خطبة عن (تحية الإسلام (السلام): مفهومها وآدابها)
أكتوبر 7, 2017خطبة عن (ولي أمر المسلمين: من هو؟ وما وما هي حقوق الراعي والرعية؟)
أكتوبر 7, 2017الخطبة الأولى ( نسألك ربنا .. رضاك والجنة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (119) المائدة ،وقال الله تعالى :(أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (22) المجادلة ،وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ) ، وفي الصحيحين :(عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم –« إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ . يَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ . فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ . فَيَقُولُ أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ . قَالُوا يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا »
إخوة الإسلام
إن رضا الله هو غاية كل مسلم ، ومقصود كل متعبد ، وحلم كل محب ومشتاق ، ورضا الله هو مستراح العارفين، وحياة المحبين، ونعيم العابدين، وقرة عيون المشتاقين ،وكسب رضا الله تعالى يأتي من خلال عبادته بالطاعة ، وبالخضوع والتذلل له، والقيام بكل عمل صالح ابتغاء وجهه الكريم ، وطلباً لمرضاته وطاعته، والطريق إلى الجنة يمر عبر رضا الله تبارك وتعالى، ونيل عفوه ورحمته. فمن نال من الله تعالى- الرضا بعد العمل فهو من أهل الجنة، ولا ينال رضاه إلا عن طريق طاعته سبحانه وتعالى ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بالاستجابة له سمعا وطاعة كما أمر، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال: 24). ورضا الله عن العبد منزلة عظيمة تحتاج إلى إخلاص ويقين ،وقلب صادق ،وتوفيق من الله ورحمة، وأن يهيئ الله للعبد وسائل تعينه لبلوغ هذه المنزلة العظيمة، ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ . يَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ . فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ . فَيَقُولُ أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.قَالُوا يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا »
أيها المسلمون
وإليكم بعض الأعمال التي تنالون بها رضا الله ومغفرته ورحمته: أولاً: رضا الله في أن نعبده لا نشرك به شيئاً، وأن نتمسك بكتابه وسنة نبيه، ولا نحيد عنهما، ولا نرضى عنهما بدلاً؛ ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا) ، ثانياً: ورضا الله في التقرب إليه بما يحب ويرضا، فمن ذلك الصيام وذكر الله؛
ففي الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم (وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ ، وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ » ، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى » ،ومن تلك الأعمال العملية التي يتحصل بها العبد على رضا الله: الجهاد في سبيل الله؛
ففي سنن النسائي (عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ضَمِنْتُ لَهُ أَنْ أَرْجِعَهُ إِنْ أَرْجَعْتُهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ وَإِنْ قَبَضْتُهُ غَفَرْتُ لَهُ وَرَحِمْتُهُ ) ، ثالثا : ورضا الله في تعلق القلوب به ،ومحبته والشوق إلى لقائه ، ففي صحيح مسلم (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ». رابعاً: ورضا الله يُدرك أيضا بكلمة طيبة يقولها المؤمن لأخيه المؤمن؛ ففي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، …» ، وأوْلى الناس بهذه الكلمة الطيبة ، وبحسن الكلام، وطيب المعاملة ، هما من كانا سبباً في وجودنا بعد الله تبارك وتعالى وهما الوالدان؛ ففي سنن الترمذي (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ … ». حسنه الالباني
أيها المسلمون
وليكن معلوما لديكم أن محبة الله ورضاه لها علامات ومن هذه العلامات : حبُّ الناسِ الصالحين له والقبول فى الأرض: ففي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ . فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ . فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ » ، ومن علامات رضا الله عن العبد : حب سماع القرآن: فالقرآن هو الذى يرشد المسلم إلى اتباع الحق واجتناب الأفعال السيئة، فالعبد الذى يحبه الله يحب سماع تلاوة القرآن، والعمل بما جاء فيه من طاعات وعبادات والبعد عما نهى الله عن فعله. ومن علامات رضا الله عن العبد: تقبل النصح والعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاتباع هدى النبي صلى الله عليه وسلم، من علامات رضا الله عن العبد ، قال تعالى في محكم آياته: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (31) آل عمران
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( نسألك ربنا .. رضاك والجنة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن علامات رضا الله عن العبد : الصبر على البلاء: ففي سنن الترمذي ( عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ » ونزول البلاء في الدنيا خيرٌ للعبد من أن يُدَّخر الله له العقاب في الآخرة، لأن الله يبتلى العبد المؤمن حتى يرفع درجاته ويكفر سيئاته، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». ومن علامات رضا الله عن العبد : حسن الخاتمة: فعندما يوفق الله العبد قبل موته للبعد عن ما يغضبه سبحانه، وكذلك يوفقه للتوبة قبل الموت من الذنوب والمعاصي، والإسراع إلى فعل الطاعات وأعمال الخير، ثم يموت بعد ذلك على هذا الحال الطيب فهذه حسن الخاتمة، ففي مسند أحمد (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً اسْتَعْمَلَهُ ». قَالُوا وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ قَالَ « يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ » ،ورضا الله سبحانه وتعالى هو محض فضلٍ ،ومنةٍ منه سبحانه وتعالى علينا، وليس بجهدٍ منا .. فالله تعالى وحده هو الذي وفقك لفعل الطاعات ،وفعل ما يُرضيه عنك .. قال تعالى : {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17]
أيها المسلمون
وبعد أن تعرفنا على الرضا وعلامات رضا الله عن العبد ، نأتي إلى هذا السؤال : كيف تثبُت على رضا الله؟ ،أولاً: ارض عنه كما رضي هو عنك .. قال تعالى : {.. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119]
وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ». فإذا رضيــت أيها المسلم عن الله، فستنعم بالسرور بالله .. يقول ابن القيم رحمه الله ،”ثمرة الرضا: الفرح والسرور بالربِّ تبارك وتعالى” [مدارج السالكين] وإذا رضي العبد عن ربِّه بالقليل من الرزق، رضي ربُّه عنه بالقليل من العمل .. ثانيًا: الصبــر على رضــا الله عزَّ وجلَّ .. بأن تصبر على أوامره ونواهيه وأقداره المؤلمة وعليك أن تستعجل رضاه كما قال موسى عليه السلام {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84]
الدعاء