خطبة عن النوم (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)
يناير 20, 2024خطبة عن (نِعْمَ الثَّوَابُ الجنة)
يناير 22, 2024الخطبة الأولى (نعمة الهداية)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (71) الانعام، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ «.. يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ..)
إخوة الإسلام
إن من أعظم نعم الله تعالى على عباده: (نعمة الهداية)، فهي طريق السلامة والنجاة، والمؤمن يطلب الهداية ممن يملك الهداية، وهو الله تبارك وتعالى، فقد قال الله تعالى: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) البقرة (272)، وقال تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ [الضحى: 7]. وفي صحيح مسلم: «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ)، وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن زيد: (قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَخَطَبَهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ « يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي)، وفي صحيح مسلم: (عَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قُلِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ». ومن عظيم رحمة الله تعالى أن جعل طلب الهداية في سورة الفاتحة، التي نكررها سبع عشرة مرة في اليوم والليلة في الفرائض فقط. قال تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (6)، (7) الفاتحة
فنعمة الهداية من أجل النعم، إنها نعمة الهداية إلى الإسلام، ونعمة الهداية إلى الإيمان، ونعمة الهداية إلى معرفة الحنان المنان؛ ونعمة الهداية إلى الطاعة والأخلاق الكريمة والقيم النبيلة، وفي الصحيحين أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لعلي: (فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَي بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ»، فأعظم ما امتن الله به علينا: نعمة الهداية للتوحيد، قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات: 17]، ومن هداه الله تعالى في الدنيا إلى طاعته، ووفقه إلى عبادته، هداه في الآخرة إلى جنته، فمن هُدى في الدنيا إلى الصراط المستقيم، هُدى في الآخرة للسير على الصراط المنصوب على متن جهنم، وقد امتن الله تعالى على أهل الجنة بهذه النعمة، فقال سبحانه: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الأعراف: 43].
ألا فعلينا أن نشكر الله تعالى على نعمة الهداية، والشكر ليس باللسان فحسب، بل بالقول والعمل، قال تعالي: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (13) سبأ، فنشكر الله تعالى بعبادته، والمحافظة على نعمه، والدعوة إليه، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (7) إبراهيم، كما يجب علينا أن نأخذ بأسباب الهداية، فالهدية لها أسباب، فمن أخذ بها، رزقه الله الهداية، ووفقه إليها،
فمن أسباب الهداية: التوحيد: فالتوحيد من أعظم أسباب الهداية، فمن وحد الله هُدي، ومن عرف الله تعالى بأسمائه وصفاته أحبه، ومن رجاه وخافه واتقاه، وعمل على عبادته وتعظيمه وخشيته، وفقه وهداه الله، قال سبحانه: “وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ” التغابن (11)، ومن أسباب الهداية: الاعتصام بالله، ودعاؤه ورجاؤه على الدوام، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران: 101]
ومن أسباب الهداية: طاعة الله وتجنب معاصيه: ففي مسند احمد: (عَنِ النَّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِى يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتَحَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ»
ومن أسباب الهداية: الصحبة الصالحة: فتصحب رجلاً يذكرك بالله إذا نسيت، ويعينك على ذكر الله إذا ذكرته، وقد ذكر الله تعالى ما يبلغ أثرُ الصاحب في صاحبه، فقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 – 29]. وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي مُوسَى – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ،وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً»، ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بصحبة المؤمنين، ففي سنن الترمذي: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ»، فالصحبة الصالحة من أعظم أسباب الهداية.
ومن أسباب الهداية: مجاهدة النفس لتتعلم عن الله ورسوله، ومجاهدتها لتعمل بهذا العلم، ومجاهدتها على الدعوة إليه بالحق، ومجاهدتها على الصبر والأذى في سبيل الدعوة إليه، فمن جاهد نفسه وشيطانه ورفقة السوء، وصّله الله تعالى، وأخذ بيده إلى الهداية، قال تعالى :﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].
