خطبة حول قوله تعالى (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ)
نوفمبر 19, 2022خطبة عن ( طَائِرُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي عُنُقِهِ )
نوفمبر 22, 2022الخطبة الأولى ( مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (61) :(68) الشعراء
إخوة الإسلام
(كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) الشعراء (62): بهذا النداء العظيم والمدوي، والذي ترتج له الآفاق، وتهتز به الأعماق، ويملأ صداه الجنان والآذان، نادى كليم الله موسى (عليه السلام) ربه السميع البصير، العليم الحكيم الرحيم، نادى ربه بقلب الواثق ،لما قال له أصحابه : {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61]، فلم يتردد ولم يتلكأ، بل قال: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) ،قالها وكله ثقة بالله عز وجل ،وتوكلٌ عليه، وحسن ظن به، فنبي الله موسى (عليه السلام) لا يشك لحظة في قدرة الله تعالى، والتأكد من النجاة، وإن كان لا يدري كيف تكون. فهي لا بد كائنة، فالله تعالى هو الذي يوجهه ويرعاه. فقوله: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) تعني: كلا لن نكون مدركين. كلا لن نكون هالكين. كلا لن نكون مفتونين. كلا لن نكون ضائعين ،بهذا الجزم والتأكيد واليقين،
أيها المسلمون
وقول نبي الله موسى (عليه السلام): {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، لا بد أن يكون منهاجا للمسلم في حياته، ولا بد أن يكون لسان حال كل مسلم عالما بأنه لا حبل موصول إلا حبل الله عز وجل، ولا فرج ولا مخرج ولا ملاذ إلا بالله عز وجل. ففي اللحظات العصيبة يتجلى الإيمان الحقيقي، وتنكشف معادن المؤمنين الحقيقيين، وتبدو جلية وواضحة للعيان حقيقة الإيمان وتجليات اليقين. وهذه الحالة، هي من أعظم مراحل التسليم لله، فكل شيء له، فأنت خُلقت عبدًا لله ،وخليفةً في أرضه، فلابد أن تسلم الأمر له، وتتوكل عليه ،وتثق في موعوده ، بيقين لا يتزعزع ، ففي سنن النسائي : (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ إِيمَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ)
وأمر التسليم متعلقٌ بالرضى بقضاء الله وقدره، فحيثما كان التسليم وجد الرضى، وأينما كان الرضى وجدت وراءهُ تسليمًا صادقًا وخالصًا.. واليقين من الإيمان ، وهو يتجلى في علاقة العبد مع خالقه سبحانه وتعالى، فالهدف والغاية من هذه الحياة هو عبادة الله سبحانه وتعالى على الوجه الذي يرضى به عن عبده، ولا بدّ للمسلم من أن يقوّي يقينه وإيمانه بالله سبحانه وتعالى، ويوثق الصلة به لحماية نفسه من الفتن وكسب رضا الله سبحانه ومحبته. و يزيد خضوع العبد وخشوعه لربه سبحانه وتعالى. واليقين بالله يُكسب المسلم العزة والرفعة، ويُبعده عن مواطن الذل والضعف. ويورث العبد التوكل على الله سبحانه وتعالى، والزهد فيما في الدنيا من المتع الزائلة ،وتحصل النجاة باليقين من المهالك والمخاطر التي يمر بها المسلم في حياته .و اليقين يعد من أسباب إجابة الدعاء. ويعد من أسباب دخول الجنة، والفوز في الدنيا والآخرة، ويسبب الشعور بالاستقرار وطمأنينة لقلب. واليقين بالله تعالى يزيد بكثرة التأمل في كتاب الله وتدبر معانيه، وتدبر الآيات الكونية، وتدبر معاني صفات الله تعالى، ومما يزيده كذلك كثرة سؤال الله تعالى الإيمان واليقين والهدى، ففي سنن الترمذي: « اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا ) .
