبين للطريق والمتنكِّرين له، وصدق الله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَأوينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أو تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (175): (176)الأعراف .
الدعاء