خطبة عن جنود الله (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
فبراير 22, 2020خطبة عن حرمة الدماء (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ)
فبراير 22, 2020الخطبة الأولى (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا ، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روي في الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا ، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ »، وفي رواية لمسلم : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلاَّ كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةً وَلاَ يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ ».
إخوة الإسلام
في هذا الحديث النبوي الكريم ، يبين النبي ﷺ للأمة ، ويرشدهم إلى أسباب الخير حتى لا يضعفوا ويكسلوا، فقال صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا ، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ » ، فيبرز لنا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أهمية الغرس والزراعة ، ويوضح ما للزارع والغارس من مثوبة عند الله تعالى إذا أكل من غرسه ، أو زرعه ، طير أو إنسان ، أو بهيمة، بل إن منزلة هذا النوع من العمل ، تتضح لنا بصورة رائعة وعظيمة ، حين نعلم أن مثوبة الزرع أو الغرس ممتدة إلى ما بعد الموت، وهي صدقة جارية إلى يوم القيامة ،ففي رواية عند الإمام مسلم : (أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ دَخَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أُمِّ مَعْبَدٍ حَائِطًا فَقَالَ : « يَا أُمَّ مَعْبَدٍ مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ ». فَقَالَتْ بَلْ مُسْلِمٌ. قَالَ : « فَلاَ يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ طَيْرٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ». فثواب ذلك لموصول، ما دام الزرع مأكولا منه، حتى ولو انتقل إلى ملك غيره ، ولو مات الغارس ، أو الزارع. قال النّوويُّ في شرح مسلم : في هذا الحديث فَضِيلةُ الغَرْسِ وفضِيلةُ الزَّرْعِ وأنّ أجْرَ فَاعِلِي ذلكَ مُستَمِرٌّ ما دامَ الغَرْسُ والزّرْعُ وما توَلّدَ منهُ إلى يومِ القيامةِ ، ولقد أخذ صاحب هذا العمل تلك المنزلة من الأجر والمثوبة، لأنه بهذا شارك في عمارة الحياة، فلم يعش لنفسه فقط، وإنما عمل لمصلحة مجتمعه، وقدم لنماء الخير مستطاعه، وسواء حصل من زرعه على شيء ، أو لم يحصل، وسواء عاش ليأكل منه ، أم لا. فينبغي للمؤمن أن تكون له همة عالية ، وأن يستكثر من الخيرات ،والأعمال الصالحات، وأن لا يرغب بالأقل ، بل يجتهد في الاستكثار من الخيرات ، ومسارعة إلى الطاعات؛ لأن ذلك يزيد في ثوابه وأجره ، ورفعة درجاته؛ ، وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن الزراعة أفضل أعمال الكسب والمعاش، وقيل: الصناعة أفضل، وقيل التجارة.. والواقع أن الأمر يختلف باختلاف حاجات الناس وأحوالهم في الزمان وفي المكان، فإذا كانت حاجة الناس إلى القوت أكثر ،كانت الزراعة أفضل، لتحصل التوسعة على الناس، وإذا كانت حاجة الناس إلى السلع التجارية ،والمواد التموينية أكثر ،لانقطاع الطرق مثلا ،أو لندرة ما يتمون به المجتمع ،كانت التجارة أفضل، وكذلك الصناعة ،وغيرها من وسائل العمل والإنتاج ، كما يؤكد الحديث أن الإنسان يثاب على ما تلف من ماله ،دون إهمال منه ،أو ما سرق منه كذلك. ويبين الحديث أن في دين الإسلام دعوة إلى التكافل الاجتماعي ،والتعاون الإنساني ، في مختلف الصور.
