خطبة عن (الْإِيمَانُ وَالاِسْتِقَامَةُ)
يناير 6, 2025خطبة عن (أنتَ على ثَغْرَةٍ فلا يُؤتى الإسلامُ مِن قِبَلك)
يناير 8, 2025الخطبة الأولى (موقف المسلم من الفتن)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ». وفيهما: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ – وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ – حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ»، وفي سنن أبي داود: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا».
إخوة الإسلام
في هذا الزمان كثرت الفتن، وحلَّ من البلايا والنوازل الكثير، وقد أنذر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الفتن، وحذَّر من الوقوع فيها، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا». ورُوي في الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ – وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ – حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ»، وفي صحيح مسلم: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ)،
أيها المسلمون
والإِسْلام أَرْشَدَ الْمُسْلِمَ إِلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ يَتجنبُ بِهَا الْوُقَوعَ فِي الْفِتَنِ، ومِنْهَا: التَّعَوُّذُ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ؛ فَدُعَاءُ اللهِ تَعَالَى- خَيْرُ وِقَايَةٍ مِنَ الْفِتَنِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، فَالْمُسْلِمُ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يُكْثِرَ الدُّعَاءَ، لِتَجْنِيبِهِ الْفِتَنَ، وَيَدْعُوَ بِالدُّعَاءِ النَّبَوِيِّ، كما في سنن الترمذي: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَتَتُوبَ عَلَيَّ، وَإِنْ أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ)، وَأَرْشَدَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَمَّتَهُ إِلَى الاِلْتِجَاءِ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الْفِتَنِ، فَفي صحيح مسلم: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)؛ وَمِنْ وسائل تجنب الوقوع في الفتن: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ للهِ تعالى، وَاعْتِقَادُ أَنَّ كُلَّ مَا يُصِيبُ الإِنْسَانَ مِنْ فِتْنَةٍ وَبَلاءٍ إِنَّمَا هُوَ بِقَدَرِ اللهِ وَقَضَائِهِ؛ قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن:11]. وَمِنْ أَسْبَابِ الْوِقَايَةِ مِنَ الْفِتَنِ: الْوَحْدَةُ وَالاِئْتِلافُ، وَتَرْكُ التَّنَازُعِ وَالاِخْتِلافِ، وَالاِعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، ولزوم الجماعة، فَبِالْوَحْدَةِ تَقْوَى الشَّوْكَةُ، وَيَعِزُّ الدِّينُ، وَيَذِلُّ الْكُفْرُ، يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران:103]. وقد أوصى ابنُ مسعود رضي الله عنه من سألوه عن الفتن بقوله: “اتقوا الله واصبروا حتى يستريحَ بَرٌّ، أو يُستَرَاحَ من فَاجِر، وعليكم بالجماعة؛ فإن الله لا يجمع أُمَّةَ محمدٍ على ضلالة”، والجماعةَ ليست بالكثرة؛ ولكنَّ الجماعة من كان على منهاج أهل السُّنَّة والجماعة، يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: “لو أن فقيهًا على رأس جبل لكان هو الجماعة”، وفي الصحيحين: (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟! قَالَ: (نَعَمْ)، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: (نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، فَقَالَ: (هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا)، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟! قَالَ: (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ)، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ! قَالَ: (فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ)، وَمِنَ الأُمُورِ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا الْمُسْلِمُ الْفِتَنَ: الْحِرْصُ عَلَى الْعِبَادَةِ أَيَّامَ الْفِتَنِ، وَقَدْ بَيَّنَ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام فَضْلَ الْعِبَادَةِ أَيَّامَ الْهَرْجِ وَالْقَتْلِ وَاخْتِلافِ الأُمُورِ، فَفي صحيح مسلم: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ)، فَلْيَكُنِ الْمُسْلِمُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ؛ قَوِيَّ الصِّلَةِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ. ومما يعصم من الفتن: التأنِّي والرِّفْقُ والحلمُ وعدمُ العجلة، حتى يَرَى الأمورَ على حقيقتِها، ففي صحيح مسلم: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ)، وقال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ)؛ ومما يعْصِمُ من الفتن: التَّسَلُّحُ بالعلم الشرعي؛ فالعلم الشرعي مطلبٌ مهمٌّ في مواجهة الفتن؛ ليكون المسلمُ على بصيرةٍ من دينه، قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله: “إذا انقطع عن الناس نور النبوَّة؛ وقعوا في ظلمة الفتن، وحدثت البدع والفجور، ووقع الشر بينهم”. ومما يعْصِمُ من الفتن، الثقةُ بنصر الله، وأن المستقبلَ للإسلام، مهما ادلهمَّت الظلمات، واشتدَّت الفتن، يقول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [يوسف:110]. ومما يعْصِمُ من الفتن: النظرُ في عواقب الأمور، ففي زمن الفتن ليس كُلُّ مقالٍ يُقَال، ولا كُلُّ فعلٍ يُفْعَل، وإن بَدَا لك حَسَنًا، حتى تعلمَ عواقبَه وما يترتَّب عليه،
أيها المسلمون
ومما يعصِمُ المسلم من الفتن: الالتفاف حول العلماء الربانيِّين؛ أئمةِ أهل السُّنَّة والجماعة؛ فهم أنصارُ شرعِ الله، ويبينون للناس الحقَّ من الباطلِ، والهُدَى من الضلال. ففي سنن ابن ماجه: (قال النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ مِن النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ)،
فالعلماء هم القدوة، والمربُّون، وهم العونُ بعد الله من هذه الفتن، والذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية، يقول ابنُ القيم رحمه الله: “وكنا إذا اشتدَّ بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه – يعني شيخَ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كُلُّه عنا”. والصبر من أعظم ما يُعين على الاعتصام من الفتن، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:155]. وروى الطبراني: (يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ زَمَانَ صَبْرٍ، لِلمُتَمَسِّكِ فِيهِ أَجْرُ خَمْسِينَ شَهِيدًا مِنْكُمْ)، وعن الزبير بن عدي قال: دخلنا على أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: اصبروا، لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، سمعتُ هذا من نبيِّكم صلى الله عليه وسلم.
ومما يعصم من الفتن: البعدُ عن مواطنها، وعدمُ التعرُّضِ لها أو الخوضِ فيها، ففي الصحيحين: (قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجأ فَلْيَعُذْ بِهِ). قال النووي رحمه الله تعالى: “معناه: بيانُ عظيمِ خطرِهَا، والحثُّ على تجنُّبِهَا، والهرَبُ منها ومن التشبثِ في شيء منها، وأنَّ شرَّهَا وفتْنَتَها يكونُ على حَسَبِ التَّعَلُّقِ بها”. وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: “لا تقربوا الفتنة إذا حَمِيَتْ، ولا تعرَّضُوا لها إذا عَرَضَتْ، واضْرِبُوا أهْلَهَا إذَا أقْبَلَتْ”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (موقف المسلم من الفتن)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
واعلموا أن اجتناب الفتن من سعادة المرء، ففي سنن أبي داود: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا». وكثير من الناس تتخطفهم الفتن، لأنهم يتبعون آراء الرجال، وأهواء السفهاء، وزلات العلماء، وحظوظ النفوس؛ ولهذا لا عجب أن ترى المتناقضات، وافتراق الناس، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وإن خالف الحق والعقل، وقليل من الناس من يتلقى الفتن بالأصول الشرعية وإن خالفت هواه،
فعلى المسلم أن يتعامل في الفتن بالأمر الشرعي، بنصوصه وقواعده ومقاصده، والواجب على كل مكلف اتقاء الفتنة بحيث لا يتسبب في وجودها أو إثارتها أو إذكائها واستمرارها، فالنفوس في الفتنة أشد إنكاراً للحق، وفي الفتنة يحضر الشيطان، والناس لا يعرفون الفتنة إذا أقبلت ولكن يعرفونها إذا أدبرت، قال الحسن البصري رحمه الله: «العالم يرى الفتنة وهي مقبلة، والناس لا يرونها إلا وهي مدبرة»، ودفع الفتنة قبل وقوعها خير من رفعها بعد وقوعها.
وعلى المؤمنين أن يتقوا الله ويعتصموا بحبله، ويسيروا على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة؛ فإن النجاة من الفتن في ذلك، وإن خالف هواك، وقلاك الناس، أو رأيت في ذلك غضاضة عليك؛ فإن العاقبة للتقوى وأهلها.
وإياك والانحراف عن هذا المنهج القويم إلى أهواء الذين لا يعلمون، والتشبه بالذين لا يؤمنون، وإن وافق ما في النفس، فإن النفوس لابد من أطرها على الحق، وإلزامها بالشرع وإن أبت، فالأمر جلل، والفتن عدوى، والاستعانة بالله وحده، والحق فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدعاء