خطبة عن حديث (خُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ)
ديسمبر 18, 2025الخطبة الأولى (من وصايا وآداب السفر ( عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه :
أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ فَأَوْصِنِي. قَالَ :
« عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ ».
فَلَمَّا أَنْ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ :
« اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ الأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الأدب النبوي ، والذي يوصينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدب من آداب السفر ، ثم دعاؤه صلى الله عليه وسلم لمن استجاب لنصيحته ، واهتدى بهديه ، وعمل بسنته ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم : « عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ ».
أي أوصيك بمخافته والحذر من عصيانه (وَالتَّكْبِيرِ) أي قول الله أكبر ، ومناسبة التكبير عند الصعود إلى المكان المرتفع أن الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس لما فيه من استشعار الكبرياء فشرع لمن تلبس به أن يذكر كبرياء الله تعالى وأنه أكبر من كل شيء فيكبره ليشكر له ذلك فيزيده من فضله .
قاله الحافظ : (عَلَى كُلِّ شَرَفٍ) أي مكان عال ،(فَلَمَّا أَنْ وَلَّى الرَّجُلُ ) أي أدبر (قَالَ ) أي دعا له بظهر الغيب فإنه أقرب إلى الإجابة « اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ الأَرْضَ ». أي : قربه له وسهل له والمعنى ارفع عنه مشقة السفر بتقريب المسافة البعيدة له (وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ) أي أموره ومتاعبه
وفي هذا دلالة على شرعية التكبير عند صعود الرَّوابي والجبال والمرتفعات، والتَّسبيح والتَّهليل عند نزول الأودية من الأرض في الأسفار، وكان النبي أوصاهم بهذا، وكان يفعله ﷺ، فكانوا إذا نزلوا واديًا أو ما يُشبه ذلك من السّفول سبَّحوا الله وقدَّسوه وذكروه، وإذا صعِدوا الرَّوابي والمرتفعات كبَّروا، وهذا هو الأفضل ، والإنسان مأمورٌ بذكر الله، ومشروعٌ له ذكر الله في كل وقتٍ: في بيته، وعلى فراشه، وفي طريقه، وفي مسجده، وفي كل مكانٍ، وهكذا في السفر يُشرع له التَّكبير والتّهليل والتَّسبيح، فيُكبّر عند الصّعود، هذا أفضل، وعند النزول يُسبّح ويُهلل، وكيفما فعل فهذا كله طيب.
والسنة أن تكون الأصوات وسطًا، لا يُبالغ في الرفع، ولهذا لما كانوا يُبالغون في الرفع قال لهم ﷺ: « أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ » متفق عليه
فهو سبحانه سميع قريب، قال جلَّ وعلا:
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186]،
فالسنة للمؤمن في ذكره أن يكون صوته متوسطًا، إذا صعِد الرَّوابي كبَّر، وإذا هبط الأودية سبَّح، بأصواتٍ مُقاربةٍ متوسطةٍ، ليس فيها تكلّف.
فالمقصود من الحديث أنَّ الإنسان إذا أوصى أخاه عند السفر يقول له: اتَّقِ الله، وأكثر من التَّكبير والتَّهليل، ويدعو له أن يُعينه الله ويُسهّل أمره، يُزوده من التقوى، ويُعينه على الخير، ويغفر له ذنوبه، ويُسهّل سفره وإيابه، فالإنسان يدعو لأخيه بما يناسب حاله
هذا وقد وردت أحاديث متعددة في آداب السف ، وأذكر لكم منها :
ما رَوَاهُ البُخَارِيُّ: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – قَالَ كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا ، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا ).
وما رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بإسناد صحيح. عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال :
( وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَجُيُوشُهُ إِذَا عَلَوُا الثَّنَايَا كَبَّرُوا وَإِذَا هَبَطُوا سَبَّحُوا )
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ ، ثُمَّ يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ » مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وعَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي سَفَرٍ فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا ، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا » مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
أيها المسلمون
ومن الآداب التي يستحب عند الشروع في السفر:
أولا : توديع الأهل : ففي سنن ابن ماجة : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ وَدَّعَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ الَّذِى لاَ تَضِيعُ وَدَائِعُهُ ».
ومن السنّة أن يقول له الذي يودِّعه ما جاء في مسند أحمد : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا وَدَّعَ أَحَداً قَالَ « أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ ».
قال الخطابي: “الأمانة هنا أهله ومن يخلفه، وماله الذي عند أمينه. قال: وذكر الدين هنا، لأن السفر مظنة المشقة، فربما كان سببًا لإهمال بعض أمور الدين”.
ثانيا : يستحب عند الشروع في السفر: طلب الوصية : ففي سنن الترمذي بسند حسن : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي.
قَالَ « زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى ». قَالَ زِدْنِي. قَالَ « وَغَفَرَ ذَنْبَكَ ». قَالَ زِدْنِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. قَالَ « وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ ».
