خطبة عن حديث (قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ )
مارس 24, 2018خطبة عن حديث (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا)
مارس 24, 2018الخطبة الأولى ( مواقف ودروس وعبر من غزوة الأحزاب)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) (9) :(11) الاحزاب
إخوة الإسلام
إن غزوة الأحزاب تتكرر في زماننا هذا ،وفي سنواتنا هذه ، والتي تكالب فيها الأعداء على المسلمين وتحالف أهل الشرق والغرب على القضاء على الإسلام ،وأعلن زعماؤهم : أن من ليس معنا ، فهو ضدنا ،فانقسم العالم إلى معسكرين : معسكر أهل الإيمان ،ومعسكر أهل الشر والنفاق ،الذين تحالفوا مع الأعداء ووالوهم ،وطلبوا رضاهم ، وقدموا لهم كل التسهيلات اللازمة من أجل القضاء على الإسلام تحت مسميات مختلفة . وغزوة الأحزاب تعلمنا أن نصر الله آت لا محاله ، وأن فرجه قريب ، وما هي إلا شدة وتزول ،. فغزوة الأحزاب استمرت قرابة شهر كامل ،حتى نقيت الصفوف ،وظهر المؤمنون من المنافقين ،ثم جاء المدد من الله ،وأرسل الله على أعدائه جندياً من جنوده ،أرسل عليهم الريح العاتية ،وأنزل ملائكته لتثبت قلوب المجاهدين ، وتزلزل قلوب الكفرة والمنافقين فبعد غزوة أحد ،أظلت المدينة سحابة حزن ،لفقد الأحبة شهداء في سبيل الله.. وخيم السكون حيناً على الجزيرة العربية، ولم يكن ذلك الهدوء الذي أظل المدينة ،إلا بداية لتحزب الأحزاب من ملل الكفر والشرك، يتحينون الفرص ، ويسابقون إلى العداوة! فلا يهنأ لهم بال ،ولا يقر لهم قرار ،حتى يكون معقل الإسلام ومدينته تحت أيديهم ،يجوسون فيها تقتيلاً وإفساداً، قال تعالى:(وَمَا نَقَمُوا مِنهُم إلا أَن يُؤمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ) البروج 7 ، ففي السنة الخامسة للهجرة ،خرجت شرذمة من اليهود نحو كفار مكة ،ليأنبوهم ويحرضوهم على غزو المدينة، ومحاولة استئصال شأفة الإسلام، وقتل محمد – صلى الله عليه وسلم -، والتنكيل بأصحابه! ، ثم خرج الرهط ،يحمل الحقد والكراهية للمسلمين نحو غطفان ، ليكتمل عقد الأحزاب. وتداعت الجموع ،وأقبل الشر بخيله ورجله، فخرجت من الجنوب قريش وكنانة وأهل تهامة، ووافاهم بنو سليم ،وخرجت من الشرق قبائل غطفان ،وكذلك خرجت بنو أسد. واتجهت الأحزاب الكافرة صوب المدينة ،حتى تجمع حولها جيش عرمرم ،يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل! ، فهذا الجيش يزيد عدده على سكان المدينة رجالاً ونساء، صغاراً وكباراً! وكان أهل المدينة في جوع شديد، وبرد وزمهرير، وعدة قليلة، وما عند الله خير وأبقى! اجتمع الأحزاب حول المدينة لسبب واحد لا غير ،وإن اختلفت الألسن ، قال تعالى : (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّىَ يَرُدٌّوكُم عَن دِينِكُم إِنِ استَطَاعُوا) البقرة 217، وفي هذا الجو المكفهر ،والكرب الشديد ،انقسم أهل المدينة إلى قسمين: قسم آمن بوعد الله ،وصدق بنصر رسالته ، قال تعالى : (وَلَمَّا رَأَى المُؤمِنُونَ الأحزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُم إِلا إِيمَاناً وَتَسلِيماً) الأحزاب 22، فشدوا للقتال ،وقدموا المهج والأرواح ،وبذلوا الأسباب بحفر الخندق ،وحراسة المدينة ليل نهار ، مع ما أصابهم من الجوع والفاقة، فقد كان طعام الجيش قليلاً من الشعير ،يخلط بدهن سنخ متغير الرائحة لقدمه، ويطبخ فيأكلونه ،رغم طعمه الكريه ،ورائحته المنتنة ، لفرط الجوع، وأحياناً لا يجدون سوى التمر ،وقد يلبثون ثلاثة أيام لا يذوقون طعاماً! وكان أشد أمر عليهم نجم النفاق ،وفشل الناس ،وعظم البلاء ،واشتداد الخوف ،وخيف على الذراري والنساء ،فقد أحاطوا بالجميع ،وادلهم الخطب بالأمة ، قال تعالى : (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) (10) ،(11) الاحزاب
أيها المسلمون
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذا الوقت العصيب يبشرهم بأمر عظيم! ، ففي مسند أحمد (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ – قَالَ – وَعُرِضَ لَنَا صَخْرَةٌ فِي مَكَانٍ مِنَ الْخَنْدَقِ لاَ تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ – قَالَ – فَشَكَوْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ عَوْفٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَضَعَ ثَوْبَهُ ثُمَّ هَبَطَ إِلَى الصَّخْرَةِ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فَقَالَ « بِسْمِ اللَّهِ ». فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ وَقَالَ « اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ». ثُمَّ قَالَ « بِسْمِ اللَّهِ ». وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ فَقَالَ « اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ الْمَدائِنَ وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ». ثُمَّ قَالَ « بِسْمِ اللَّهِ ». وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ فَقَالَ « اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا » ،فالنبي – صلى الله عليه وسلم – يبشر ويرفع من عزائم الصحابة ، في الوقت الذي بلغ الجوع فيهم مبلغه ، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِى طَلْحَةَ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْجُوعَ وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا عَنْ حَجَرٍ حَجَرٍ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ حَجَرَيْنِ ). وأما أهل النفاق وضعفاء النفوس ،ممن أثّر فيهم الإرجاف ،فقد تزعزعت قلوبهم ،وانخلعت صدورهم لرؤية الجموع والعدد والعدة ، قال الله تعالى : (وَإِذ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُوراً) الاحزاب 12. بل قال المنافقون فيما بشر به النبي – صلى الله عليه وسلم – من خزائن كسرى وقيصر: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط، وقالوا تنصلاً من الجهاد وهرباً منه، كما في قوله تعالى : (وَيَستَأذِنُ فَرِيقٌ مِّنهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَورَةٌ وَمَا هِيَ بِعَورَةٍ, إِن يُرِيدُونَ إِلا فِرَاراً) الاحزاب 13.
أيها المسلمون
وفي هذا الوقت العصيب ، اشتغل النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه بمقارعة العدو ،وأخذ العدة وحفر الخندق ،حتى فاتت المسلمين بعض الصلوات، ففي الصحيحين (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّىَ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَوَاللَّهِ إِنْ صَلَّيْتُهَا ». فَنَزَلْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَوَضَّأْنَا فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. وفي الصحيحين : (عَنْ عَلِىٍّ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ « مَلأَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ » ، وبقيت هذه الساعات العصيبة أياما وليالي ، وزادها سوء نقض بني قريظة العهد مع الرسول – صلى الله عليه وسلم – ، فاكتمل عقد الأحزاب حول المدينة الصامدة! ،ولما بلغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غدر بني قريظة ،تقنع بثوبه واضطجع ،ومكث طويلا حتى اشتد على الناس البلاء ، وسعى النبي – صلى الله عليه وسلم – لمجابهة الظرف العصيب وأن يفرق جمعهم ، فأراد أن يصالح غطفان على ثلث ثمار المدينة ،حتى ينصرفوا ،وتخف الوطأة على المسلمين ، فيلحقوا بقريش الهزيمة ، واستشار – صلى الله عليه وسلم – سعد بن معاذ وسعد بن عباده – رضي الله عنهما – في الأمر، فقالا: يا رسول الله إن كان الله أمرك بهذا فسمعاً لله وطاعة، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له، وأعزنا بك تعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلا السيف. فصوب رأيهما وقال: {إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة. وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – في تلك الأيام الصعبة يبعث الحرس إلى المدينة لئلا تؤتى الذراري والنساء على حين غرّة! فالأمر مهول والأحزاب تسمع أصواتهم، والنبال تصل إلى خيل المسلمين! وقد وصف الله – عز وجل – تلك الساعات العصيبة بوصف عجيب كأن العين تراهم، فقال تعالى -: (وَإِذ زَاغَت الأبصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنٌّونَ بِاللَّهِ الظٌّنُونَا، هُنَالِكَ ابتُلِيَ المُؤمِنُونَ وَزُلزِلُوا زِلزَالاً شَدِيداً) الأحزاب 10، 11. ولما أمر الله – عز وجل – بانجلاء الغمة وتفريج الكربة صنع أمراً من عنده، خذل به العدو وهزم جموعهم وفل حدهم، وساق نعيم بن مسعود للتفريق بينهم! وفي الصحيحين أن (ابْنَ أَبِى أَوْفَى – رضى الله عنهما – قَالَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى الأَحْزَابِ فَقَالَ « اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، سَرِيعَ الْحِسَابِ ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ » .وفي مسند أحمد (رُبَيْحُ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ مِنْ شَىْءٍ نَقُولُهُ فَقَدْ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الحَنَاجِرَ قَالَ « نَعَمْ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا ». قَالَ فَضَرَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وُجُوهَ أَعْدَائِهِ بِالرِّيحِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالرِّيحِ. فاستجاب الله الدعاء ،وبلغ الأمل ،وأذن بالنصر، وأرسل جنوداً من الرعب والريح ،قلبت قلوبهم ،وقدورهم، وقوضت قوتهم ،وخيامهم ،ودفنت رحالهم ،وآمالهم، فلم تدع قدراً إلا كفأتها ،ولا طنباً إلا قلعته! ولا قلباً إلا أهلعته، وأرعبته. وبعد معركة الأحزاب أزفت البشائر وأشرقت المدينة، بقول النبي – صلى الله عليه وسلم –كما في البخاري: « الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا ، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ »
أيها المسلمون
وفي اجتماع الأحزاب في أزمنة متفرقة ،ومرات عديدة خلال العصور، حكمة بالغة في الرجوع إلى الله، وصدق التوكل عليه، والإنابة والذل وإظهار الحاجة، وبذل الغالي لهذا الدين، قال الله تعالى -: (يُرِيدُونَ أَن يُطفِئوا نُورَ اللّهِ بِأَفوَاهِهِم وَيَأبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ) التوبة 32.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مواقف ودروس وعبر من غزوة الأحزاب)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وغزوة بهذه القيمة، لا شك أن فيها من الدروس والمعاني الكثير التي ينبغي الوقوف معها للاستفادة منها في واقعنا، ومنها : ومن الدروس : أن الله -عز وجل- يحفظ عباده المؤمنين في معاركهم ،ويمدهم بجنود من عنده ،ولا يضيعهم، كما أنزل عليهم الملائكة يوم بدر، وأرسل الريح في غزوة الأحزاب. قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} الروم:47 ، وقال الله تعالى :{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} الحج:38. وهنا في الأحزاب قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} (9) الأحزاب.– ومن الدروس أيضاً : أن المؤمن لا تزيده الكروب والشدائد إلا إيماناً ويقيناً وصلابة ومن الدروس المستفادة من هذه الغزوة : أنه على القائد أن يستشير أصحابه، ويأخذ آراءهم، كما استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، فأشار سلمان الفارسي -رضي الله عنه– وقال: يا رسول الله: “إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا”. فاستحسن رسول الله هذا الرأي منه وعمل به، وكان مما لم تعرفه العرب. – ومن الدروس المستفادة : أنه يجب على المسلمين إعداد العدة، واتخاذ وسائل القوة الممكنة ،مهما كان مصدرها، لأن الحكمة ضالة المؤمن، فحيثما وجدها أخذها، ومن الدروس : أنه على المسلم الاستسلام لله ورسوله فإنه سبب للثبات عند الشدائد، كما جاء في سورة الأحزاب قوله تعالى : {روَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِيناً} 36 الأحزاب. وهذه الآية تؤكد على هذا المعنى وهو الاستسلام لله تعالى والامتثال لأوامره وأوامر رسوله، ولو لم يعرف المسلم الحكمة من وراء ذلك، فهو عبد لله وطاعته لازمة وواجبة. ومن الدروس : – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى مثلاً حياً على رأفته بالمؤمنين، حيث شاركهم في حفر الخندق، ويوم أشركهم معه في طعام جابر، ولم يستأثر به ،وهذا مصداقاً لقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) التوبة. ومن الدروس : أن المعجزات الكثيرة التي أجراها الله على يد نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في هذه الغزوة، سواء التي كانت في حفر الخندق، أو تكثير طعام جابر، أو الرياح التي كانت عذاباً من الله على المشركين، لهي من تأييد الله لرسوله والمؤمنين، ولإقامة الحجة على أعداء الدين. – ومن الدروس : مشروعية قضاء الفائتة ،فإن المشركين لما شغلوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عن صلاة، صلوها قضاء بعد المغرب. – ومن الدروس : أن النصر في المعارك لا يكون بكثرة العدد، ووفرة السلاح، وإنما يكون بقوة الروح المعنوية لدى الجيش، وقد كان الجيش الإسلامي في جميع معاركه، يمثل العقيدة النقية والإيمان المتقد، والفرح بالاستشهاد، والرغبة في ثواب الله وجنته، كما يمثل الفرحة من الانعتاق من الضلال، والفرقة والفساد، بينما كان جيش المشركين يمثل فساد العقيدة، وتفسخ الأخلاق، وتفكك الروابط الاجتماعية، والانغماس في الملذات، والعصبية العمياء للتقاليد البالية، والآباء الماضين، والآلهة المزيفة. – ومن الدروس أيضاً : أن الخدعة في حرب الأعداء مشروعة، إذا كانت تؤدي إلى النصر، وأن كل طريق يؤدي إلى النصر وإلى الإقلال من سفك الدماء مقبول في نظر الإسلام، ما عدا الغدر والخيانة، ويأخذ هذا مما طلبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من نُعيم بن مسعود، أن يخذِّل بين الأحزاب ما استطاع في غزوة الأحزاب. وفي تقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- الصفوف في هذه المعركة، وفي كل معركة، وخوضه غمارها معهم إلا فيما يشير به أصحابه، دليل على أن مكان القيادة لا يحتله إلا الشجاع المتثبت ، وأن الجبناء خائري القوى لا يصلحون لرئاسة الشعوب، ولا لقيادة الجيوش ومن الدروس المستفادة : أن المنح تخرج من رحم المحن، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الظرف القاسي والشديد، والصحابة في حصار وجوع، وخوف شديد يضرب الصخرة ، ويبشرهم بكنوز كسرى، ودخول المدائن، وفتح اليمن، والله أكبر! فزراعة الأمل في النفوس ، في مثل هذا الظرف ،ليدل على مدى ثقة القائد بوعد الله ، ونصره ، ورباطة الجأش ، والطمأنينة الكبيرة.
الدعاء