خطبة عن حديث (ناسٌ صالِحُونَ قَلِيلٌ في ناسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ)
ديسمبر 4, 2022خطبة عن (هَذَا رَبِّي)
ديسمبر 6, 2022الخطبة الأولى ( نعم الله تعالى ظاهرة وباطنة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيم ) [النحل:18]، وقال الله تعالى: (وَأَسْبَغ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) [لقمان:20]، وفي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ) .
إخوة الإسلام
لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على عباده بالكثيرٍ من النّعم، والتي لا يستطيع الإنسان عدّها أو حصرها، فكلّ ما يحيط بالإنسان هو نعمةٌ من الله تبارك وتعالى ،ولا بدّ للإنسان أن يقابلها بالشكر والحمد، والعرفان الإحسان، وحمد الله وشكره يكون بالقول والعمل، قَالَ تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) النحل (114)، وفي سنن أبي داود: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَنَّامٍ الْبَيَاضِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ. فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِى فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ». وفي سنن ابن ماجه: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ. إِلاَّ كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ »، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا». وفي الصحيحين: (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ»، وعلى الانسان أن ينظر إلى من هو أدنى منه نعمة، حتى يشكر الله تعالى على نعمه ،ففي الصحيحين واللفظ لمسلم: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ». قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ « عَلَيْكُمْ ».
أيها المسلمون
ونِعَمَ اللهِ على عِباده تنقسم إلى قِسْمَين: ظاهِرَةً وباطِنَةً، قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: 20]. والمُرادُ بالنِّعَمِ الظَّاهرة: هي النعم التي تُدْرَكُ بالعَقْل، أو بالحَوَاس؛ والمُرادُ بالنِّعَمِ البَاطِنَة: هي النعم التي لا تُدْرَكُ بالحواس وإنما تدرك بالعقل والقلب، ومِنْ أمْثِلَةِ النِّعَمِ الظَّاهِرَة: نِعْمَةُ الإِيجَاد: فالله سبحانه وتعالى هو الخالِقُ لكُلِّ شيءٍ، وهو الذي أوجد الإنسان، وأمده بأسباب الحياة، قال سبحانه: ﴿ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [غافر: 62]. وبعد أن خلق الله الانسان وأوجده ،أمده بأسباب الحياة، وأنعم عليه بنعمه الظاهرة: فأَمَدَّهُ بِالحَواسِّ اللاَّزِمَةِ للتَّعامُلِ مع مَنْ حَولَه؛ كالسَّمْعِ والبَصَرِ، واللَّمْسِ، والذَّوْقِ، والشَّمِّ، وغَيرِها. وأمده بنعمة الصِّحةُ وهي الأَصْلُ في الإنسان، وأما المَرَضُ فهو طارِئٌ، وإذا حَصَلَ ذلك الطَّارِئُ مِنَ المَرَضِ ؛ فإنَّ اللهَ سبحانه هو الذي يَشْفِي عِبادَه، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80]، فَمَا مِنْ دَاءٍ إلاَّ لَهُ دَواءٌ، ومن النعم الظاهرة أيضا: نعمة الرزق، والمالِ، والجاهِ، والجَمالِ، وفِعلِ الطاعات، ونِعْمَةُ عَطْفِ الأَبَوَينِ ورَحْمَتِهِما: قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، ومن النعم الظاهرة: نعمة الزوجة الصالحة، والأبناء، والأهل، والأصدقاء، والعمل، ومن النعم الظّاهرة نعمة الأمن والرّخاء والقوّة والأكل والشّرب، ونِعْمَةُ تَسْخِيرِ أسبابِ بَقاءِ الحَياة: كَمُلائَمَةِ تضارِيسِ الأرض، والغِلافِ الجَوِّي، والمُنَاخِ، وحَرَكَةِ الكَواكِب، والمَوارِدِ المائِيَّةِ والنَّباتِيةِ، والحَيَوانِيَّةِ، وتَصْرِيفِ الرِّياحِ، وغَزَارَةِ الأمطار، قال اللهُ تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].
