خطبة عن (معجزة الإسراء والمعراج)
مارس 15, 2020خطبة حول حديث (إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا)
مارس 19, 2020الخطبة الأولى ( موقف المسلم من وباء (كورونا) وغيره من الابتلاءات)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (168) الأعراف
إخوة الإسلام
في هذه الأيام نرى ونسمع بما حل بنا وبمن حولنا من انتشار مرض أو وباء 🙁 كورونا ) وأريد أن أتناول معكم اليوم -إن شاء الله- هذا الموضوع في نقاط محددة ،وهي : أولا : نظرة المسلم لما يحل بنا أو بغيرنا من أمراض وبائية وكوارث أو فتن وغيرها) ، ثانيا : واجب المسلم في مثل هذه الأحوال ، وبداية أقول : أن المسلم يؤمن ويوقن أن كل ما يقع في هذا الكون إنما هو بقدر الله تعالى ،فالإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان ،ففي الصحيحين : قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ صلى الله عليه وسلم :« أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ » ، والمسلم يؤمن بأن الله تعالى رحيم بعباده ،يقدر لهم الخير ،ويلطف بهم ،قال الله تعالى: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (19) الشورى، ولربما قدّر الله على العبد شيئا من المكاره ،والتي يكون في ظاهرها العنت والتعب للعبد ، وفي باطنها الرحمة والخير له ،فالله سبحانه وتعالى يربي خلقه على ما ينفعهم ،فلا يفتح لهم الخيرات باستمرار فيتكبروا ،ولا يصيبهم بالبلاء والعذاب دوما فيهلكوا ويقنطوا، ولكنه سبحانه وتعالى يبتليهم ليرجعوا ويتوبوا إليه ،ويندموا على تقصيرهم في حقه، قال الله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (41) الروم ،والله تبارك وتعالى قد يبتلي عبده ليسمع شكواه وتضرعه ،ودعاءه وصبره ،ورضاه بما قضاه عليه، فهو سبحانه وتعالى يرى عباده إذا نزل بهم ما يختبرهم به من المصائب والأمراض وغيرها ،ويعلم خائنة أعينهم وما تخفي صدورهم ،فيثيب كل عبد على قصده ونيته، ولهذا ،فمن أُصيب بشيء من الأمراض أو مما يكرهه ،فعليه أن يحتسب عند الله أمره ،وأن يتلقّى ذلك بالصّبر والرِّضا ،ليفوز بثواب الصّابرين، وأما من عوفي ،فليحمد الله ،ليفوز بثواب الشاكرين.
أيها المسلمون
وأما عن واجب المسلم في مثل هذه النوازل ،وتلك المصائب ،وهذا الوباء الذي حل بأهل الأرض قاطبة ،فعلى المسلم ،أولا : أن يأخذ بالأسباب ،وأن يتبع التعليمات الوقائية ضد هذا المرض : من نظافة ،ومن عدم مخالطة المرضى ،والبعد في مثل هذه الأحوال من الأمور التي تنقل الأمراض مثل المعانقة والقبلات وغيرها، ومن أصيب بالمرض فعلى المريض أن يلتزم بالحجر الصحي ،فلا يخالط الأصحاء ،حتى لا يكون سببا في نقل العدوى إليهم ،فمن شعر بأعراض هذا المرض فعليه أن يمكث في بيته ولا يخرج منه طاعة لله ،وخوفا على المسلمين ،ففي صحيح مسلم : (كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ ». وبهذا يتجلى لنا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على عزل المريض عن الأصحاء ،والتوقي من مخالطة المريض مرضا معديا ،لأنه ينتقل بقدر الله، وفي الصحيحين : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ ». وهذا هو ما يسمى الآن بالحجر الصحي ،فالأخذ بالأسباب من الشرع والدين ،بل هو من التوكل على الله تعالى، ولا يجوز للمسلم أن يترك العمل بالأسباب ويقول أنا متوكل على الله ،لأنه بذلك يخالف الشرع ،ففي الصحيحين :(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ » ، وفي صحيح البخاري :يقول صلى الله عليه وسلم :(وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ » ،فهذا كله وغيره يؤكد وجوب الأخذ بالأسباب ،وأن الأخذ بالأسباب لا يتعارض مع التوكل على الله ،فعلى المسلم أن يتوكل بقلبه على الله مع الأخذ بالأسباب . ثانيا : من واجب المسلم في مثل هذه النوازل وتلك الأوبئة : أن يرضى بقدر الله وقضائه، فإذا أصيب بالمرض ،هو أو أحد من أهله بعد الأخذ بالأسباب ،فليصبر ،وليحتسب ،وليعلم أن المرض كفارة للمؤمن ،وكذلك من أصابته خسارة في ماله ،فليصبر وليحتسب ،فهذا من البلاء المأجور عليه صاحبه ،وليعلم أن الله أراد به الخير ،وإن مات في مرضه هذا ،فنحتسب عند الله أن يكون من الشهداء، ففي الصحيحين : (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الطَّاعُونِ ، فَأَخْبَرَنِي « أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ » ، ثالثا : من واجب المسلم في مثل هذه النوازل والأوبئة: التوكل على الله ،وعدم الخوف والهلع ،وليعلم المسلم أنه لن يصاب أحد بهذا المرض إلا بتقدير الله الذي