ثالثا : يستحب عند الشروع في السفر : الدعاء عند الخروج من البيت: فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ مَا خَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلاَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَىَّ ». رواه أبو داود وغيره
رابعا : يستحب عند الشروع في السفر : دعاء ركوب الدابة ، أو أي وسيلة مواصلات : فقد روى الترمذي بسند صحيح : (عَنْ عَلِىِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ شَهِدْتُ عَلِيًّا أُتِىَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ ثَلاَثًا فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ قَالَ (سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلاَثًا وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثَلاَثًا سُبْحَانَكَ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ. ثُمَّ ضَحِكَ. فَقُلْتُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ
« إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُكَ ».
خامسا : يستحب عند الشروع في السفر : دعاء السفر: فقد روى مسلم في صحيحه : قال (أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّ عَلِيًّا الأَزْدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ عَلَّمَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ « سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ ».
وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ. وَزَادَ فِيهِنَّ « آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ».
سادسا : يستحب عند الشروع في السفر : اختيار الرفقة الصالحة: فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ » .
وفي موطإ مالك : (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلاَثَةُ رَكْبٌ ».
قال الطبري: “هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يُخشى على الواحد من الوحشة والوحدة، وليس بحرام، فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش، لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف، والحق أن الناس يتباينون في ذلك”
وقال الأوزاعي: “الرفيق بمنزلة الرقعة من الثوب، إذا لم تكن مثله شانته”
سابعا : يستحب عند الشروع في السفر : اختيار أمير على الرفقة: ففي سنن أبي داود : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا خَرَجَ ثَلاَثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ »
فأمير القوم هو من يتولّى شؤون الرحلة ويحدّد مسيرتها، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يأمر أصحابه إذا ارتحلوا أن يجعلوا عليهم أميراً، حتى يكون رأيهم واحداً، ولا يقع بينهم الاختلاف، وكل ذلك حرصاً منه عليه الصلاة والسلام على لزوم الجماعة وتجنب أسباب الفرقة.
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا دخل قرية أو شارف على دخولها، قال:- (اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها، وشر أهلها، وشر ما فيها).. [رواه ابن حبان].
ومن سنن النبي – صلى الله عليه وسلم – الاستعاذة عند النزول في أرضٍ من شرّ ما فيها من المخلوقات الضارّة ، فعن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ. لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ ». [رواه مسلم].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من وصايا وآداب السفر ( عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كان السفر قطعة من العذاب -كما صحّ بذلك الحديث – فقد جاءت الشريعة بالتخفيف في الأحكام والترخيص في العبادات ، من ذلك قصر الصلاة الرباعية ركعتين والجمع بين الصلاتين ، والفطر إذا شق الصوم، والمسح على الخفين مدة ثلاث أيام بلياليهن، ولم يحفظ عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه صلّى في أسفاره السنن الرواتب، إلا سنة الفجر والوتر، فإنه لم يكن يدعهما في حضر ولا سفر.
ومن جملة التخفيفات التي حفلت بها السنّة : إباحة الصلاة على الراحلة للمسافر في النفل دون الفريضة، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يُصَلِّى فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ ، يُومِئُ إِيمَاءً ، صَلاَةَ اللَّيْلِ إِلاَّ الْفَرَائِضَ ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ ) [رواه البخاري].
وبيّن – صلى الله عليه وسلم – أن المسافر يُكتب له أجر ما كان يعمله من عملٍ صالح في حال إقامته، فضلاً من الله ونعمة، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – :
« إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا » [رواه البخاري].
كما حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على تطبيق مبدأ التكافل في أسفاره، فكان الناس يتعاقبون في غزواته على ركوب الرواحل عند قلّتها ، كما حصل في غزوة تبوك وغيرها، وحثّ الموسرين على الإيثار بما فضل من زادهم ومركوبهم، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ ». قَالَ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ ) [رواه مسلم].
وأرشد النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى إعطاء الراحلة نصيبها من الراحة والغذاء خصوصاً في مواسم الخصب، حتى تتمكّن من متابعة السير، كما نهى عن النزول في وسط الطريق ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :
« إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الأَرْضِ وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ ». [رواه مسلم].
وجاء النهي أيضاً عن المرور على المواضع التي نزل فيها العذاب إلا أن يكون ذلك على سبيل الاتعاظ والاعتبار،: (فعَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِالْحِجْرِ قَالَ « لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ » . ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ ) . متفق عليه .
وعند عودة النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى دياره كان يبتدئ بزيارة المسجد والصلاة فيه، ثم يتلقّاه الناس بالغلمان حتى يحضنهم ويقبّلهم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّىَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ – قَالَ – وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَىْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ – قَالَ – فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلاَثَةً عَلَى دَابَّةٍ ). [رواه مسلم].
ومما نهى عنه عليه الصلاة والسلام سفر المرأة بدون محرم، لما يترتب عليه من حصول الفتنة والأذية لها، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ
« لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ، وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ » . فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا ، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً . قَالَ « اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ » . [رواه البخاري].
وأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – المسافر أن يتعجّل في العودة إلى أهله بعد قضاء حاجته من السفر عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ » رواه البخاري
الدعاء
