خطبة عن ( ابْن آدَمَ إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا وَقَعَ فِي الْهَرَمِ حَتَّى يَمُوتَ )
يوليو 24, 2021خطبة عن ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ وأصحاب العقول، وَيعْتَبِرُ أُولو الْأَبْصَارِ)
يوليو 24, 2021الخطبة الأولى ( مَا النَّجَاةُ ؟ أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام الترمذي في سننه : (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا النَّجَاةُ ؟ ، قَالَ : « أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ». وفي رواية للإمام أحمد : (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ ، قَالَ : « أَمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ».
إخوة الإسلام
ما النجاة ؟ ، وكيف أنجو ؟؟ ، هذا سؤال كثيرا ما يتردد على الألسنة ، ونسمعه من بعض الناس ، وقد كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عَنهم حرِصين حِرصًا شَديدًا على النَّجاةِ في الدُّنيا والآخِرةِ؛ فكانوا يَسأَلون النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن أسبابِ النَّجاةِ والفَلاحِ في الدُّنيا والآخِرَةِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُرشِدُهم ويَدُلُّهم إلى طريقِ الخيرِ والنَّجاةِ. وفي هذا الحديثِ يقولُ عُقبةُ بنُ عامرٍ رضِيَ اللهُ عَنه : “قلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما النَّجاةُ؟ أي: ما أسبابُ النَّجاةِ والفلاحِ في الدُّنيا والآخرةِ؟ ، وكيف أتَحصَّلُ عليهما وأَنْجو بنَفْسي؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “أمسِكْ عليك لِسانَك”، أي: كُفَّ لِسانَك واحْبِسْه واحْفَظْه عن قولِ كلِّ شرٍّ، ولا تَنطِقْ إلَّا بخيرٍ، وقد قال اللهُ تعالى في محكم آياته : {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]؛ وقد أجابه صلى الله عليه وسلم بذلك لِما للِّسانِ مِن خُطورةٍ، ففي صحيحِ البخاريِّ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً ، يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً ، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ. فالعَبد الَّذِي حَسُنَ إِسلامُهُ، لا يَشتَغِلُ بما لا يَعنِيهِ مِنَ الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ، فَضلاً عَن أَن يُفتَتَنَ بما لا يَعنِيهِ مِنَ المُحَرَّمَاتِ وَالمُشتَبِهَاتِ، أَو يَتَعَلَّقَ بِالمَكرُوهَاتِ وَفُضُولِ المُبَاحَاتِ، الَّتِي لا تَندَفِعُ بها عَنهُ ضَرُورَةٌ، ولا تَحصُلُ لَهُ بها حَاجَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ ضَيَاعٌ لِوَقتِهِ وَتَبدِيدٌ لِجُهدِهِ. ومِن أَولى ما يَجِبُ عَلَى المَرءِ اجتِنَابُهُ ، شَهوَةَ الكَلامِ وَإِطلاقِ الأَلسِنَةِ، وَفُضُولَ التَنَصُّتِ وَالاستِمَاعِ وَالتَّتَبُّعِ، فَكَم مِن خَائِضِينَ فِيمَا لا يَعنِيهِم، وَمُتَكَلَّمِينَ فِيمَا لا يَنفَعُهُم، وَمُستَمِعِينَ إِلى أُمُورٍ قَد طَهَّرَ اللهُ منها أَيدِيَهُم وَأَرجُلَهُم، فَأَبَوا إِلاَّ أنْ يَلُوكُوهَا بِأَلسِنَتِهِم وَيَفتَحُوا لها آذَانَهُم، غَافِلِينَ أَو مُتَغَافِلِينَ عَن أَنَّ مُوبِقَاتِ الأَسمَاعِ وَالأَلسِنَةِ، قَد تَكُونُ أَعظَمَ مِن مُوبِقَاتِ الأَيدِي وَالأَرجُلِ، وَأَنَّ صَلاحَ الأَلسِنَةِ وَاستِقَامَتَهَا صَلاحٌ لِلقُلُوبِ وَاستِقَامَةٌ لَهَا، فَفِي الصَّحِيحَينِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ” إِنَّ العَبدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيها يَزِلُّ بها في النَّارِ أَبعَدَ مِمَّا بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ “، فالمسلم الحق هو الذي يحذر كل الحذر من لسانه ؛ لأنه سوف يحاسب على كل كلمة ، بل كل لفظ ينطق به لسانه , وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ « تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ ». وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ « الْفَمُ وَالْفَرْجُ »، وسأل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل الذي يدخله الجنة ويباعده من النار فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم برأس الأمر وعموده وذروة سنامه، (ثُمَّ قَالَ : « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ». قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ « كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ». فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ » رواه الترمذي . وفي مسند الإمام أحمد : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ رَفَعَهُ قَالَ : « إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ أَعْضَاءَهُ تُكَفِّرُ لِلِّسَانِ تَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّكَ إِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا » ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ وَلاَ يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ». رواه أحمد، وحسنه الألباني ، وقد ذكر الإمام مالك في الموطإ : (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَخَلَ عَلَى أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَهْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ ).
