خطبة عن (الداء والدواء)
ديسمبر 29, 2018خطبة عن (من مقاصد الصلاة وثمراتها)
يناير 5, 2019الخطبة الأولى ( مَعَ الْقُرْآنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (82) النساء ،وقال الله تعالى :(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (9)، (10) الاسراء ،وقال الله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) (82)الاسراء ، وقال الله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (17) القمر ،وقال الله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (21) الحشر ،وقال الله تعالى : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (7) الشورى ، وقال الله تعالى :(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (29) ص
إخوة الإسلام
إن الحديث عن القرآن الكريم حديث ممتع جميل ، وحديث عظيم , لأنه حديث عن كتاب الله الكريم , ولو أراد المرء أن يُسهب في الحديث عن كلام الله , لفني العمر ولم ينته من الحديث بعد , ففي سنن البيهقي موقوفا (أن الْحَسَنَ , يَقُولُ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ” لَوْ أَنَّ قُلُوبَنَا طَهُرَتْ مَا شَبِعَتْ مِنْ كَلامِ رَبِّنَا , وَإِنِّي لأَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمٌ لا أَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ ” ،وَمَا مَاتَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى خُرِقَ مُصْحَفُهُ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُدِيمُ النَّظَرَ فِيهِ . « فهو كِتَابُ اللَّهِ ،فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ ،وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ،وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ،هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ،مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ،وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ،وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ،وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ،هُوَ الَّذِى لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ ،وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ ،وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ،وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِى لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ) مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِىَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ »
فانظر إلى حال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القرآن ، فقد كان يحب أن يتلو القرآن ، ويحب أن يسمعه من غيره , ومن ورائه أبو بكر ، وعمر ، والأصحاب الكرام ، كانت تُسمع أصوات بكائهم من وراء الصفوف , فما الذي يجعلهم يبكون وهم الرجال الأبطال ؟, إنه القرآن ،يقول الله سبحانه وتعالى مادحاً خيرة خلقه ،وأصفيائه من أوليائه من أهل القرآن :( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) (مريم:58) ،فالبكاء عند تلاوة القرآن ،وسماعه ،وتدبره ،هو ترجمة حقيقية لتأثر القلب , والعيش الحقيقي مع القرآن الكريم ، وتأمل معي كرامة القرآن لأهله ، ففي سنن الترمذي بسند حسن صحيح : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ فَيَرْضَى عَنْهُ فَيُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً » ، فالعيش مع القرآن العظيم عيش كريم , ونعمة يتفضل بها الله تعالى على من يشاء من خلقه , وهو حياة تعجز العبارات أن تعبر عنها , ولذا كان حريٌ بالمؤمن الناصح لنفسه أن يجاهد نفسه للعيش الحقيقي مع القرآن الكريم ,
أيها المسلمون
