خطبة عن قوله تعالى ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ )
مارس 6, 2021خطبة عن ( الْخَاسِرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ( أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
مارس 13, 2021الخطبة الأولى ( نصرة الله ورسوله والمؤمنين: حكمها ،وصورها ،ونتائجها)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7)، وقال الله تعالى :{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:40).،وقال الله تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف:157) ،وقال الله عز وجل :{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا…} (التوبة:40)
إخوة الإسلام
من خلال تدبر هذه الآيات المباركات يتبين لنا: أنه من الواجب على كل مسلم أن ينصر الله تعالى ،وأن ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأن ينصر المؤمنين، ومن المعلوم أنه قد سُمي الأنصار أنصارا؛ لأنهم نصروا الله ورسوله، فقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم} (الأنفال:74) ، والسؤال : كيف ننصر الله تعالى ؟ ،وكيف ننصر رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ ، وكيف ننصر المؤمنين ؟ ،فنقول- وبالله التوفيق والسداد- : نصرة الله تعالى تعني: الامتثال التام لما أمر الله به سبحانه وتعالى، والاجتناب التام لما نهى عنه، وهي دعوة جرت على ألسنة الرسل قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف:14)، فعيسى (عليه السلام) دعا قومه وأتباعه لنصرة الله تعالى، هذا ويمكن أن ينصر العبد ربّه -عزّ وجلّ- بعدّة طرق، منها: توحيد الله سبحانه وتعالى، وإقامة شرعه في الأرض، والحُكم بما أنزل الله -عزّ وجلَّ- على لسان رُسُله وأنبيائه عليهم السلام، والتّحاكم إليه في جميع الأمور التي ينشأ فيها خلافٌ بين الناس، قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) النور (55) ،(56) ،ومن صور نصرة الله تعالى : إقامة أوامر الله سبحانه وتعالى، مثل: الصلاة، والزّكاة، والمحافظة على الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكَر، قال الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).[الحج :41] ،ومن صور نصرة الله تعالى : الصِّدق مع الله، والتوكّل عليه في جميع الأمور، والالتجاء إليه في جميع الظروف والأحوال، والاعتصام به، والخوف منه وحده ،ومن صور نصرة الله تعالى: تسلّح المؤمنين بالإيمان بالله -تعالى- والتوبة والرّجوع إليه ،ومن صور نصرة الله تعالى: توحيد صفوف المؤمنين، والتأليف بين قلوبهم، وتوحيد كلمتهم، وإحياء روح الجهاد في سبيل الله في نفوس المؤمنين، والبراءة من الشِّرك بالله -سبحانه وتعالى- ومن الكُفر به، وإعداد العُدّة الجسميّة، والعسكريّة، والماليّة، والفكريّة ،ومن صور نصرة الله تعالى: طلب الشهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى، وصدق النيّة في الحصول عليها، ومن صور نصرة الله تعالى :الإلحاح على الله -سبحانه وتعالى- بالدعاء؛ لتثبيت قلوب المؤمنين، ونصرهم على أعدائهم .
