خطبة عن (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)
أغسطس 31, 2025الخطبة الأولى (من هدي النبي في الفرح)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (58) يونس.
إخوة الإسلام
الفرح سجية بشرية فطرية، وتحدث للإنسان بحصوله على مطلوبه، أو دفع مكروهه، وكل إنسان لابد أنه قد ذاق حلاوة الفرح، كما ذاق مرارة الحزن، فالفرحة بالطاعة شيء عظيم، قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) يونس58، فإذا عملت خيراً، وحمدت الله تعالى عليه، فافرح، فهو خير مما تجمع من الدنيا، والله تعالى أمر بالفرح بفضله ورحمته، لأن هذا يوجب انبساط نفوس المؤمنين، ونشاطهم للطاعة، وشكر الله عز وجل، والرغبة في العلم والإيمان، والازدياد منهما،
هذا بخلاف الفرح بشهوات الدنيا، فإنها تؤدي إلى الأشر والبطر؛ فالله تعالى لا يحب الفرحين بالدنيا وزينتها، كما جاء في قصة قارون، قال تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (76) القصص، ولذلك، كان الفرح التام، والسرور الكامل، بطاعة الله، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري: (عَنْ أَنَسٍ – رضي الله عنه – أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا». قَالَ لاَ شَيْءَ إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ – صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ)، وهناك زيادة في رواية الترمذي: قال: (فَمَا رَأَيْتُ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَرَحَهُمْ بِهَذَا).
وقوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]. ومن أمثلة الفرح بفضل الله تعالى: الفرح بمواسم الطاعات، مثل قدوم رمضان، والحج، والفرح بيوم عرفة، والفرح بالأضحية، والفرح بنصر الله، وبهزيمة الكفر، وبزوال طاغية، وظهور أهل الإيمان والدين.
أيها المسلمون
أما عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفرح: فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر، يحب ويكره، ويفرح ويحزن، ومن تأمل أحوال فرحه صلى الله عليه وسلم وجدها فرحا بطاعة الله تعالى، وبما يقرب إليه، وفي سنن ابن ماجه: (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ يُسَرُّ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شُكْرًا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) .وفي صحيح البخاري: (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ قَالَ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ)، وفي سنن أبي داود: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ لاَ يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيْءٍ وَكَانَ إِذَا بَعَثَ عَامِلاً سَأَلَ عَنِ اسْمِهِ فَإِذَا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ فَرِحَ بِهِ وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا فَرِحَ بِهَا وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ).
وكان صلى الله عليه وسلم يفرح بإسلام الكافر، وهداية الضال، وتوبة العاصي، ومن ذلك فرحه بإسلام عدي بن حاتم (رضي الله عنه)؛ ففي سنن الترمذي: (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ الْقَوْمُ هَذَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. وَجِئْتُ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلاَ كِتَابٍ فَلَمَّا دَفَعْتُ إِلَيْهِ أَخَذَ بِيَدِي وَقَدْ كَانَ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ يَدَهُ فِي يَدِي قَالَ فَقَامَ بِي فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَصَبِيٌّ مَعَهَا. فَقَالاَ إِنَّ لَنَا إِلَيْكَ حَاجَةً فَقَامَ مَعَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُمَا ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي حَتَّى أَتَى بِي دَارَهُ فَأَلْقَتْ لَهُ الْوَلِيدَةُ وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ «مَا يُفِرُّكَ أَنْ تَقُولَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ سِوَى اللَّهِ». قَالَ قُلْتُ لاَ. قَالَ ثُمَّ تَكَلَّمَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ «إِنَّمَا تَفِرُّ أَنْ تَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَتَعْلَمُ أَنَّ شَيْئًا أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ». قَالَ قُلْتُ لاَ قَالَ «فَإِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَإِنَّ النَّصَارَى ضُلاَّلٌ». قَالَ قُلْتُ فَإِنِّي جِئْتُ مُسْلِمًا. قَالَ فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ تَبَسَّطَ فَرَحًا قَالَ ثُمَّ أَمَرَ بِي فَأُنْزِلْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ جَعَلْتُ أَغْشَاهُ آتِيهِ طَرَفَي النَّهَارِ)، وفي موطإ مالك: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهريِّ: «أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، كَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الفَتْحِ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنَ الإِسْلاَمِ، حَتَّى قَدِمَ اليَمَنَ. فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ، حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِاليَمَنِ، فَدَعَتْهُ إِلَى الإِسْلاَمِ؛ فَأَسْلَمَ، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ. فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَثَبَ إِلَيْهِ فَرِحًا، وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتَّى بَايَعَهُ»، قال النووي: “رُوِيَ مُرْسَلاً، ويَجوزُ الاحْتِجاجُ به لِشَواهِدِه”.
وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة كعب بن مالك، لما تخلف عن غزوة تبوك، ففي الصحيحين: (قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ». قَالَ قُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ «لاَ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ». وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ ،وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ)،
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يفرح ببراءة من اتهم ظلما وعدونا؛ كما فرح ببراءة عائشة رضي الله عنها من الإفك، حين أنزل الله تعالى براءتها في القرآن، ففي صحيح البخاري: (قالت عائشة رضي الله عنها: «وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَاعَتِهِ فَسَكَتْنَا فَرُفِعَ عَنْهُ، وَإِنِّي لَأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ، وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ، وَيَقُولُ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ»،
كما فرح صلى الله عليه وسلم بصحة نسب أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) إلى أبيه، وكان أسامة شديد السواد، وكان أبوه شديد البياض، وكان المنافقون يطعنون في نسبة أسامة لأبيه، فجاء قائف من بني مدلج، لا يعرفهما، فأثبت نسبهما، وهما نائمين دون أن يسأل عنهما، ولكن حين رأى أقدامهما بادية من تحت اللحاف؛ كما جاء في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ عَلَيْهَا مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ المُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وَأُسَامَةَ، وَرَأَى أَقْدَامَهُمَا: إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ» رواه الشيخان. وفي رواية لهما: «فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْجَبَهُ».
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح بالانتصار والفتوحات؛ لما فيها من عز الإسلام، وظهور المسلمين، وانتشار دين الله تعالى، ويفرح بقدوم غائب طال غيابه؛ كما في حديث جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أَفْرَحُ: بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ» رواه الحاكم وصححه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح بتسابق المسلمين على فعل الخيرات، وتنافسهم فيها، وسد خلة المحتاجين، وإطعام الفقراء والمعوزين والمساكين، ومن ذلك: ما رواه مسلم في صحيحه: (عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْهِمُ الصُّوفُ فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَبْطَئُوا عَنْهُ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ – قَالَ – ثُمَّ إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ». وفي مسند أحمد: (عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِصُرَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ تَمْلأُ مَا بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَقَالَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَى ثُمَّ قَامَ عُمَرُ فَأَعْطَى ثُمَّ قَامَ الْمُهَاجِرُونَ فَأَعْطَوْا. قَالَ فَأَشْرَقَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى رَأَيْتُ الإِشْرَاقَ فِي وَجْنَتَيْهِ)
وفَرِحَ النبي صلى الله عليه وسلم بِسَمَاعِ الكَلامِ الحَسَنِ مِنْ أَهْلِ الإِيمان: عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: شَهِدْتُ مِنَ المِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا لأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ [أي: مِنْ كُلِّ شيءٍ يُقابِلُ ذلك من الدُّنيا، والمراد المبالغة في عَظَمَةِ ذلك المَشْهَد]. أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَدْعُو عَلَى المُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ وَلَكِنَّا: نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ، وَخَلْفَكَ. فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَشْرَقَ وَجْهُهُ، وَسَرَّهُ – يَعْنِي: قَوْلَهُ) رواه البخاري.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من هدي النبي في الفرح)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وفَرح النبي صلى الله عليه وسلم عِنْدَما اخْتارَتْه عائِشَةُ، وأَزْواجُه رضي الله عنهنَّ؛ لَمَّا نَزَلَتْ آيةُ التَّخْيِيرِ: (فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي، فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ». قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:28،29]». قَالَتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ). رواه البخاري ومسلم. وفي روايةٍ: «قَالَتْ: فَقُلْتُ: قَدِ اخْتَرْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح بالحديث يحدث به، فيقع ما يصدقه؛ ليزداد المؤمنون إيمانا، ففي رواية أحمد: قَالَ صلى الله عليه وسلم: «اجْلِسُوا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنِّي لَمْ أَقُمْ مَقَامِي هَذَا لِفَزَعٍ، وَلَكِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي خَبَرًا مَنَعَنِي الْقَيْلُولَةَ مِنَ الْفَرَحِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَنْشُرَ عَلَيْكُمْ فَرَحَ نَبِيِّكُمْ». وفي صحيح مسلم: (لَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ « لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ». ثُمَّ قَالَ «أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ..)، (قَالَتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ «هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ». يَعْنِى الْمَدِينَةَ «أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ». فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ «فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ أَلاَ إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ». وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ. قَالَتْ فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-).
الدعاء