خطبة عن (لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى، وفاته وفضائله)
أبريل 9, 2016خطبة عن (العقوبة لقوم موسى بالتيه وقصة البقرة)
أبريل 9, 2016الخطبة الأولى ( بنو اسرائيل شددوا فشدد عليهم)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ (68) قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ( 67) 🙁 73) البقرة
إخوة الإسلام
في سنن البيهقي (عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِىِّ قَالَ : (كَانَ فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ عَقِيمٌ لاَ يُولَدُ لَهُ وَكَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ وَكَانَ ابْنُ أَخِيهِ وَارِثَهُ فَقَتَلَهُ ثُمَّ احْتَمَلَهُ لَيْلاً حَتَّى أَتَى بِهِ حَيًّا آخَرِينَ فَوَضَعَهُ عَلَى بَابِ رَجُلٍ مِنْهُمْ ثُمَّ أَصْبَحَ يَدَّعِيهِ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَسَلَّحُوا وَرَكِبَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضِ فَقَالَ ذُو الرَّأْىِ وَالنُّهَى : عَلَى مَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيكُمْ فَأَتَوْهُ فَقَالَ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) قَالَ فَلَوْ لَمْ يَعْتَرِضُوا الْبَقَرَ لأَجْزَأْتَ عَنْهُمْ أَدْنَى بَقَرَةٍ وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْبَقَرَةِ الَّتِى أُمِرُوا بِذَبْحِهَا فَوَجَدُوهَا عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ بَقَرَةٌ غَيْرُهَا فَقَالَ : وَاللَّهِ لاَ أَنْقُصُهَا مِنْ مِلْءِ جِلْدِهَا َأَخَذُوهَا بِمِلْءِ جِلْدِهَا ذَهَبًا فَذَبَحُوهَا فَضَرَبُوهُ بِبَعْضِهَا فَقَامَ فَقَالُوا : مَنْ قَتَلَكَ؟ قَالَ : هَذَا لاِبْنِ أَخِيهِ ثُمَّ مَالَ مَيِّتًا فَلَمْ يُعِطَ ابْنُ أَخِيهِ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا وَلَمْ يُوَرَّثْ قَاتِلٌ بَعْدَهُ. ) ، وفي سنن أبي داود (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ : لاَ تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ )
أيها المسلمون
نود أن نستلفت انتباهكم إلى سوء أدب القوم مع نبيهم وربهم، ولعل السياق القرآني يورد ذلك عن طريق تكرارهم لكلمة “ربك” التي يخاطبون بها موسى. وكان الأولى بهم أن يقولوا لموسى، تأدبا، لو كان لا بد أن يقولوا: (ادْعُ لَنَا رَبَّنا) . أما أن يقولوا له ( ربك) : فكأنهم يقصرون ربوبية الله تعالى على موسى فقط . ويخرجون أنفسهم من شرف العبودية لله. وانظر إلى الآيات كيف توحي بهذا كله. ثم تأمل سخرية السياق منهم لمجرد إيراده لقولهم: ( الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) ، بعد أن أرهقوا نبيهم ذهابا وجيئة بينهم وبين الله عز وجل، بعد أن أرهقوا نبيهم بسؤاله عن صفة البقرة ولونها وسنها وعلاماتها المميزة، بعد تعنتهم وتشديد الله عليهم، يقولون لنبيهم حين جاءهم بما يندر وجوده ويندر العثور عليه في البقر عادة. ساعتها قالوا له: “الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ”. كأنه كان يلعب قبلها معهم، ألم يكن ما جاء به هو الحق من أول كلمة لآخر كلمة. ثم انظر إلى ظلال السياق وما تشي به من ظلمهم: ( فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ) ، ألا توحي لك ظلال الآيات بتعنتهم وتسويفهم ومماراتهم ولجاجتهم في الحق؟ ،هذه اللوحة الرائعة تشي بموقف بني إسرائيل على موائد المفاوضات. هي صورتهم على مائدة المفاوضات مع نبيهم الكريم موسى.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( بنو اسرائيل شددوا فشدد عليهم)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قاسى سيدنا موسى من قومه أشد المقاساة، وعانى عناء عظيما، واحتمل في تبليغهم رسالته ما احتمل في سبيل الله. ولعل مشكلة موسى الأساسية أنه بعث إلى قوم طال عليهم العهد بالهوان والذل، وطال بقاؤهم في جو يخلو من الحرية، وطال مكثهم وسط عبادة الأصنام، ولقد نجحت المؤثرات العديدة المختلفة في أن تخلق هذه النفسية الملتوية الخائرة المهزومة التي لا تصلح لشيء. إلا أن تعذب أنبيائها ومصلحيها. وقد عذب بنو إسرائيل موسى عذابا نستطيع – نحن أبناء هذا الزمان- أن ندرك وقعه على نفس موسى النقية الحساسة الكريمة. ولم يقتصر العذاب على العصيان والغباء واللجاجة والجهل وعبادة الأوثان، وإنما تعدى الأمر إلى إيذاء موسى في شخصه. قال تعالى في سورة الأحزاب: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا ) ، وفي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا ، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ ، اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَقَالُوا مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ ، إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ وَإِمَّا آفَةٌ . وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى فَخَلاَ يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا ، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ ثَوْبِى حَجَرُ ، ثَوْبِى حَجَرُ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ ، وَقَامَ الْحَجَرُ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ ، وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ ، فَوَ اللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ) . ونواصل الحديث إن شاء الله
الدعاء