خطبة عن حديث (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)
أغسطس 5, 2017خطبة عن صرخة تائب:(وَيْلِي إِنْ لَمْ يَرْحَمْنِي رَبِّي)
أغسطس 5, 2017الخطبة الأولى مع حديث ( مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ ، وَمَنْ يُرَائِى يُرَائِى اللَّهُ بِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين : (عَنْ سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ »
إخوة الإسلام
إن أضرّ شيء على العبد، أن يعمل عملاً، أو يقول قولاً، ولا يريد به وجه الله، فيكون جميلا ظاهره، وقبيحا باطنه، فهو يسرّ غير ما يعلن، ويظهر خلاف ما يبطن، فهو المخادع المنافق، والكذاب المكار المزور، وهو يقول بفيه ما ليس في قلبه, ويرائي الناس بما يعمله لربه، وفيه يقول الله-تعالى-: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} الماعون:4-7 ، ويحذر الله عباده المؤمنين من الرياء بقوله-تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } البقرة: 264 . وفي آية أخرى يقول الله-تعالى-: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً } النساء:38. وفي هذا الحديث السابق وأمثاله يحذرنا النبي-صلى الله عليه وسلم- من الرياء والسمعة ، وأن يعمل المسلم عملاً يبتغي به الشهرة وثناء الناس عليه؛ لأنه لا يصنع الخير حباً فيه، ولا يترك الشر كراهة له، بل ربما إذا خلا بنفسه ارتكب العظائم، واقترف الجرائم، وقصر في الواجبات والمندوبات، قال تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } النساء:142-143.
أيها المسلمون
وقوله-صلى الله عليه وسلم-:”من سمّعَ سمّعَ الله به” أي من أظْهَرَ عمَلَهُ للنَّاس ريَاءً.، سمَّعَ الله به” أي : فضَحه يومَ القيامة. وقال ابن حجر: قال الخطَّابي: والمعنى أن مَنْ عمل عملاً على غير إخلاص، ويريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزِيَ على ذلك بأن يُشهِّر اللهُ به ويفضحه ويُظهر ما كان يُبطنه، وقيل: المراد: مَنْ قصد بعمله أن يسمعه الناس ويروه ليُعَظِّموه وتعلو منزلته عندهم، حصل له ما قصد، وكان ذلك جزاؤه على عمله، ولا يُثاب عليه في الآخرة، وقيل معنى سمَّع الله به : أي ملأ أسماع الناس بسوء الثناء عليه في الدنيا أو في القيامة بما ينطوي عليه من خبث السريرة ، وأما قوله-صلى الله عليه وسلم-:”وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللهُ بِهِ” : فالرياء : هو أن يفعل شيئاً ليراه الناس والرياء : ترك الإخلاص في العمل بمراعاة غير الله فيه . فكل عمل فيه رياء فهو معدود من السيئات، وإن كان صالحاً في ظاهره، وما يلبث صاحبه أن يظهر سره، ويتضح أمره، فيحيق به مكره، وفي مسند أحمد : (عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ». قَالُوا وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِىَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً ». وقال علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-:”للمرائي ثلاث علامات، يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أثني عليه، وينقص إذا ذم .وقال الفضيل بن عياض: “كانوا يراءون بما يعلمون، وصاروا اليوم يراءون بما لا يعلمون” .
أيها المسلمون
وآثار الرياء والسمعة وعواقبها سيئة ، ووخيمة وأليمة ، ومنها ما يحصل في الدنيا، ومنها ما هو في الآخرة، ويتضّح ذلك في الأمور التالية: أولاً: أنّ الرياء يحبط العمل ويبطله ويجعله مردوداً على صاحبه؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلاّ ما كان خالصاً له، وعمل المرائي لغير وجه الله فلذلك يذهب هباء منثوراً. ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ». ثانياً: أنّ الرياء يفضح صاحبه يوم القيامة ويشهر به، فالمرائي يفضحه الله عزّ وجلّ على رؤوس الخلائق يوم القيامة، ففي مسند البزار (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُومُ فِي الدُّنْيَا مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ إِلاَّ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ، ثالثاً: أنّ الرياء يجعل المرائي يبغضه أهل السماء وأهل الأرض، وذلك لأنه عمل العمل لغير وجه الله تعالى فأبغضه الله تبارك وتعالى، وجعل بغضه في الأرض والسماء، كما جاء في صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « … وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ – قَالَ – فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ قَالَ – فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ » ، رابعاً: زيادة ضلال المرائي في الدنيا بسبب ريائه، وعدم إخلاصه في العمل والقول والقصد لله سبحانه وتعالى ، خامساً: أنّ الرياء يجعل المرائي عاقبته النار؛ لأنّ جزاء المرائين يوم القيامة النار؛ قال عز وجلّ: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ *وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } الماعون(4-7) . أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية مع حديث (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ ، وَمَنْ يُرَائِى يُرَائِى اللَّهُ بِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويتعلق أيضا بهذا الحديث فوائد متعددة، ومنها : الفائدة الأولى: يجب على المسلم أن يقصد بجميع أعماله وجهَ الله تعالى والدار الآخرة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5] ، وقال تعالى : ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110] ، الفائدة الثانية: أن الرياء لون من ألوان الكذب، وهو نوعٌ من الشرك الأصغر، وإذا دخل على العمل أفسده؛ وذلك أن العمل لا يقبله الله تعالى إلا بشرطين؛ أولهما: الإخلاص لله تعالى، والثاني: موافقة شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، الفائدة الثالثة: لا ينبغي ترك الأعمال الصالحة خوفًا من الرياء؛ وذلك لأن المسلم إنما يعمل ابتغاء مرضاة الله تعالى، وكثيرٌ من الأعمال قد يكون بمرأى من الناس، فيأتي الشيطان إلى المسلم ليثبطه عن الأعمال الصالحة، فيوهمه أنه يرائي الآخرين، فإذا حصل هذا فليدفعه المسلم عنه، وليتعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا يترك العمل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومن كان له وِردٌ مشروعٌ من صلاة الضحى أو قيام ليل أو غير ذلك، فإنه يصليه حيث كان، ولا ينبغي له أن يدَع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس – إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سرًّا لله – مع اجتهاده في سلامته من الرياء ومفسدات الإخلاص…ومن نهى عن أمر مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياءٌ فنهيه مردود عليه…والأعمال المشروعة لا يُنهى عنها خوفًا من الرياء، بل يؤمر بها، وبالإخلاص فيها؛
الدعاء