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصورها : فنصرة رسول الله فريضة على كل مسلم، والسؤال كيف ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن أعظم الوسائلِ لنُّصرة رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: التربية الإيمانية: فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصًا على رفع مستوى إيمان الصحابة، وذلك لأن الإيمان هو القوة الأساسية للمؤمنين، وهو أعظم الأسلحة، فالإيمان هو السلاح الأول للمؤمنين، والارتقاء بالإيمان هو إعداد ليوم التمكين، وبغير الإيمان لن يُمكَّن المسلمون، ومن صور النصرة : نشرُ سُنَّته صلى الله عليه وسلم، وطاعتُه صلى الله عليه وسلم، والحِرصُ على الاقتِداءِ به، قال الله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65]، فنصرة نبينا صلى الله عليه وسلم إنما تكون بالتزام سنته، والذب عنها ،والتوبة من كل ما يقدح فيها، والتزام طاعته صلى الله عليه وسلم والصدق في محبته، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “فكل من ادعى أنه يحب الله ولم يتبع الرسول فقد كذب، ليست محبته لله وحده، بل إن كان يحبه فهي محبة شرك، فإنما يتبع ما يهواه كدعوى اليهود والنصارى محبة الله، فإنهم لو أخلصوا له المحبة لم يحبوا إلا ما أحب، فكانوا يتبعون الرسول، فلما أحبوا ما أبغض الله مع دعواهم حبه كانت محبتهم من جنس محبة المشركين. وهكذا أهل البدع؛ فمن قال إنه من المريدين لله المحبين له، وهو لا يقصد اتباع الرسول والعمل بما أمر به وترك ما نهى عنه، فمحبته فيها شَوْب من محبة المشركين واليهود والنصارى، بحسب ما فيه من البدعة؛ فإن البدع التي ليست مشروعة، وليست مما دعا إليه الرسول لا يحبها الله، فإن الرسول دعا إلى كل ما يحبه الله، فأمر بكل معروف ونهى عن كل منكر” (الفتاوى).
ومن نُصرته صلى الله عليه وسلم : محبَّةُ آل بيته الأطهار، ومحبَّةُ أصحابِه الكرام ،وتوقيرُهم، واعتِقادُ فضلِهم، وتربيةُ الأبناء على محبَّتهم، وبيانُ خصائصِ دعوته صلى الله عليه وسلم ، ومن نُصرته صلى الله عليه وسلم : دحرُ الشُّبُهات والأباطِيل التي تُثارُ حولَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيرتِه، ومن صور نصرته صلى الله عليه وسلم : كثرة الصلاة والسلام عليه، قال تعالى: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (الأحزاب: 56). وفي مسند أحمد : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ » ، ومن صور نصرته صلى الله عليه وسلم : تعليم الناس وتبليغهم الإسلام الصحيح، وتفعيل قيم وأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في المجتمع، والارتباط بالقرآن الكريم ،فقد كان الصحابة يتلقون ما يوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن، ويعيشون ويعملون بها ، فكان ذلك سببًا في غرس الإيمان في قلوبهم، ففي سنن ابن ماجه : (عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا ». وأيضا الارتباط برسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقد كان لمعايشة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثر بارز في رفع الإيجابية عند الصحابة، وكيف لا وهم يرون نبيهم يصبر على الأذى والاضطهاد، وما تمنعه الإساءات من الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ،ومن صور النصرة : توثيق جانب الأخوة بين المسلمين ،وتوحيد القوى: فلقد كانت رابطة الأخوة بين الصحابة قوية ،جمعت بين المؤمنين على اختلاف مستوياتهم، إنها الأخوة التي لا تُبْنى إلا على عقيدة، لا فرق بين غني وفقير، ولا سيد وعبد، ولا قبيلة وأخرى، لا فرق بين عربي وأعجمي، فالكل مسلمون والكل مؤمنون ،ونتيجة لهذه الأخوة الصادقة كانت قوى المسلمين تسير نحو هدف واحد، وليس كما نرى اليوم من تنافر في الصف الواحد، ومن صور نصرته صلى الله عليه وسلم : الرد علي من أساء للنبي أو حاول النيل منه، وتعريف الناس بسنته ،وبيان سماحته وصفاته الحسنة، والدلائل الواردة في القرآن والتي تؤكد صدق نبوته ،ومن صور نصرته صلى الله عليه وسلم : محبة العلماء وتقديرهم لمكانتهم وصلتهم بميراث النبوة؛ فالعلماء هم ورثة الأنبياء، فلهم حق المحبة والإجلال، وهو من حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته.