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم : “وَلْيَسَعْك بيتُك”، أي: لِيَكُنْ في بيتِك سَعَتُك ، والْزَمْ بيتَك ، لِتَعبُدَ اللهَ في الخَلَواتِ، واشتَغِلْ بطاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، واعتَزِلْ في بَيتِك عن الفِتَنِ، وقيل في مَعْناه أيضا : ارْضَ بما قسَم اللهُ لك مِن الزَّوجةِ والولَدِ ،والرِّزقِ والسَّكنِ، وغَيرِ ذلك مِن مَتاعِ الدُّنيا، وانظُرْ إلى مَن هو أعلى مِنك في أمرِ الدِّينِ، وإلى مَن هو أدنى مِنك في أمرِ الدُّنيا ؛ لئلَّا تَزدَرِيَ نعمةَ اللهِ عليك، فهذا أسلَمُ لك. والاهتمام بالبيت هو الوسيلة الكبيرة لبناء المجتمع المسلم، فإن المجتمع يتكوّن من بيوت هي لبناته، فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعنا قوياً بأحكام الله، صامداً في وجه أعداء الله، يشع الخير ولا ينفذ إليه الشر. فيخرج البيت الصالح إلى المجتمع أركان الإصلاح فيه؛ من الداعية القدوة، والقائد الرباني، وطالب العلم المجتهد، والمجاهد الصادق، والشاب الغيور على دينه وعلى عرضه، والبنت العفيفة الطاهرة، والزوجة المخلصة، والأم المربية، وبقية الصالحين المصلحين.
أيها المسلمون
ثم ننتقل إلى قوله صلى الله عليه وسلم : “وابْكِ على خَطيئتِك”، أي: واندَمْ على ما ارتكَبتَ مِن ذنوبٍ، وابكِ بكاءً حقيقيًّا؛ تصديقًا لتوبتِك وإنابتِك، ثمَّ اشتَغِلْ بإصلاحِ نفسِك وتَهذيبِها ، فالمسلم يحاسب نفسه ويعاتبها على تقصيرها, ويعرف أن ذلك طريقا لنجاته من عذاب النار ،وغضب الجبار ، وفي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » ، وفيه : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ ».
أقول قولي وأستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَا النَّجَاةُ ؟ أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والبكاء من خشية الله سمة العارفين ، قال عبد الله بن عمرو بن العاص : لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بمئة ألف درهم. وفي الأثر الإلهي: (ولم يتعبد إلي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي). وفي صحيح ابن جبان : (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يروي عن ربه جل وعلا ، قال: (وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة) ، وهذا عمر كان في وجهه خطان أسودان من الدموع وكان يأخذ تبنة من الأرض ويقول: (يا ليتني كنت هذه التبنة، يا ليتني لم أك شيئا مذكورا). وهذا أبو عبيدة بن الجراح يقول: (وددت أني شاة فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحتسون مرقي). وهذا عبد الله بن المبارك يقول: (لو أن رجلا وقف على باب المسجد ونادى ليخرج شر الناس لما سبقني إليه إلا رجل أوتي أكثر مني قوة أو سمعا). وهذا ابن عباس كان أسفل عينيه مثل الشّراك البالي من البكاء. وهكذا كان حال صحابة رسول الله مع أنهم كانوا مبشرين بالجنة ، فهذا علي رضي الله عنه يصفهم ويقول: لقد رأيت أصحاب محمد فلم أرَ أحدا يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا وقد باتوا سجدا أو قياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقعون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب العزي من طول سجودهم إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبتل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب. وفي مسند أحمد : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ (الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أَهُوَ الرَّجُلُ يَزْنِى وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ قَالَ « لاَ يَا بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ أَوْ لاَ يا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّى وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُ » ، وقال الحسن: عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحسانا وخشية وإن المنافق جمع إساءة وأمنا.
الدعاء