خطبة عن ( نبي الله إبراهيم والبشرى باسحاق ويعقوب)
أبريل 7, 2016خطبة عن (نبي الله إبراهيم وولده اسماعيل وأمه مهاجرون إلى مكة)
أبريل 7, 2016الخطبة الأولى (نبي الله إبراهيم والأمر بذبح اسماعيل)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) (99 ): (111) الصافات
إخوة الإسلام
حديثنا عن نبي الله إبراهيم عليه السلام والأمر الإلهي بذبح ولده إسماعيل ، فقد كبر إسماعيل.. وتعلق به قلب إبراهيم.. جاءه العقب على كبر فأحبه.. وابتلى الله تعالى إبراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب. فقد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه الوحيد إسماعيل. وإبراهيم يعمل أن رؤيا الأنبياء وحي. انظر كيف يختبر الله عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار. نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض. اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن على كبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب. ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرى في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره. أي نوع من الصراع نشب في نفسه. يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط. لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفس إبراهيم.. صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية. لكن إبراهيم لم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه. فليس إبراهيم من يسأل ربه عن أوامره. فكر إبراهيم في ولده.. ماذا يقول عنه إذا أرقده على الأرض ليذبحه.. الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرا ويذبحه قهرا. هذا أفضل.. انتهى الأمر وذهب إلى ولده : (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى). انظر إلى تلطفه في إبلاغ ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. إن الأمر مقضي في نظر إبراهيم لأنه وحي من ربه.. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟ أجاب إسماعيل: هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه :(يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). تأمل رد الابن.. إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده :(إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). هو الصبر على أي حال وعلى كل حال.. وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله.. ها هو ذا إبراهيم يكتشف أن ابنه ينافسه في حب الله. لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعد استسلام ابنه الصابر. ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح. وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين.. وإذا أمر الله مطاع. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير.. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء. فيقول تعالى: ( فلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)، ما أروع التعبير القرآني عن حالتهما الإيمانية في هذا الشعور المعبر! فلَمَّا أَسْلَمَا، إنها قمة الاستسلام لله والخضوع والعبودية له وتنفيذ أمره، هذا هو الإسلام في حقيقته وروحه وغايته، هذا هو الإسلام لله في بُعده العملي وأثره الخارجي وغايته التربوية، وينبع عن إسلامهما أن تلَّ الأب ابنه للجبين ليتم الذبح، وَتلَّهُ صرعه وألقاه على الأرض، أسقطه على التراب، ماذا بقي بعد ذلك؟! لقد استسلم المؤمنان النبيان الصابران، ونفَّذا أمر الله، فها هو الابن على الأرض وجبينه نحو الأرض وهو في غاية الخضوع والعبودية والاستسلام لله، والصبر لأمره، والرضا بقضائه، وها هو الأب الصابر المستسلم لله واقف فوقه يحمل سكينه ويكاد يهوي بها على عنق ابنه، لا يصرفه عن ذلك شيء، من التردد أو الشك أو التأخر.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (نبي الله إبراهيم والأمر بذبح اسماعيل)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لم يبق إلا لحظة ويتم الذبح، وهل الذبح الفعلي مقصود لذاته، كلا إن المقصود قد تحقق، وإن إبراهيم وإسماعيل قد حققا الرؤيا وصدقاها وقد أعلنا عمليا الإسلام والاستسلام لله. وفي لحظة وقبل أن يُمر إبراهيم السكين على عنق إسماعيل ناداه الله، طالبًا منه عدم الذبح لأن المقصود قد تحقق: قال تعالى : ( نَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ )، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا كانت من قبل رؤيا نظرية في المنام تحتاج إلى تنفيذ وتطبيق وتعبير، وتعبيرها هو تحقيقها في الواقع، وهذا هو تصديقها ،وقد فعلت أنت المطلوب، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ فقد نجح في الامتحان والاختبار نجاحا باهرا، فأعطاهم الله هذه الشهادة: قال تعالى :( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ فكان الجزاء وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ )، وذلك بأن فدى الله إسماعيل بذبح عظيم بأن قدم لإبراهيم كبشًا عظيمًا كبيرًا وطلب منه أن يذبحه فداء لإسماعيل، لكن متى جاء الفداء؟ ومتى قدم الله لإبراهيم البديل؟ لقد كان ذلك بعد الاستسلام والتصديق بعد التضحية والابتلاء، بعد النجاح في الامتحان. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وإحدى دلائل عظمة هذا الذبح هو اتساع نطاق هذه العملية سنة بعد سنة بمرور الزمن، وحاليا يذبح في كل عام الملايين من الأضحيات تيمنًا بذلك الذِبح العظيم وإحياء لذلك العمل العظيم الذي قام به إبراهيم عليه السلام. قال تعالى :(وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكنَا عَلَيهِ فِي الآخِرِينَ)، وتقرر هذه الآية الفائدة والعبرة المستفادة من حادثة الذبح، فالله ترك هذه العبرة، وأبقاها موجودة مؤثرة، تؤثر في الآخرين القادمين من الأجيال اللاحقة، وعَلَيهِ أي: على إبراهيم، أي: أبقينا الثناء الحسن الجميل على إبراهيم وجعلناه قدوة للمؤمنين القادمين من الآخرين، سلام على إبراهيم، نعم إن إبراهيم عليه السلام هو رمز عظيم من رموز التضحية في تاريخ الدين وفي تاريخ البشر أجمعين، فحياة هذا النبي العظيم تضحية متصلة منذ كان يحطم الأصنام لا من أجل تحطيمها، ولكن من أجل تحريك العقول وتفهيمها؛ لأنه إن فهم العقل وتحرك الفكر تكسر الصنم لا من الخارج وإنما من الداخل وهذا الأهم والأجل ،عندئذ فقط.. وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره.. نادى الله إبراهيم.. انتهى اختباره، وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم – وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون. صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل. ولنا لقاء آخر إن شاء الله
الدعاء