لا مفر منه ، فليس كل مخالط للمريض سيصاب ولو لم يحتط ، قال الله تعالى (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة (51)،وقال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن:11]، فالأمور كلُّها بيد الله وطوْع تدبيره وتسخيره، فما شاء الله كان ،وما لم يشأ لم يكن ،ولا عاصم إلَّا الله ، قال تعالى (قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً) [الأحزاب :17]،وقال الله تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (2) فاطر، وفي صحيح الترمذي : يقول صلى الله عليه وسلم :«وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»، فالواجب على كلّ مسلم أن يفوض أمره إلى الله ،راجيًا طامعًا معتمدًا متوكِّلاً عليه، يرجو عافيته وشفاءه وسلامتَه من ربِّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فلا تزيدُه الأحداثُ ولا يزيدُه حلول المصاب إلا التجاءً واعتصامًا بالله ،قال الله تعالى :(وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) آل عمران 101، فقد تكون إصابته بالمرض رفعة لدرجاته وتكفيرًا لسيئاته؛ حتى يلقى الله وما به من الذنوب شيء، ففي الصحيحين 🙁 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ »، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته بالمصابين بالأوبئة .
رابعا : من واجب المسلم في مثل هذه النوازل :اللجوء إلى الله بالتضرع والدعاء والتوبة والأوبة إليه، وترك المعصي والموبقات ،والاكثار من الطاعات والأعمال الصالحات: من تلاوة للقرآن ،والذكر ،والنوافل من صلاة وصيام وصدقات، قال العباس بن عبد المطلب ( ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة) ،فالواجب على الناس إذا نزلت بهم الأوجاع والأوبئة أن يلجأوا إلى الله ،ويبتهلوا إليه ، ويتوبوا من ذنوبهم ،لعل الله أن يرحمهم ،فيزيل ويرفع عنهم البلاء ، كما قال سبحانه عن قوم يونس (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) يونس (98)، ومن السنة أيضا في مثل هذه الأحوال أن يقنت المسلمون في كل صلواتهم بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يرفع عنهم بالبلاء والوباء ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصلاة عند النوازل ، خامسا : من واجب المسلم في مثل هذه النوازل :أن يحصن المسلم نفسه بالأذكار الشرعية التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهي من الأسباب الواقية بإذن الله ، ومن ذلك أن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ـ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ـ فَيَضُرُّهُ شَيءٌ» رواه الترمذي، وفي سنن أبي داود : (ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِى وَحِينَ يُصْبِحُ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي»،وفي سنن أبي داود وغيره : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ :«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ » .ومن الدعاء أيضا : «تحصنت بذي العزة والجبروت، واعتصمت برب الملكوت، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، اللهم اصرف عنا الوباء، بلطفك يا لطيف، إنك على كل شيء قدير» فعليكم بالدعاء، فليس هناك سلاح أقوى من الدعاء فعلى المسلم أن يدعو الله عز وجل لنفسه ولأهله ولأولاده ولكل العالم، فمن أعظم نعم الله علينا أن الله فتح لنا باب الدعاء في كل شيء، فلأبد أن يدعو الإنسان وقلبه حاضر وأن يرى الله منك الانكسار والخضوع.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( موقف المسلم من وباء (كورونا) وغيره من الابتلاءات)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن واجب المسلم نحو هذا الوباء : الاكثار من الوضوء : فقد أكد الأطباء أن من وسائل الوقاية من هذا المرض أن يكون الأنف والحلق رطبًا بصفة مستمرة؛ لأنهما مصدر العدوى، بالإضافة إلى شرب الماء كثيرًا، وغسل اليدين بصفة مستمرة، وهذا بالطبع موجود في الوضوء :أثناء غسل اليدين والاستنشاق، وبهذا يكون المتوضئ في حالة نظافة دائمة، فالمضمضة الدائمة والاستنشاق بصفة مستمرة، يحمي من هذا الميكروب، فلم يخلق الله داءً إلا جعل له دواء، فالوضوء هو دواء؛ بل إنه وقاية من هذه الأمراض، سابعا : ومن واجب المسلم في مثل هذه الأحوال :عدم نقل الإشاعات وترويع الناس، بل من الواجب علينا في مثل هذه الأحوال أن نطمئن الناس ،ونزرع في قلوبهم الأمل بقرب الفرج ، وزوال هذه الشدة وذاك المرض في القريب ،ولا نقنطهم من رحمة الله ، ولا نروعهم ولا نخيفهم ،
الدعاء