خطبة عن (الصحابي: ( زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ)
يناير 30, 2017خطبة عن ( اسم الله : الْوَدُود )
يناير 31, 2017الخطبة الأولى ( نعمة الكلام ، وآفات اللسان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته ،وهو أصدق القائلين : (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء (114)، وقال تعالى : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (17)، (18) ق ، وروى الترمذي في ستته بسند حسن صحيح : (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ….. ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ». قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ». ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ». قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ « كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ». فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ »
إخوة الإسلام
الكلام والبيان نعمة من نعم الله على خلقه ، يعبر بها الانسان عن كل ما يريد ، وهذه النعمة يتميز بها الإنسان على سائر المخلوقات ،قال تعالى : ممتنناً على هذا الإنسان ، ( الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) 1 : 4 الرحمن ، وقال سبحانه -: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ.. ) {البلد: 8 – 9}. واللسان هو أداة الكلام ، ونعمة من نعم الله العظيمة ،ولطائف صنعه الغريبة .. فهو صغير حجمه ،وعظيم جرمه .. فاللسان هو ترجمان القلوب والأفكار .. وهو آلة البيان وطريق الخطاب .. له في الخير مجال كبير ، وله في الشر باع طويل ..
والكلمة خفيفة على اللسان، سهلة الجريان، لها مكانتها وقيمتها في نظر الشارع الحكيم، وعند العلماء والعقلاء.
والعبد يكتب عليه كل ما يتكلم به، قال تعالى (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق: 18 والمؤمن مأمور بأن يكون كلامه مستقيماً لا اعوجاج فيه ولا انحراف، قال تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) الأحزاب: 70، 71 ، والمؤمن لا يُحدِّث بكل ما سمع، ففي صحيح مسلم (عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم أن يكون ثرثاراً أو متشدقاً أو متفيهقاً، ففي سنن الترمذي وغيره (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَىَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ قَالَ « الْمُتَكَبِّرُونَ » ، ومن هنا جاء التأكيد العظيم على حفظ اللسان (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق: 18، ومن هنا أيضا جاءت تلك الوصية العظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل معاذ بن جبل … فاللسان من استعمله للحكمة والقول النافع .. وقضاء الحوائج .. وقيده بلجام الشرع .. فقد اقر بالنعمة ووضع الشيء في موضعه .. وهو بالنجاة جدير.. ومن أطلق لسانه وأهمله .. سلك به الشيطان كل طريق .. ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم … بل أن جوارح الإنسان كلها مرتبطة باللسان في الاستقامة والاعوجاج .. روى الأمام الترمذي وحسنه الألباني عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَفَعَهُ قَالَ « إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا ».
وفي البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ » ،
وفي رواية لمسلم قال صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِى بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ».
أيها المسلمون
ولعظم هذا الأمر ،فقد ضرب السلف أروع الأمثلة في حفظهم لألسنتهم : فهذا أبو بكر صديق هذه الأمة رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول : ” هذا أوردني الموارد ” .. وقال ابن بريده : رأيت ابن عباس أخذا بلسانه وهو يقول : ويحك قل خيرا تغنم أو اسكت عن سوء تسلم وألا فاعلم انك ستندم قال : فقيل له : يا ابن عباس لم تقول هذا ؟ قال : انه بلغني أن الإنسان ـ أراه قال ـ ليس علي شيء من جسده اشد حنقا أو غيظا يوم القيامة منه على لسانه إلا ما قال به خيرا أو أملى به خيرا … وكان ابن مسعود يحلف بالله الذي لا إله إلا هو : ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ..