ولقد بين النبي -ﷺ- أحوال الناس مع القرآن الكريم ، وأثر القرآن فيهم، فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِى لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِى لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ » .قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: “قوله: (رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ) قيل : خص صفة الإيمان بالطعم، وصفة التلاوة بالريح؛ لأن الإيمان ألزم للمؤمن من القرآن، إذا يمكن حصول الإيمان بدون القراءة، وكذلك الطعم ألزم للجوهر من الريح، فقد يذهب ريح الجوهر، ويبقى طعمه، ثم قيل: الحكمة في تخصيص (الأُتْرُجَّةِ ) بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعم والريح كالتفاحة؛ لأنه يتداوى بقشرها، وهو مفرح بالخاصية، ويستخرج من حبها دهن له منافع، وقيل: إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج، فناسب أن يمثل به القرآن الذي لا تقربه الشياطين، وفي السلسلة الصحيحة للألباني :” تعلموا القرآن، وسلوا الله به الجنة، قبل أن يتعلمه قوم، يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرأه لله “. وروى الطبراني في المعجم الأوسط : (عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أذا كان آخر الزمان صارت امتى ثلاث فرق فرقة يعبدون الله خالصا وفرقة يعبدون الله رياء وفرقة يعبدون الله يستأكلون به الناس فاذا جمعهم الله يوم القيامة قال للذي يستأكل الناس بعزتي وجلالي ما اردت بعبادتي قال وعزتك وجلالك أستأكل به الناس قال لم ينفعك ما جمعت شيئا تلجا إليه انطلقوا به إلى النار ثم قال للذي كان يعبده رياء بعزتي وجلالي ما اردت بعبادتي قال بعزتك وجلالك رياء الناس قال لم يصعد إلى منه شيء انطلقوا به إلى النار ثم يقول للذي كان يعبده خالصا بعزتي وجلالي ما اردت بعبادتي قال بعزتك وجلالك انت اعلم بذلك منى اردت به ذكرك ووجهك قال صدق عبدي انطلقوا به إلى الجنة ) ، وروى ابن قتيبة في كتابه (عيون الأخبار) : عن الحسن، قال: “قُرَّاءُ القرآنِ ثلاثة: رجل اتخذه بضاعة ينقله من مصر إلى مصر، يطلب به ما عند الناس، وقوم حفظوا حروفه، وضيعوا حدوده، واستدروا به الولاة، واستطالوا به على أهل بلادهم، ورجل قرأ القرآن، فبدأ بما يعلم من دواء القرآن، فوضعه على داء قلبه، فسهر ليله، وهملت عيناه، وتسربلوا بالخشوع، وارتدوا الحزن، وركدوا في محاريبهم، وحثوا في برانسهم، فبهم يسقي الله الغيث، وينزل المطر، ويرفع البلاء، والله لهذا الضرب في حملة القرآن أقل من الكبريت الأحمر” ، وفي سنن الدارمي : (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ سَمِعْتُ عَمِّى إِيَاسَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ : أَخَذَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ بِيَدِي ثُمَّ قَالَ : إِنَّكَ إِنْ بَقِيتَ سَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثَلاَثَةُ أَصْنَافٍ : فَصِنْفٌ لِلَّهِ ، وَصِنْفٌ لِلْجِدَالِ ، وَصِنْفٌ لِلدُّنْيَا ، وَمَنْ طَلَبَ بِهِ أَدْرَكَ. وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه (زاد المعاد): “والناس في هذا أربع طبقات: الأولى: أهل القرآن والإيمان، وهم أفضل الناس.والثانية: من عدم القرآن والإيمان. والثالثة: من أوتي قرآناً، ولم يؤتَ إيماناً. والرابعة: من أوتي إيماناً، ولم يؤتَ قرآناً. قالوا: فكما أن من أوتي إيماناً بلا قرآن أفضل ممن أوتي قرآناً بلا إيمان، فكذلك من أوتي تدبراً وفهماً في التلاوة، أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بلا تدبر” وبعد : فمن أي الأقسام نحن؟! وما هو حالنا مع كتاب الله؟!
أيها المسلمون
إنَّ السعيد حقًّا هو ذلك القريب من كتاب الله تعالى، فتجده تاليًا له آناء الليل وأطراف النهار، عاملاً بأمره، منتهيًا عن نواهيه ، ويقابل ذلك السعيد شقيٌّ لم يعرف أين يجد لذَّة الحياة الحقيقية، وهو البعيد عن كتاب ربِّه تبارك وتعالى، فتجده مُعرضًا عن تلاوته، متعدِّيًا لحدوده، لا تردُّه نواهيه عن معصية، ولا تُحفِّزه أوامره على طاعة !. فعلى المسلم أن يحاسب نفسه مع أيِّ فريقٍ هو ؟ وإذا حاسب العبد نفسه علم مع أيِّ قسمٍ هو؟ فإنَّ المسلم الحريص على ما ينفعه هو الذي يحاسب نفسه حقَّ المحاسبة، ليدرك خلاص نفسه قبل فوات الأوان، فإنَّ هذا القرآن سيأتي غدًا إمَّا سائقًا لأهله إلى جنَّات النعيم، وإمَّا سائقًا للمعرضين عنه إلى الجحيم . قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : إنَّ هذا القرآن كائنٌ لكم أجرًا، وكائنٌ لكم ذِكرًا وكائنٌ لكم نورًا، وكائنٌ عليكم وِزرًا، اتبعوا هذا القرآن ولا يتَّبعنكم القرآن، فإنه من يتبع القرآن يهبط به في رياض الجنة، ومن اتبعه القرآن يَزُخُّ (يدفع) في قفاه فيقذفه في جهنم !