أيها المسلمون
وقد تعترض طريق الهداية بعض العوائق، فتعطل أو تمنع الوصول إليها، لذا، لزم علينا التعرف عليها، لنتجنبها، ونبتعد عنها، ومن هذه العوائق: الاحتجاج بالمشيئة: وهو دأب الكثير ممن يقعون في معصية الله، ولا يسلكون طريق الطاعة، فيقولون: إن هذه هي مشيئة الله، وإرادة الله، ولو شاء الله لهدانا، وإلى هؤلاء نقول: إن الكفار قد سبقوكم في الاحتجاج بمشيئة الله على ما هم عليه من الشرك والكفر، فقال الله عنهم: (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ) (الزخرف:20). وقال تعالى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) (148)، (149) الأنعام. فهل قبل الله منهم ذلك الاحتجاج، وعذرهم به؟!، كلا، بل حكم الله عليهم بالكذب، فقال تعالى: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، فاحذر أن تقع في ذلك الفخ الشيطاني؛ فإنه يحول بينك وبين سلوك طريق الهداية. ومن هذه العوائق: القنوط من رحمة الله: فالبعض من كثرة ذنوبه ومعاصيه يظن أن الله -عز وجل- لا يمكن أن يغفر له، وأنه مهما فعل من الطاعات، فإن ذلك لن ينفعه بشيء، ولن يمحو عنه ما وقع منه من الذنوب والمعاصي والمنكرات، ولاشك أن هذا من أبطل الباطل، بل هو سوء ظن بالله، فإن الله يقول: (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (53) الزمر، وفي سنن الترمذي: (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»، ومن العوائق في طريق الهداية: التسويف وتأخير التوبة: وهذا من أعظم العوائق التي تمنع من الهداية؛ خاصة في فئة الشباب، فكثير من الشباب يقع في المعصية بحجة أنه الآن صغير السن، وأنه لما يكبر سوف يتوب إلى الله!، فإلى هؤلاء نقول: وما أدراك أنك سوف تعيش إلى أن تتمكن من التوبة، فإن الموت يأتي بغتة، وكم ممن نعرفهم من الشباب ماتوا وهم في شبابهم. فبادر وسارع بالتوبة إلى الله -عز وجل-.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (نعمة الهداية)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن العوائق في طريق الهداية: اعتقاد أن النية الطيبة وحدها تكفي: فيعتقد البعض أنه طالما أن القلب طيب وسليم، وطالما أن الإنسان لا يؤذي أحدًا، ولا يتضرر منه أحد؛ فإن ذلك يكفي عند الله، ولا داعي للعمل فنقول: إن هذا الزعم فاسد؛ لأن الله تعالى قال لأهل الجنة: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32)، فالأعمال سبب لدخول الجنة، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) (البروج:11)، فإذا لم نعمل الصالحات؛ فبأي شيء سوف ننجو يوم القيامة. ومن العوائق في طريق الهداية: حب التحرر وعدم التقيد: فيعتقد البعض أن الهداية والالتزام بالشرع فيه كثير من التقييدات، وكبت للحريات، فإلى أمثال هؤلاء نقول: اعلم أنك إن تكن عبدًا لله خير لك من أن تكن عبدًا لشهواتك؛ فإن الجنة حفت بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، ولا شك أن هذه المحرمات التي حرمها الله علينا هي لصالحنا، ومن قيد نفسه بشرع الله في الدنيا؛ أخذ حريته يوم القيامة، ومن كان عبدًا لشهواته في الدنيا؛ فهو من أهل النار يوم القيامة. وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ». ومن العوائق في طريق الهداية: اعتقاد أن الحق مع الأغلبية والأكثرية: فكثير هم الذين يستدلون على ما هم عليه من الباطل بأن كل الناس يفعلونه، ولا شك أن هذا من الجهل العظيم والضلال المبين؛ إذ أن الأكثرية لا تدل على سلامة المنهج، أو على اتباع الحق؛ يقول الله تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (الأنعام:116)، وقال تعالى :(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف:103)، وقال تعالى: (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ) (هود:40)، فهذه سنة الله في الحياة الدنيا أن أهل الباطل هم الأكثر، وأهل الحق والإيمان هم القليل. ومن العوائق في طريق الهداية: الاعتماد والاتكال على سعة رحمة الله: فإذا ناصحت أحدًا أو نهيته عن منكر أو معصية؛ قال لك: “إن الله غفور رحيم”، فلا شك أن هذا من الجهل بالله -عز وجل-، ومِن الجهل بأسمائه وصفاته؛ لأن رحمت الله قريب من المحسنين لا مِن المسيئين والمفرطين، ولقد قرن الله تعالى بين مغفرته وأليم عقابه، فقال تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ) (الحجر:49-50)، وقال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة:98)، وقال -سبحانه-: (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأنعام:165)، فلماذا نتذكر ـ دائمًا ـ أن الله غفور رحيم، وننسى أنه شديد العقاب، وأن عذابه هو العذاب الأليم، فلا شك أن من خاف من عذاب الله وعقابه؛ كان ذلك حافزًا له على سلوك طريق الهداية.
الدعاء