أيها المسلمون
فينبغي للمؤمن أن تكون له همة عالية ، ونية طيبة في كل أعماله؛ زراعة ، غراسة ، سقي ماء ، أو أي شيء ينفع الناس ، وتكون له فيه نية صالحة ، يرجو فيها ثواب الله؛ كالزرع والغرس ، وإيجاد مصانع الماء للناس ،ومحل ورد للناس ،وتسهيل الطريق ،وإزالة الأذى من الطرق ، إلى غير هذا من وجوه الخير، والصدقة بالقليل ، ففي الصحيحين : (عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « اتَّقُوا النَّارَ » . ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ، ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ » . ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلاَثًا ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ »
أيها المسلمون
ومن أهم الفوائد المستنبطة من هذا الحديث النبوي الكريم : أولا : في هذا الحديث حث على الزرع، وعلى الغرس، وفيه الحض على عمارة الأرض، وأن الزرع والغرس فيه الخير الكثير، وفيه مصلحة في الدين، ومصلحة في الدنيا أما مصلحة الدنيا: فما يحصل فيه من إنتاج، ومصلحة الغرس والزرع ليست كمصلحة الدراهم والنقود، لأن الزرع والغرس ينفع نفس الزارع والغارس، وينفع البلد كله، فكل الناس ينتفعون منه، بشراء الثمر، وشراء الحب، والأكل منه، ويكون في هذا نمو للمجتمع ،وكثرة لخيراته، بخلاف الدراهم التي تودع في الصناديق ،ولا ينتفع بها أحد. ، أما المنافع الدينية: فإنه إن أكل منه طير؛ من عصفور، أو حمام، أو دجاجة، أو غيرها ، ولو حبة واحدة، فإن له به صدقة، سواء شاء ذلك أو لم يشأ، حتى لو فرض أن الإنسان حين زرع أو حين غرس لم يكن بباله هذا الأمر، فإنه إذا أكل منه ،صار له صدقة، وأعجب من ذلك : فلو أنه سرق من هذا الزرع أو الغرس سارق، فإن لصاحبه في ذلك أجراً، مع أنه لو علم بهذا السارق ،لرفعه إلى المحكمة، ومع ذلك فإن الله تعالى يكتب له بهذه السرقة صدقة إلى يوم القيامة !.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا ، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد المستنبطة من هذا الحديث : ثانيا : في هذا الحديث دليل على كثرة طرق الخير، وأن ما انتفع به الناس من الخير، فإن لصاحبه أجراً وله فيه الخير، سواء نوى أو لم ينو، وهذا كقوله تعالى : ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (النساء:114) . ، فذكر الله سبحانه وتعالى أن هذه الأشياء فيها خير، وفي هذا دليل على أن المصالح والمنافع إذا انتفع الناس بها ، كانت خيراً لصاحبها ، وأجراً ، ثالثا : إنَّ غرس الشجر ليس من العبث، واللهو، وإنَّما فيه أجر وثواب من الله ، وفي الحديث أيضا : الترغيب في اغتنام فرصة وجود الإنسان في هذه الحياة ، وأن الزراعة مما ينتفع به الناس بعد الموت؛ ويجري أجره للإنسان، وتُكتب له صدقته إلى يوم القيامة. ، رابعا : على المسلم ألاَّ يتوانى في عمل الخير، وأن يكون إيجابيا، منتجا، وفاعلا في حياته، ومجتمعه. ويبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فضل علوّ الهمّة ، والتفاؤل، والأمل، والتطلّع إلى المستقبل بنظرة مشرقة ، ويبين أن ديننا يدعو إلى العمل، وبذل الأسباب، وعدم الركون إلى العجز والكسل، وحبّ النبي – صلى الله عليه وسلم – الخير لأمته بدلالتهم على طرق الخير والفوز والفلاح . ، خامسا : في الحديث بيان بأن الثواب المترتب على أفعال البر في الآخرة يختص بالمسلم دون الكافر، كما في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : (مَا مِنْ مُسْلِمٍ ) .، سادسا : وفي الحديث بيان لأفضلية الكسب باليد، وفي مسند أحمد وغيره : (رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ قَالَ : « عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ » ، وروى البخاري في صحيحه : (عَنِ الْمِقْدَامِ – رضى الله عنه – :عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ » ، سابعا : أنّ الإنسان إذا استحضر النية في أي عمل مباح فإنّه يؤجر عليه، فالغرس في الأرض عمل مباح، فإذا نوى الإنسان إعفاف نفسه، والنفقة على عياله، وأن يَنْفِي عن نفسه الفقر، أو يأكل منه إنسان، أو طير، أو حيوان، فإنه يثاب عليه.
الدعاء