أيها المسلمون
ولابد أن نتوقف مع أنفسنا لحظات، يسترجع كل منا بعض المواقف من المحن والأزمات التي يمر بها في حياته، ويظن أن ليس لها حلا ، وقد أغلقت دونه الأبواب، وسدت دونه الطرق ، وقد يتسلل إلى البعض منا الإحباط ،وفقدان الأمل واليأس، ويظن أن خطوط الأمل قد انقطعت، ولم يعد للحياة معنى، ثم تدركه عناية الله ومدده، فيتغير الحال، وتتبدل الأمور، ويأتي الفرج بعد الضيق، واليسر بعد العسر، والنصر بعد الهزيمة، إنّه الإيمانُ والثقةُ باللهِ تعالى الذي معه تنقلبُ المعاييرُ كلُّها فيُهلِكَ الجبابرةَ والطغاةَ، وتنطوي صفحاتُ التاريخِ، ويشرقُ معها فجرُ الانتصارِ الإلهيِّ، ويتحوّلُ المهزومُ إلى منتصرٍ، ومن كان يرى النصرَ بمقدّراتِه الماديّةِ والعسكريّةِ إلى مهزوم. وهكذا، فإنَّ نهايةَ الظلمِ والظالمِ لا بدَّ من أنْ تتحقّقَ، وقدرةَ اللهِ تعالى ستكونُ مع كلِّ مؤمنٍ مظلومٍ، ونتائجَ الثقةِ باللهِ المتجسّدةِ بقولِ موسى (عليه السلام): ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾، هي القضاءُ على الطغاةِ والجبابرةِ كلِّهم الذين يتباهونَ بقدراتِهم العسكريّةِ والتسليحيّةِ، والذين يتمادونَ في قتلِ الشعوبِ وإذلالِها واحتقارِها ،فاللهُ تعالى هو الذي يُعزُّ من يشاءُ، ويذلُّ من يشاءُ، وهو الذي أنقذَ نبيَّه الأكرمَ محمّداً (صلى الله عليه وآله) عندما كان في الغارِ تُلاحِقُه أيدي الأشرارِ بقولِه (صلى الله عليه وسلم): «لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» متفق عليه.
أيها المسلمون
وقول نبي الله موسى (عليه السلام): {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، يبين لنا أن الهداية والتوفيق بيد الله عز وجل، فمن شاء الله أن يهديه هداه، ومن شاء أن يضله أضله، قال الله تعالى: ( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر/23 ، وقال جل وعلا: ( مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) الْأَنْعَامِ/39 ، وقال سبحانه: ( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) الْأَعْرَافِ/178 . والمسلم يدعو في صلاته: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) الفاتحة/6 . لعلمه أن الهداية بيد الله تعالى، ومع ذلك؛ فالعبد مطالب بالأخذ بأسباب الهداية، مُطالَب بالصبر والثبات والبدء بطريق الاستقامة، فقد وهبه الله عز وجل عقلا منيرا، وإرادة حرة ، يختار بها الخير من الشر، والهدى من الضلال، فإذا بذل الأسباب الحقيقية، وحرص على أن يرزقه الله الهداية التامة جاءه التوفيق من الله تعالى. قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) الْأَنْعَام/53 .
وقول نبي الله موسى (عليه السلام): {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، يبين لنا أن من واجب المسلم أن يطلب الهداية من الله تعالى وهو يناجيه في صلاته كلها، فريضة أو نافلة، آناء الليل وأطراف النهار وما بين ذلك، فالمسلم عشرات المرات في اليوم الواحد يقول في صلاته 🙁 اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) الفاتحة/6، فهو يطلب الهداية والتوفيق من الله ،قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَالْعَبْدُ مُضْطَرٌّ دَائِمًا إلَى أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى مَقْصُودِ هَذَا الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا نَجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ وَلَا وُصُولَ إلَى السَّعَادَةِ إلَّا بِهَذِهِ الْهِدَايَةِ فَمَنْ فَاتَهُ فَهُوَ إمَّا مِنْ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَإِمَّا مِنْ الضَّالِّينَ وَهَذَا الْهُدَى لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهُدَى اللَّهِ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقول نبي الله موسى (عليه السلام): {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، يبين لنا أن حَاجَةُ الْعَبْدِ إلَى سُؤَالِ الله تعالى الْهِدَايَةِ ضَرُورِيَّةٌ فِي سَعَادَتِهِ وَنَجَاتِهِ وَفَلَاحِهِ، لهذا كان حريا بالمسلم أن يُلح في دعائه لله تعالى ويطلب منه الهداية؛ لأن طلب الهداية من الله تعالى، والاستعانة به سبحانه على تحقيقها، يسلك بالعبد طريق الرضوان والجنة، والعبد وإن كان من المهتدين إلا أنه محتاج ليل نهار إلى سؤال الهداية من ربه، وتثبيته عليها، وازدياده منها، واستمراره عليها، وهو مفتقر في كل ساعة إلى إجابة الدعاء.. والله تعالى يأمرنا أن نسأله الهداية كما في صحيح مسلم في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ) ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من سؤال ربه الهداية ، فيقول كما في صحيح مسلم: “اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى”. وأخرج الإمام مسلم في صحيحه : (قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَفْتَتِحُ صَلاَتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَتْ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ».
الدعاء