أيها المسلمون
أما عن نصرة المؤمنين وصورها : فقد قال الله تعالى :{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 71]. وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم :«المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً» وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ. (وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» [أحمد وأبو داود].، فنصرة المؤمن لأخيه المؤمن واجبه ، وهي من الشعائر العظيمة التي جاء بها هذا الدين، قال الله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) الأنفال:72، فنحن-المسلمين- أمة واحدة ،يجب علينا أن نسعى في نصرة بعضنا البعض، وخصوصاً عندما يعتدي الكفار على المسلمين، فيجب أن نري الله من أنفسنا خيراً، وأن نقوم لإخواننا بواجب النصرة، فمن أهم صورها : النُّصرةُ للمظلومين من المسلمين في بقاع الأرض ،فالمظلومُ له حقُّ النُّصرة حتى يأخُذَ حقَّه، والأخذُ على يدِ الظالِمِ حتى يكُفَّ عن تعدِّيه؛ فكم في المُسلمين من ذوِي حاجةٍ، وأصحابِ هُموم، وصَرعَى مظالِم، وجرحَى قلوب، ولا يجدون من يقف بجانبهم ،ويدفع عنهم ظلم الظالمين ،ففي صحيح البخاري 🙁عَنْ أَنَسٍ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» .قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا ،فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ « تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ »، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التنصُّل عن نُصرة المُسلمين، ففي الصحيحين : (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ – رضي الله عنهما – أَخْبَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ،لاَ يَظْلِمُهُ ،وَلاَ يُسْلِمُهُ ،وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ ،كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ »،وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال: 73]؛ والمعنى: أن الكفارَ ينصُرُ بعضُهم بعضًا، وأنتم -أيها المسلمون- إن لم تتناصَروا تكُن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير، ونُصرةُ المظلومين تكون بمُسانَدتهم بالقول والعمل، ففي مسند احمد وغيره : (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ حَمَى مُؤْمِناً مِنْ مُنَافِقٍ يَعِيبُهُ بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَكاً يَحْمِى لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَمَنْ بَغَى مُؤْمِناً بِشَيْءٍ يُرِيدُ بِهِ شَيْنَهُ حَبَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ »، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »، وفي مسند أحمد :(عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ »،ومن النُّصرة للمؤمنين : حثُّ المُسلمين على الإنفاق؛ فيُواسِي المُسلِمُ إخوانَه بمالِه، ويبسُطُ يدَه بالبَذل والعَطاء، يُطعِمُ الجائِعَ، ويفُكُّ الأسيرَ، ويُداوِي المريضَ. وفي صحيح مسلم: (عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ ،قَالَ : فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ ،عُرَاةٌ ،مُجْتَابِي النِّمَارِ ،مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ ،عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ ،بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ . فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ:«{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً}، وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ}، تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ ،مِنْ دِرْهَمِهِ ،مِنْ ثَوْبِهِ ،مِنْ صَاعِ بُرِّهِ ،مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ ،وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ » قَالَ : فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا ،بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ،ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ ،حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( نصرة الله ورسوله والمؤمنين: حكمها ،وصورها ،ونتائجها)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور نصرة المؤمنين : السعي لقضاء حوائج المسلمين ،والوقوف معهم ،قال نبينا صلى الله عليه وسلم : «ولئن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهراً، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام»[ابن أبي الدنيا].
أيها المسلمون
ومن المعلوم أن النتائج المترتبة على نصرة الله ورسوله والمؤمنين كثيرة ،ومنها: النصر والتأييد من الله لأمة الإسلام ، والتمكين لها ،ورد كيد الكافرين عنها ،قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)، فهذا وعد من الله الذي لا يخلف وعده ،قال الله تعالى: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) (التوبة: 111)، وقال الله تعالى: (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:6)، فالوعد في هذه الآية بالنصر والتمكين للمؤمنين متحقق لا محالة. ووعد آخر بالعلو على الكافرين وهزيمتهم قال الله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء: 141)، ولكن لكل واحد من الواعدين شروطا يتوقف تحققه عليها. ولا سبيل للمسلم إلى ولاية الله إلا إذا سار على درب الأنبياء وعمل بتعاليمهم فعندئذ لن يتخلف وعد الله تعالى الذي أثبته في كتابه، قال الله تعالى :(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) (الصافات:171-172).
الدعاء