خطبة من (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ)
أبريل 14, 2016خطبة عن (دروس وعبر من قصة أهل مدين مع نبي الله شعيب )
أبريل 16, 2016الخطبة الأولى ( مواقف ودروس من غزوة بدر الكبرى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ..اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد ايها المسلمون
قال الله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (41 ) : (45) الانفال
إخوة الإسلام
من المعلوم أن غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة ، كانت أول غزوة بين المسلمين وكفار قريش ، وكان عدد الكفار فيها كبيرا ، بينما كان عدد المسلمين فيها قليلا ، ولكن الله سبحانه وتعالى أيد المسلمين ، ونصرهم على عدوهم ، في أول لقاء بين الإيمان والكفر ،ولقد أظهر المسلمون في غزوة بدر مواقف خالدة ، سطرها التاريخ بأحرف من نور ،هذه المواقف تبين صدق إيمان هذه الفئة القليلة من المسلمين ،وبذل أرواحهم في سبيل الله ، فعندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بنية قريش في قتال المسلمين ، استشار أصحابه ، وأخبرهم بما بلغه من أمر قريش ، فكانت هذه المواقف الخالدة من المهاجرين والأنصار، ففي البخاري ومسلم واللفظ لأحمد ( عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ لَقَدْ شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ – قَالَ غَيْرُهُ – مَشْهَداً لأَنْ أَكُونَ أَنَا صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى (اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ) وَلَكِنْ نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَمِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ ذَلِكَ.)، هذا هو موقف المهاجرين ، ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأنصار ، ليعرف رأيهم ،كما في كتب السير و دلائل النبوة للبيهقي ،ثم قال : « أشيروا علي أيها الناس » وإنما يريد الأنصار ، وذلك أنهم عدد الناس ، وكانوا حين بايعوه بالعقبة قالوا : يا رسول الله ، إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا ، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذممنا ، نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى أن عليها نصرته إلا بالمدينة ، وأنه ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو بغير بلادهم ، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سعد بن معاذ : والله لكأنك يا رسول الله تريدنا . قال : « أجل » ، قال سعد بن معاذ : فقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك ، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ، ما تخلف منا واحد ، وما نكره أن نلقى عدونا غدا ، إنا لصبر عند الحرب ، صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله )
أيها المسلمون
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات ، فسر بها ، وطابت نفسه ، ودعا لهم بالنصر على أعدائهم وتحرك جيش المسلمين ، لملاقاة عدوهم ، ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم بالجيش منزلا قريبا من ماء بدر ، وهنا يظهر موقفا آخر من المواقف البطولية والخالدة في غزوة بدر ، فقد كان الحباب بن المنذر عليما بالمكان ، وعالما بفنون الحرب ، فرأى أن هذا المكان غير مناسب ، فتقدم الحباب إلى رسول الله بأدب جم ، ودون خوف أو خجل ، وعرض عليه رأيه ، ففي كتب السير ودلائل النبوة للبيهقي : (فقال له الحباب بن المنذر : يا رسول الله ، منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بل هو الرأي والحرب والمكيدة » ،فقال الحباب : يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل ، ولكن انهض حتى تجعل القلب كلها من وراء ظهرك ، ثم غور كل قليب بها إلا قليبا واحدا ، ثم احفر عليه حوضا ، فنقاتل القوم فنشرب ولا يشربون ، حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، فقال : « قد أشرت بالرأي » ، ففعل ذلك ، فغورت القلب ، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء)، وهكذا أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدأ الشورى ، والأخذ برأي الآخرين ، موقف آخر من مواقف غزوة بدر ، ألا وهو مشاركة القائد جيشه ، ومشاركة الراعي رعيته ، فيكون معهم ، يحس بإحساسهم ، ويتألم لآلامهم ، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو معهم في الغزوة ، يأكل مما يأكلون ، ويتحمل معهم كل المصاعب ، ويخطط للمعركة وهو قائم بينهم ،فقد جاء في كتب السير ودلائل النبوة (أن سعد بن معاذ ، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما التقى الناس يوم بدر : يا رسول الله ، ألا نبني لك عريشا فتكون فيه ، وننيخ لك ركائبك ، ونلقى عدونا ، فإن أظهرنا الله عليهم وأنجزنا فذاك ما أحب إلينا ، وإن تكن الأخرى فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا من قومنا ، فقد والله تخلف عنك أقوام ما نحن لك بأشد حبا منهم ، لو علموا أن نلقى حربا ما تخلفوا عنك ، يوادونك وينصرونك ، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له به ، فبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش ، فكان فيه وأبو بكر رضي الله عنه ما معهما غيرهما )، وتبدأ المعركة ، ويحتدم القتال ويشتد ، فيتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بيده الأمر ،يرفع أكفه إلى السماء ، يطلب المدد من العزيز القدير، ففي صحيح مسلم : (عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ « اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ ». فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ) (فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (مواقف ودروس من غزوة بدر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ..اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد ايها المسلمون
هكذا استجاب الله دعاء رسوله وأمد رسوله بمدده ، وأيده بنصره ، فقال وقوله الحق : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ) الأنفال من 9 : 12 ، نصر الله رسوله ، وأعز جنده ، لأنه سبحانه وتعالى ( غالب على أمره ) ،ينصر من ينصره ، ويؤيد من احتمى بحصنه ، فهو القاهر فوق عباده ، وبيده الأمر كله ، لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، ألا فاعتبروا يا أولي الألباب ،فهذه دروس وعبر من غزوة بدر ، فلتكن نبراسا لكم في حياتكم ،ونورا تهتدون به في طريقكم
الدعاء