خطبة عن (نبي الله يونس عليه السلام )
أبريل 13, 2016خطبة عن (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ. وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ)
أبريل 14, 2016الخطبة الأولى ( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ( 17): (19) ) لقمان
إخوة الإسلام
لقد أوصى لقمان الحكيم ابنه بوصايا نافعة ووعظه بمواعظ بالغة أمره بشكر الله وبتوحيد الله ، وحذره من أن يشرك مع الله غيره ، كما أمره أن يتخلق بأخلاق الصالحين وذلك بعمل الصالحات من إقام الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن يتحلى بالصبر، فكل هذه من صفات الصالحين وأخلاق المؤمنين الموحدين، ثم حذره من أخلاق أهل الفساد وأهل الضلال فقال الله تعالى على لسانه :(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) والصعر في الأصل :هو مرض يصب البعير فيجعله معوج العنق ، والمراد به هنا ، التكبر واحتقار الناس لأن المتكبر يلوي عنقه عن الناس : (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا) } أي : ولا تمش في الأرض مشية المعجبين بأنفسهم (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) .والمختال : هو المتكبر الذى يختال في مشيته والفخور : هو المتباهي على الناس المتفاخر عليهم بماله أو بجاهه أو بمنصبه أو بحسبه او نسبه. على سبيل التطاول عليهم ، والتنقيص من شأنهم ،فلقمان الحكيم يحذر ولده من التعالي على الناس أو احتقارهم وألا يمشي مشية المختالين و المتجبرين ولا يتفاخر بماله أو بمنصبه أو بحسبه ونسبه أو قوته وسلطانه وهذه كلها هي صفات المتكبرين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون وتكون عاقبتهم إلى نار الجحيم ،فقد روى البخاري (قَالَ النَّبِيُّ – أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ – – صلى الله عليه وسلم – « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى فِي حُلَّةٍ ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ ، فَهْوَ يَتَجَلَّلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » ، فالكبرياء والجبروت والعظمة هذه كلها من صفات الألوهية فلا يليق لأحد من العباد أن ينتحل شيئًا من هذه الصفات. فمن تكبر أو تجبر أو تعاظم لم يدخل الجنة كما أخبر بذلك سيدنا محمد ففي مسند أحمد وغيره (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعْنِى « قَالَ اللَّهُ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَن نَازَعَنِي وَاحِداً مِنْهُمَا أَدْخَلْتُهُ جَهَنَّمَ » وقد عرف النبي الكبر : إنه بطر الحق وغمط الناس، ففي صحيح مسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ». ومعنى بطر الحق: دفعه ورده على قائله، وغمط الناس: هو احتقارهم. والكِبْر” مرض فتاك وداء عضال يفتك بالدين، حتى يورد صاحبه المهالك؛ وهو صفة باطنة في القلب، تظهر آثارها في تصرفات الشخص، فتحمله على عدم قبول الحق، واحتقار الناس. فإبليس لما تكبر على آدم؛ حمله الكبر على عدم الامتثال لأمر ربه بالسجود، قال تعالى :(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) البقرة 34، وقال تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ) الاسراء 61، و الكبر هو الذي حمل الكفار على مخالفة الرسول لما جاءهم بالآيات البينان. فهذا أبو جهل و أبو سفيان والأخنس الثقفي وهم من أشراف قريش كانوا يتسللون إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليلا يستمعون إلى ترتيله بالقرآن وهو يصلي من الليل في بيته صلى الله عليه وسلم, يستعذبون سماع القرآن من ترتيل النبي صلى الله عليه وسلم فيقعد كل واحد منهم في مكان لا يعلم به صاحبه ولا يشعر كل واحد منهم بصاحبه فعلوا ذلك ثلاث مرات ثم لما انصرفوا في الثالثة وتعاهدوا عن أن لا يعودوا ،ذهب الأخنس الثقفي إلى أبي سفيان في بيته فقال له: يا أبا سفيان ما رأيك في ما سمعت من محمد؟ فقال أبو سفيان: لقد سمعت شيئا ما سمعت مثله قط. ثم جاء الأخنس إلى أبي جهل في بيته فقال له: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال أبو جهل: وماذا سمعنا من محمد لقد نازعنا بنو عبد مناف الشرف فأطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تساوينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فكيف ندرك نحن بني مخزوم مثل هذه, لا والله لا نطيعه ولا نؤمن به أبدا ، فكان هذا الكبر والعناد سببا في كفرهم بالرسول والرسالة، والكبر هو الذي يمنع بعض الناس من الامتثال إذا أمروا بالمعروف أو نهوا عن المنكر، وهو الذي يحمل بعض الناس من الأغنياء او أصحاب المناصب على ترك الصلاة في المساجد، والكبر هو الذي يحمل بعض الناس على مخالفة أمر الرسول وترك العمل بسنته ،ففي صحيح البخاري (سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِشِمَالِهِ فَقَالَ « كُلْ بِيَمِينِكَ ». قَالَ لاَ أَسْتَطِيعُ قَالَ « لاَ اسْتَطَعْتَ ». مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ. قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ.) ، ومن آثار الكبر أن يترفع المتكبر عن جلوس غيره معه أو بالقرب منه، من المتكبرين من إذا قاموا إلى الصلاة وسمعوا الإمام يأمرهم بتسوية الصفوف أو إلصاق القدم بالقدم والكتف بالكتف، ترى المتكبرين لا يفعلون ذلك. ومن آثار الكبر أن يتكبر الرجل على أهله فلا يتعاطى شغلاً في بيته
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لشناعة الكبر ، لذلك كانت عقوبة المتكبر عظيمة جداً: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 40- 41]. وفي سنن الترمذي (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةِ الْخَبَالِ) ، وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « احْتَجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ فِيَّ الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ. وَقَالَتِ الْجَنَّةُ فِيَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَمَسَاكِينُهُمْ. قَالَ فَقَضَى بَيْنَهُمَا إِنَّكِ الْجَنَّةُ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَإِنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَلِكِلاَكُمَا عَلَىَّ مِلْؤُهَا »، والمتكبرون يصرفهم الله عن القرآن ، قال الله تبارك وتعالى: ( سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) الاعراف 146، فالمتكبر لا ينتفع بآيات الله , والمتكبر لا يرى الحق أبدًا, بل يرى الحق باطلاً, ويرى الباطل حقًا, قال الله عز وجل عن فرعون: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّار ) ،كما قال الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) ,
أيها المسلمون
فعلى الإنسان أن يدفع الكبر عن نفسه؛ بأن يعرف أصله ونشأته وفقره وحاجته إلى الله، ويعرف نعم الله عليه، ويتذكر مقامه بين يديه، وعاقبة المتكبرين يوم القيامة، ويتصور أنه ليس له جلد على ذلك العذاب الأليم، الذي يعذب به المتكبرون ، ثم يأمر لقمان ابنه بأن يتخلق بأخلاق الصالحين المتواضعين فلا يسرع في مشيته ولا يرفع صوته إلا عند الضرورة فقال الله تعالى على لسانه :(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) ، أي وكن معتدلا في مشيك ، بحيث لا تبطئ ولا تسرع . فالقصد وهو التوسط فى الأمور { واغضض مِن صَوْتِكَ } واخفض من صوتك فلا ترفعه إلا إذا استدعى الأمر رفعه ، فإن غض الصوت عند المحادثة فيه أدب وثقة بالنفس ، واطمئنان إلى صدق الحديث واستقامته . وكان أهل الجاهلية يتفاخرون بجهارة الصوت وارتفاعه ، فنهي المؤمنون عن ذلك ، ومدح – سبحانه – الذين يخفضون أصواتهم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } الحجرات 3، وقوله – تعالى – { إِنَّ أَنكَرَ الأصوات لَصَوْتُ الحمير } تعليل للأمر بخفض الصوت ، وللنهى عن رفعه بدون موجب . أي : إن أقبح الأصوات وأبشعها لهو صوت الحمير ،وهكذا نجد أن لقمان قد أوصى ابنه بجملة من الوصايا السامية النافعة ، فقد أمره – أولا – بإخلاص العبادة لله – تعالى – ثم غرس في قلبه الخوف من الله – عز وجل – ، ثم حضه على إقامة الصلاة ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ، وعلى الصبر على الأذى ، ثم نهاه عن الغرور والتكبر والافتخار ، وعن رفع الصوت بدون مقتض لذلك .وبتنفيذ هذه الوصايا ، يسعد الأفراد ،وترقى المجتمعات .
الدعاء