أيها المسلمون
قال يحي بن معاذ : ” القلوب كالقدور تغلي بما فيها ،وألسنتها مغارفها ،فانظر إلى الرجل حين يتكلم ،فان لسانه يغترف لك مما في قلبه ،حلو وحامض وعذب وأجاج ،وغير ذلك ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه ” … ولقد تساهل كثير من الناس في حفظ ألسنتهم فأطلقوا لها العنان، وتساهلوا في الاحتراز من آفاته وغوائله، والحذر من مصائده وحباله، فإن لهذا اللسان آفات عظيمة انتشرت بين جميع فئات المجتمع. آفات عظيمة نشأ عليها الصغير، ودرج عليها الكبير، وتساهل بها الكثير. آفات عظيمة تَوَلَدَتَ منها الأحقاد، وثارت الضغائن، وهاجت بسببها رياح العداوة والبغضاء. آفات عظيمة تغضب الرب جل وعلا، وتخرج العبد من ديوان الصالحين، وتدخله في زمرة العصاة والفاسقين. ولهذا ،فسأتناول معكم اليوم إن شاء الله وقفات يسيرات ، مع أهم وأشد آفات اللسان خطورة :
الآفة الأولى : الشرك بالله تعالى : يقول الحافظ ابن رجب : ” فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك وهو أعظم الذنوب عند الله عز وجل ويدخل فيها القول على الله بغير علم ” فيوم يمسي الإنسان ويصبح وقد نطق لسانه بكلمة تخرجه من الدين والملة -والعياذ بالله- فيهوي بها إلى دركات الجحيم .. ويكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم الدين، ففي صحيح البخاري (وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ » نعم يكفر الإنسان حينما يقول الكلمة الواحدة فيخرج بها من الدين بالكلية، يوم يقول: (لا إله ) ، أو يقول (الحياة مادة) ، أو يقول: (إن لله ولداً). ويوم يدعو ويناجي غير الله ، أو يستغيث بغيره، أو يستجير بأحدٍ سواه، فيُكتب عليه أن حُرمت عليك الجنة ، وتبوأت النار؛
الآفة الثانية من آفات اللسان والكلام : القول على الله بغير علم : فإن القول على الله تعالى بغير علم لهو من أعظم الذنوب .. والفتيا بغير ما أنزل الله هي مغضبة لعلام الغيوب فالمفتي موقع من رب العالمين ، ومخبر عما يعتقد أنه حكم الله الحكيم ، ولذلك كان السلف يدرؤون الفتيا عن أنفسهم ما استطاعوا ،ويحاولون أن يتخلصوا منها ويسندوها إلى غيرهم … ومما يدخل في القول على الله بغير علم أيضا : التسرع بالإفتاء بغير علم ، والاعتراض على النصوص بالعقل ، وذكر الحديث دون معرفة صحته أو ضعفه، وتسفيه أراء أئمة الإسلام ، والكلام بالدين على حسب الهوى والظن . لذلك كان حريا وجديرا بالمسلم أن يحذر كل الحذر من القول على الله تعالى بغير علم .. وان يرد الأمر إلى أهله ـ وهم أهل العلم ، قال تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (43) النحل ، الآفة الثالثة : من آفات اللسان والكلام : الاستهزاء بالدين وأهله: فيوم يطلق المرء لسانه في معالم هذا الدين ، ليستهزئ به ،ولو بكلمة واحدة،
فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك في شدة الحر – وسماها الله عز وجل ساعة العسرة؛ لأنها ساعةٌ شديدةٌ امتحن الله فيها عباده المؤمنين- وخرج معه أصحابه الكرام، وخرج قومٌ لم تسلم لله قلوبهم كما أسلمت ظواهرهم. فكان من هؤلاء القوم طائفةٌ أرادوا أن يقطعوا طريق السفر لما شعروا بالسآمة والملل، فلما أرادوا أن يتحدثوا بحثوا عن الشيء الذي يتفكهون به .. بحثوا عن الشيء الذي يضحكهم ويسليهم .. فلم يجدوا إلا عباد الله الصالحين، فقال قائلهم: (ما رأينا مثل قرَّائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أجبن عند اللقاء!) ،من هم؟ إنهم القراء؛ حفاظ كتاب الله عز وجل، يقولون: ما رأينا مثل قرَّائنا هؤلاء أرغب بطوناً -أناس يحبون الدنيا- وأجبن عند اللقاء وأخوف عنده! فنزل جبريل من أطباق السماوات العلى بتلك الآيات العظيمة من الله جل وعلا يوم سمع أحبابه وأولياءه ينتقصون من هؤلاء الذين لا خير فيهم: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65-66]؛ فليس لكم عذر، فقد كفرتم وخرجتم من الدين والملة بهذه الكلمات اليسيرة، فصاروا يتعلقون بناقة النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: (يا رسول الله! كنا نتحدث حديث الركب -كنا نقطع مسافة السفر- وكانت الحجارة تضرب رجل أحدهم فتسيل بالدماء والنبي صلى الله عليه وسلم يلتفت إليه ويقول:( أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) [التوبة:65-66] ، أضاقت عليكم الدنيا فلم تجدوا شيئاً به تفرحون، أو منه تضحكون إلا عباد الله الصالحين؟ وهذه هي عاقبة كل من استهزأ بأولياء الله وعباد الله الصالحين. فإياك، ثم إياك وأولياء الله! وإياك ثم إياك والراكعين الساجدين، فإن الله يحبهم ويحب من أحبهم، ويعادي من عاداهم، فلا تنطقن بكلمةٍ تستحق بها قول الله تعالى: (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ) [التوبة:65]، الآفة الرابعة من آفات اللسان والكلام : الغيبة والنميمة : نعم ، إنها الغيبة ، إنها ذكر العيب بظهر الغيب ، إنها ذكرك أخاك بما يكره ، سواء أكان فيه ما تقول ، أم لم يكن ،هكذا بينها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي محكم التنزيل: ” وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ …” الحجرات 12 ، والغيبة تشمل كل ما يفهم منه مقصود الذم سواء ،أكان بكلام أم بغمزة أم إشارة أم كتابة وتكون في انتقاص الرجل في دينه وخلقه وخُلقه وفي حسبه ونسبه ويشتد القبح والجرم .. ويتعاظم الذنب والذم .. حينما تصدر الغيبة ممن ينتسبون إلى العلم والصلاح ويتزينون بسيما أهل الزهد والورع ،فيجمعون في غيبتهم بين تزكية أنفسهم وذم غيرهم .. وأما النميمة فهي من كبائر الذنوب ، وهي سبب في عدم دخول الجنة وعذاب النار وعذاب القبر، ففي صحيح مسلم (قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ ». وفي الصحيحين (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ « يُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرَةٍ ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ ، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ » والنمام من شرار الخلق ، ففي مسند أحمد وغيره قال صلى الله عليه وسلم (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « فَشِرَارُكُمُ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْبَاغُونَ البُرَآءَ الْعَنَتَ » ، ولقد أمر الله عز وجل نبيه بالإعراض عن الحلافين والنمامين فقال تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 10، 11] ، واعلم أخي أن من نقل إليك كلام الناس فيك أنه سينقل عنك مالم تقله.