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَعَ الْقُرْآنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن حال الناس مع القرآن لا تخلوا من حالين : إمَّا أن تكون ممَّن يتلونه حقَّ تلاوته، وإما أن تكون ممن يهجرونه، أيًّا كانت أقسام الهجر . ومن هجر كتاب الله تعالى، وجعل هواه وشهواته منهجًا له في حياته، فذاك الشقيُّ حقًّا ، فما قولك فيمن وضع كتاب الله تعالى في رفٍّ من رفوف بيته حتى علاه الغبار ؟ ،وإن حرَّكه فإنما يحركه ما بين تارة وأخرى لتنظيفه من الغبار، وقد يُحرِّكه غيره ليقوم بهذه المهمة، وقد يُحرِّكه الأطفال للعبث به أحيانًا.. وكم من أولئك الذين لا يتذكَّرون آخر مرَّة قرأوا فيها كتاب الله تعالى ، وذاك هو الهجر، وصاحبه غدًا هو الذي يكون القرآن خصيمه في يومٍ يكون محتاجًا فيه إلى الحسنة الواحدة ،وأيُّ حرمان أعظم من حرمان رجل يصبح ويمسي وهو يبصر كتاب ربِّه تعالى أمامه ثم لا يتزوَّد منه لآخرته ؟! ، يقول الإمام ابن القيم : هجر القرآن أنواع : أحدها : هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه . والثاني : هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به . الثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه . والرابع : هجر تدبُّره وفهمه . والخامس : هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به، وكلُّ هذا داخل في قوله تعالى : “وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَب إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا” [الفرقان: 30] .
أيها المسلم
فابحث أخي المسلم عن السعداء حقًّا ! وتأمل حال العباد؛ فستجد أنَّ أسعد الناس هم الذين يتلون كتاب الله دومًا، أنسوا به إذ استوحشت قلوب الغافلين . وابحث عن التعساء المحرومين؛ فستجدهم أولئك الذين اتَّخذوا هجر القرآن عادة ! ولا يذهبنَّ ذهنك إلى أنَّ السعداء هم أولئك الذين فتحت لهم الدنيا ذراعيها، فهم يتقلَّبون في نعيمها ! وإنما السعادة الحقيقية هي سعادة القلوب ! وإنَّ من خلا قلبه عن ذِكر الله تعالى فهو كالميت !ولكنَّ السعداء أولئك الذين امتلأت قلوبهم بذكر الله تعالى وتلاوة كلامه.. فهم دومًا يتقلَّبون في اللذات، حتى إذا كان يوم القيامة فازوا باللذَّة الحقيقية التي لا كدر فيها، فازوا بالجنة !. قال الحسن البصري رحمه الله : تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذِّكر، وفي قراءة القرآن .. فإن وجدتم وإلاَّ فاعلموا أنَّ الباب مغلق ! فعلى المسلم أن يتفقَّد نفسه وينظر إلى حالها مع كتاب الله تعالى، هل هو من التالين أم هو من الهاجرين ؟ فإن وجد نفسه أنه مع التالين العاملين حمد الله تعالى وسأله الزيادة والثبات، وإن وجد نفسه أنه مع الهاجرين استعاذ بالله تعالى، وأقبل على كتاب ربه تعالى، وسأله التوفيق إلى ذلك .
الدعاء