خطبة عن (أنا الرحم، وهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ)
يوليو 31, 2024خطبة عن رفع العلم ( هَذَا أَوَانٌ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ )
أغسطس 3, 2024الخطبة الأولى (نعمة السَّكِينَة) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) (4) الفتح،
إخوة الإسلام
السَّكِينَةُ: هي الطمأنينة والراحة النفسية التي ينزلها الله على قلب عبده المؤمن، عند خوفه، وعند حزنه واضطرابه، فلا يفزع، ولا ينزعج، فالسَّكِينَةُ: تطمئن وتخشع بها القلوب، وتسكن بها الجوارح، وتدمع بها العيون، وتلين بها الجلود، وبها ينطق اللسان بالحكمة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه). وفي صحيح البخاري: (عن ابْن عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلإِبِلِ فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ»، وفي الصحيحين :(أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)
أيها المسلمون
ومن خلال تدبرنا لآيات القرآن الكريم، وأقوال الرسول الكريم، يمكن القول: بأن السكينة لها مواطن وأسباب، فإذا أردت السكينة فاطلبها عندها: ومنها: تلاوة القرآن: ففي صحيح مسلم: (أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». وفي الصحيحين: (عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم – يَقْرَأُ، وَفَرَسٌ لَهُ مَرْبُوطٌ فِي الدَّارِ، فَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، وَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ «تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ»،
ومن مواطن تنزل السكينة: الجهاد في سبيل الله: ففي الصحيحين: (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ الأَحْزَابِ، يَقُولُ «اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا)، وتتنزل السكينة على أهل التواضع والانكسار لله، ففي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي أَهْلِ الإِبِلِ».
ومن مواطن السكينة: عند الإتيان إلى الصلاة، والقيام إليها: ففي الصحيحين: « إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»، وفيهما: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ»،
والحياء من أسباب الحصول على السكنة، ففي صحيح البخاري: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ». فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ إِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ وَقَارًا، وَإِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ سَكِينَةً)، ومنها: الذكر والدعاء: ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ»، وعند الطبراني: «عليكم السكينة، فإن الذي تدعونه ليس بأصم، والذي نفسي بيده لهو أقرب إليكم من رءوس دوابكم، وأقرب إليكم من حبل الوريد».
ومن مواطن السكينة: عند حمل الجنازة، ففي سنن ابن ماجه: (أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى جِنَازَةً يُسْرِعُونَ بِهَا قَالَ «لِتَكُنْ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ». وعلى المسلم أن يدعو ربه تعالى بأن ينزل عليه سكينته، فإذا ظفر المسلم بذلك، فقد فاز بعطاء عظيم، ومنحة كبيرة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (نعمة السَّكِينَةُ)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن الملاحظ اليوم أن الكثير من الناس يعيشون فاقدين للسكينة والطمأنينة، وأصبحت حياتهم في توتر والقلق، واستولت عليهم الأحزان والاكتئاب، ولذلك، فهم يطلبون السكينة بالمهدئات، أو يطلبونها في المسكرات، أو أمام الشاشات، والأغاني والمطربات، وكل ذلك غير مفيد، ونسي هؤلاء أن القرآن هو خير علاج، فإذا مَنَّ الله على العبد بتلاوة القرآن فقد فاز بالسكينة، ومن أعطاه السكينة، فقد أعطاه الخير الكثير، قال ابن القيم: (متى نزلت على العبد السَّكِينَة: استقام، وصَلحت أحواله، وصَلح بالُه، وإذا ترحَّلت عنه السَّكِينَة، ترحَّل عنه السُّرور والأمن والرَّاحة وطيب العيش، فمِنْ أعظم نعم الله على عبده: أن تتَنَزُّل السَّكِينَة عليه، ومن أعظم أسبابها: الرِّضا عن الله). فالسَّكِينَة رداء ينزل، فيثبِّت القلوب الطَّائرة الحائرة، ويهدِّئ الانفعالات الثَّائرة، ويجعل العبد قادرًا على تحمُّل المصيبة إذا نزلت، والمتَحلِّي بالسَّكِينَة يخشع في صلاته، ويرضى بما قسم الله له، فالسَّكِينَة علامة من علامات رضا الله عزَّ وجلَّ، والعبد محتاج إلى السَّكِينَة عند الوساوس وخواطر السوء؛ لئلَّا تقوى وتصير همومًا، وغمومًا، فبالسكينة يثبت قلبه، ويسكن جَأْشه، فما أحوجنا إلى السَّكِينَة، وما أنفعها وأجْدَاها وأحْسَن عاقبتها. فاللهم املأ قلوبنا بالسَّكِينَة، واجعلها ملازمة لنا في جميع أحوالنا،
الدعاء