خطبة عن (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ)
نوفمبر 22, 2023خطبة حول معنى قوله تعالى ( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ )
نوفمبر 25, 2023الخطبة الأولى (نداءات الرحمن لبني آدم ولأهل الإيمان)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (24) الأنفال
إخوة الإسلام
الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا، وهو الذي رزقنا، وهو الذي أوجدنا من العدم، وتفضَّل علينا بسائر النِّعَم، فينبغي لنَا، بل ويجبُ علينا أن نعبدَه حقَّ عبادتِه، ونشكرَه ولا نكفرَه، فهو سبحانه وتعالى لا يريد منا شيئًا، فهو الغنيٌّ عنَّا وعن العالمين، وبين لنا سبحانه الحكمة التي من أجلها خلقنا، فقال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56، فالشيءُ الوحيدُ الذي يريدُه الله سبحانه وتعالى منَّا هو عبادته، فنعبدَه وحده لا شريك له، ونوحِّدَه، ونُخلِصَ العبادة له وحده لا شريك له، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ»
هذا وقد تعددت نداءات الله تعالى لعباده من بني آدم وأهل الإيمان، يأمرهم فيها بما فيه صلاحهم وسعادتهم، وينهاهم عما فيه شقاؤهم، واليوم -إن شاء الله تعالى- نتناول بعض نداءات الله تعالى لبني آدم وأهل الإيمان: ففي النداء الأول: ينادي الله تعالى عباده ويدعوهم إلى إقام الصلاة: ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ لِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَكْفِكَ آخِرَهُ»، وروى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ لِلَّهِ مَلِكًا يُنَادِي عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ: يَا بَنِي آدَمَ، قُومُوا إِلَى نِيرَانِكُمُ الَّتِي أَوْقَدْتُمُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَأَطْفِئُوهَا» رواه الطبراني (حسن لغيره). ولعظم أمر الصلاة عند الله -عز وجل- فقد شرع لها الأذان، ليسمع هذا النداء كل إنسان. ومع ذلك، فإن كثيرا من الناس يتقاعسون عن الاستجابة لهذا النداء، ويأبون السجود لله تعالى، وما علموا أنه سيكون هناك نداء مشابه يوم القيامة، حيث قال تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} (42)، (43) القلم، فمن لم يسجد لله ويخضع له في الدنيا، فلن يستطيع السجود في الآخرة.
أما النداء الثاني: ففيه يدعو الله تعالى عباده لمناجاته وسؤاله ودعائه، وخاصة في آخر الليل، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ». وروى الطبراني: (عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تُفْتَحُ أبْوابُ السَّماءِ نِصْفَ اللَّيْلِ فَيُنادِي مُنادٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجابَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سائِلٍ فَيُعْطَى؟ هَلْ مِنْ مَكْرُوبٍ فَيُفَرَّجَ عَنْهُ؟ فَلَا يَبْقَى مُسْلِمٌ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ إلاَّ اسْتَجابَ الله تَعَالَى لَهُ إِلَّا زَانِيَةٌ تَسْعَى بِفَرْجِها أو عشارا”، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ»، وفي مسند أحمد: (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «يُنَادِي كُلَّ لَيْلَةٍ سَاعَةً فِيهَا مُنَادِي هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ». فإنها لفرصة عظيمة أن نستجيب لهذا النداء، فنسأل الله تعالى من فضله، ونستعيذ به سبحانه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وفي سنن الترمذي: (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»
أما النداء الثالث: ففيه دعوة العباد إلى الإنفاق في سبيل الله تعالى، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «قَالَ اللَّهُ أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ»، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا. وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»، وفي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنَبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الأَرْضِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى وَلاَ آبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنَبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الأَرْضِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً وَأَعْطِ مُمْسِكاً مَالاً تَلَفاً»، وفي صحيح مسلم: (أن أَبَا أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ وَلاَ تُلاَمُ عَلَى كَفَافٍ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى». وروى مسلم في صحيحه: (عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقْرَأُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي – قَالَ – وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ».
أما النداء الرابع: فالله تعالى ينادي فيه عباده للسعي في تفريج الكربات، واعانة المحتاج، وزيارة المرضى، والحب في الله تعالى، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ». وفي مسند أحمد: (عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ عَادَ مَرِيضاً مَشَى فِي خِرَافِ الْجَنَّةِ فَإِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ اسْتَنْقَعَ فِي الرَّحْمَةِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وُكِّلَ بِهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- «أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لاَ غَيْرَ أَنِّى أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ».
أما النداء الخامس: ففيه يدعوك الله تعالى إلى عدم الركون إلى الدنيا وشهواتها، فتنسيك الآخرة، فقد روى أبو الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ، يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَلَا آبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا مَالًا تَلَفًا ” رواه الإمام أحمد. فهل نعي قول الله تعالى لنا: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} الأنفال (67)، وقوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} التوبة (38). وقوله تعالى: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) (26) الرعد، فغفلة كثير من الناس عن الآخرة جعلتهم لا يفكرون إلا في متاع الدنيا، فألهتهم بمتاعها وزخرفها عما وجب عليهم، وجمعوا الحلال والحرام، متغافلين عن حساب عسير، وكرب ستشيب له الولدان، وعقبة كؤود لا يجوزها إلا المخفون.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (نداءات الله تعالى لبني آدم)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
أما النداء السادس: ففيه النهي عن الظلم: فقد روى الامام مسلم في صحيحه: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا)، أَيْ: لَا يَظْلِمْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فالظلمُ ظلمات يوم القيامة، والله تعالى حرَّمه عليكم. وفي الحديث أيضا: طلب الهداية من الله تعالى: (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ)، فالهداية من الله، والأصل في الإنسان أنَّه يُولَد على الفطرة، فطرةِ الدينِ والإيمانِ والتوحيد؛ ولكنْ هناكَ شهواتٌ، وهناك شبهات، وهناك طبائعُ بشريةٌ، تحيدُ بهم عن الفطرة؛ فلذلك كانت الهدايةُ من الهادي سبحانه، فـالعباد لَوْ تُرِكُوا وَمَا فِي طِبَاعِهِمْ مِنْ إِيثَارِ الشَّهَوَاتِ وَالرَّاحَةِ، وَإِهْمَالِ الفطر؛ لَضَلُّوا، فالْمُهْتَدِي هُوَ مَنْ هَدَاهُ اللهُ، وفي الصحيحين: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)، وكما رغبنا الله تبارك وتعالى في حسن الظن به، والرجاء في عفوه ورحمته ومغفرته، فقد حثنا على خشيته، ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ إِلاَّ التَّوْحِيدَ فَلَمَّا احْتُضِرَ قَالَ لأَهْلِهِ انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ أَنْ يَحْرِقُوهُ حَتَّى يَدَعُوهُ حُمَماً ثُمَّ اطْحَنُوهُ ثُمَّ اذْرُوهُ فِى يَوْمِ رِيحٍ. فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ فَإِذَا هُوَ فِى قَبْضَةِ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا ابْنَ آدَمَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ قَالَ أَىْ رَبِّ مِنْ مَخَافَتِكَ. قَالَ فَغُفِرَ لَهُ بِهَا وَلَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ إِلاَّ التَّوْحِيدَ ».
ألا فاستجيبوا لله ولرسوله إذا دعاكم لما يُحيكم، ولنداءاته إذا أمركم بطاعته، أو حذركم من معصيته، لتكونوا من الفائزين.
الدعاء