الآفة الخامسة من آفات اللسان والكلام : الكذب : ففي خبر البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم بما حدث به مما رآه من أنواع عذاب أهل النار فكان مما قال عليه الصلاة والسلام :” قُلْتُ طَوَّفْتُمَانِى اللَّيْلَةَ ، فَأَخْبِرَانِى عَمَّا رَأَيْتُ . قَالاَ نَعَمْ ، أَمَّا الَّذِى رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) .
وفي الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا ». والمؤمن قد يكون جباناً، وقد يكون بخيلاً ، ولكن لا يكون كذّاباً بأي حال من الأحوال ولم يكن خلقاً أبغض إلى النبي مثل الكذب ، ففي موطإ الإمام مالك (حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا فَقَالَ « نَعَمْ ». فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلاً فَقَالَ « نَعَمْ ». فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا فَقَالَ « لاَ ». وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ ،وَيْلٌ لَهُ، ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ } أَخْرَجَهُ الثَّلَاثَةُ ، وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ
وأعظم أنواع الكذب : الكذب على الله تعالى : قال تعالى: ((وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ )) الزمر60 ، ومن أعظم أنواع الكذب أيضاً الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ». الآفة السادسة من آفات اللسان والكلام : الكلام بالباطل أو السكوت عن الحق : يقول ابن القيم رحمه الله : ” وفي اللسان آفتان عظيمتان أن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى :آفة الكلام وآفة السكوت وقد يكون كل منهما اعظم إثما من الأخرى في وقتها ،فالساكت عن الحق شيطان اخرس عاص الله مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه
والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص الله واكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته فهم بين هذين النوعين ..
وأهل الوسط ـ وهم أهل الصراط المستقيم ـ كفوا ألسنتهم عن الباطل وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعة في الآخرة ”
الآفة السابعة من آفات اللسان : شهادة الزور : قال سبحانه وتعالى مثنياً على صنف من عباده ” وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ” (72) الفرقان ، وقال سبحانه وتعالى ” وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ” (283) البقرة ، وفي الصحيحين : (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الْكَبَائِرِ قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ » ، وفي صحيح البخاري : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رضى الله عنهما – قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ » . قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ » . قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « الْيَمِينُ الْغَمُوسُ » . قُلْتُ وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قَالَ « الَّذِى يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( نعمة الكلام ، وآفات اللسان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
الآفة الثامنة من آفات اللسان هي: القذف : قال الله تعالى :” وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (4) النور ، وهذه آفة لا يكاد يسلم منها اليوم إلا موفق من كثرة من يقع فيها .. فإن قذف المؤمنين والمؤمنات في أعراضهم أو دينهم أو اتهامهم بما هم منه براء .. كل ذلك باب من الذنب عظيم .. وهو من الكبائر كما في الصحيحين ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ » الآفة التاسعة من آفات اللسان : الحلف بغير الله تعالى : كالحلف بالأمانة والذمة والوالد والولد والشرف والقبيلة وبحياتك ،وعند أحمد ” عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ ) ،وفي الصحيحين: ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهْوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ « أَلاَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ ، أَوْ لِيَصْمُتْ » ، الآفة العاشرة من آفات اللسان : السب والشتم والسخرية بالمؤمنين : قال الله تعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ” (11) الحجرات ، فإياك ثم إياك أن تشتم مسلما أو تغمزه أو تلمزه .. مهما كانت مكانته أو جنسيته .. فأن عقد الإسلام يحرم عليك ذلك .. الآفة الحادية عشرة من آفات اللسان : اللعن : ففي صحيح مسلم أن (أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». وفي سنن أبي داود (عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا ثُمَّ تَهِبْطُ إِلَى الأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِى لُعِنَ فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلاً وَإِلاَّ رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا » ، ومن أفات اللسان أيضا :فضول الكلام ،والكلام فيما لا يعني : فقد قال صلى الله عليه وسلم : « مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ».رواه مالك في الموطإ والترمذي ، والثرثرة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله كرهها لعباده المؤمنين، كما في الصحيحين أن : (النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا قِيلَ وَقَالَ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ » فحريٌ بالمسلم أن يترك كثرة الكلام في فضول الدنيا، وليكن منطق الإنسان منطقاً حكيماً سليماً، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى ،كما في الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)
أيها المسلمون
اللسان والبيان هذه النعمة الجليلة لا بد لها من شكر، وشكرها بتسخيرها في الذكر والشكر لخالقها ليلاً ونهاراً سراً وعلانية ، فالإنسان مسؤول عن هذه النعمة يوم القيامة قال تعالى (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (17) ،(18) ق ، الحلم زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مهذارا
ما إن ندمت على السكوت مرة ولقد ندمت على الكلام مرارا ، وكما قيل بأن البلاء موكل بالمنطق ، لذلك قال تعالى :
((لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )) النساء114 ، فإن السان خطره عظيم ، فبه يسلم الانسان في الدنيا والآخرة ،وبه يكون من الخاسرين فلذا ينبغي للمسلم أن يعي ويفهم أنه محاسب على ما يتفوه ، وفي سنن الترمذي وغيره (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ « تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ ». وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ « الْفَمُ وَالْفَرْجُ »
أيها المسلمون
وهناك أمور يحفظ بها الإنسان لسانه من الآفات : ومنها : ذكر الآخرة : فذكر الآخرة من أعظم الأسباب التي تهذب للمسلم كلامه ومنطقه، فمن أكثر من ذِكر الموت وهاذم اللذات ومفرق الجماعات، ومن أكثر من ذِكر سؤال الله جل وعلا والموقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، دعاه ذلك إلى مراقبة الله في كل كلمة يقولها. ومما يعين الإنسان على حفظ لسانه من الآفات : سؤال الله القول السديد : فمنه سبحانه وتعالى صلاح الأحوال، ومنه الكرم والفضل بطيب المقال، وتسأله أن يرزقك قولاً سديداً، ومما يعين الإنسان على حفظ لسانه من الآفات قراءة سير السلف الصالح : ففيها النماذج الكريمة التي تحيي في الأنفس الاشتغال بما يعني عما لا يعني. ومما يعين الإنسان على حفظ لسانه من الآفات :استغلال اللسان في طاعة الله: فاستغلاله في طاعة الله جل وعلا، واستشعار ما عند الله من الفضل إذا سخر الإنسان لسانه في طاعة الله، فإن الكلمة الطيبة تقربك إلى الجنة وتبعدك من النار، فقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ » فليجتهد الإنسان بذكر ما عند الله من الفضل والرحمة حتى يحفظ الله عز وجل لسانه، ويصون منطقه وبيانه.
أيها المسلمون
احفظوا ألسنتكم، لا تطلقوا لها العنان فتهلككم، قال تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]. فاعلموا أخواني، وأيقنوا تمام اليقين، أنكم محاسبون على كل كلمة تخرج من أفواهكم، فما جوابكم يوم القيامة إذا سئلتم ألم تتكلم بكذا وكذا؟ ألم تقل في أخيك كذا وكذا؟ ما جوابكم إذا سئلتم عن أذية المسلمين بألسنتكم؟ فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. فهلا تزودنا من الدنيا بالأعمال والأقوال والذكر الصالح، وهلا تخلقنا بالأخلاق والأقوال الحسنة، بعيدين عن الأخلاق والأقوال السيئة، وهلا تعقلنا واتخذنا من رسولنا – صلى الله عليه وسلم – قدوة وأسوة، وهلا رطبنا ألسِنَتِنَا بذكر الله وتلاوة كتابه، وهذبناه بالتقوى، وصناها وحفظناها من الأقوال والألفاظ السيئة، فيا لقرة عين مَن سلك بلسانه طريق الخير؛ من ذكرٍ وتلاوةٍ واستغفارٍ وتحميدٍ وتسبيحٍ وشكرٍ وتاب،
ويا لخيبة مَن سلك بلسانه طريق الشر، من كذبٍ وهتكٍ للأعراض وجرحٍ للحرمات وآذى به الناس، فطوبى لعبد قال خيراً فغنم، أو سكت عن الشر فسلم. وخير ما أختم به حديثي ، ما جاء في سنن البيهقي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ :
جَاءَ أَعْرَابِيَّانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسْأَلاَنِهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ :« مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ». وَقَالَ الآخَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَىَّ فَأَخْبِرْنِي بِأَمْرٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ : « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ ».
الدعاء