أيها المسلمون
ومن النِّعَمِ البَاطِنَة التي أنعم الله تعالى بها على الانسان، مما لا يُدْرَكُه الناس، ويَخْفَى عليهم؛ كالمَعْرِفة والعَقْلِ، وما يجده المسلمُ مِنَ العلمِ بالله، وحُسْنِ اليقين، وما يَدْفَعُه اللهُ عن العبدِ من الآفات، وما سَتَرَه اللهُ عليه من الأعمال السَّيئة، وما سَخَّرَ له من نِعَمِ الكونِ التي لا تُدْرَكُ بالعقل والحِسِّ، وما أعَدَّهُ اللهُ من النَّعيم للمؤمنين في الآخرة، ومن أعظم النعم الباطنة: نعمة الهداية والتوفيق والإيمان، وإرسال الرسل ،وانزال الكتب: فنعمة الهداية من النعم التي مهما حاول الإنسان أن يشكر الله -تعالى- عليها فلن يفِي بهذا الحق، فالله تعالى هدي الإنسان وأخرجه من طريق الضلال إلى طريق النور والحق، يقول الله سبحانه: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ) الحجرات (17)، وفي صحيح مسلم: (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ)، ومِنْ النِّعَمِ البَاطِنَة: نِعْمَةُ العَقْل: فاللهُ تعالى مَيَّزَ الإنسانَ بالعقل، وجَعَلَه مَناطَ التَّكْلِيف بالأحكامِ الشَّرعية التي كَرَّمَه اللهُ بها، ومِنْ النِّعَمِ البَاطِنَة: نِعْمَةُ العِلْمِ بالله، وحُسْنِ اليَقِين: فهذه جَنَّةُ اللهِ في الأرض لأوليائه وأصفيائه، وهذه النِّعْمَةُ العظيمةُ لا يَمْنَحُها اللهُ إلاَّ مَنْ أحبَّ مِنْ عِبادِه، وقد سُلِبَتْ هذه النِّعمةُ من الكفار الذين أبوا الإيمانَ، وأصَرُّوا على الكفرِ والعِناد. ومِنْ النِّعَمِ البَاطِنَة: نِعْمَةُ التَّوفيقِ للطَّاعات، واكْتِسابِ الحَسَنات: فقد وَفَّقَ اللهُ تعالى عِبادَه الصالحين لِفِعْلِ الطَّاعات التي بها زَكاةُ نُفوسِهم، وانْشِراَّحُ صُدرِوهم، ونَشاطُ جَوارِحِهم، ورَفْعُ درجاتِهم، وتَكْفِيرُ سيئاتِهم، وحَبَّبَها إليهم، وزَيَّنَها في قلوبهم، وكَرَّهَ إليهم الكُفرَ، والفُسوقَ، والعِصيان. وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولاً فِي بَقِيعِ بُطْحَانَ، وَالنَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِالْمَدِينَةِ ، فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – عِنْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ – عليه السلام – أَنَا وَأَصْحَابِي وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ فَأَعْتَمَ بِالصَّلاَةِ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ «عَلَى رِسْلِكُمْ، أَبْشِرُوا إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّى هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ». أَوْ قَالَ «مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ ». لاَ يَدْرِي أَيَّ الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ. قَالَ أَبُو مُوسَى فَرَجَعْنَا فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم ) ، ومِنْ النِّعَمِ البَاطِنَة: نِعْمَةُ دَفْعِ الشُّرورِ والآفات: فهذه الشُّرورُ والآفاتُ تُحِيطُ بالإنسان، ولكنْ لُطْفُ اللهِ أعْظَم، حيثَ جعلَ له مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ومن كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وحتى الكافر المضطر إنْ دعاه؛ نَجَّاه، وألْبَسَهُ ثوبَ العافيةِ والسَّلامة، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ * قُلْ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 63، 64]. وقال سبحانه: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11]. والمعنى: أنَّ اللهَ تعالى له ملائكةٌ كِرامٌ، أوْكَلَهم بِحِفْظِ بَنِي آدم؛ من أمامِهم، ومن خلفِهم، يَدْفَعون عنه الشُّرورَ والآفات. ومِنْ النِّعَمِ البَاطِنَة: نِعْمَةُ السَّتْر: فإنَّ اللهَ تعالى سِتِّيرٌ يُحِبُّ السَّتْرَ والصَّونَ، فيَسْتُرُ على عِبادِه الكثيرَ من الذُّنوبِ والعُيوب. وهذا السَّتْرُ يكون في الدُّنيا والآخِرَة، ولولا سِتْرُ اللهِ على عَبِيدِه في الدنيا ما أَمِنَ بعضُهم بعضًا، ولَمَا استطاعَ أحدٌ أن يُجالِسَ أحدًا؛ مِنْ سَوَادِ قبائِحِه، وكَثْرَةِ مَخازِيه. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ» رواه البخاري. ومِنْ النِّعَمِ البَاطِنَة: ما أَعَدَّهُ اللهُ للمؤمنين في الآخِرَة: فإنَّ النِّعَمَ في هذه الدُّنيا زائِلةٌ، فالسُّرورُ بها إذا أَقْبَلَتْ، مَشُوبٌ بِالحَذَرِ من فِراقِها إذا أَدْبَرَتْ، فلا تُفْرِحُ بإِقْبالِها، حتى تُحْزِنَ بإِدْبارِها. وأمَّا نَعِيمُ الآخِرَةِ فدائِمٌ لا يَنْقَطِعُ، سُرورٌ وحُبورٌ، قُصورٌ وزُهورٌ، أنهارٌ وثِمارٌ، أشْجارٌ وأَطْيارٌ، وحَياةٌ ليس بَعْدَها موتٌ، وشَبابٌ ليس بَعدَه هَرَمٌ، وصِحَّةٌ ليس فيها سَقَمٌ، وجِوارٌ لِرَبِّ العالَمِين.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( نعم الله تعالى ظاهرة وباطنة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7]. فشكر الله تعالى على النعم الظاهرة والباطنة واجبٌ على كلّ مسلمٍ؛ فمن لا يشكره -سبحانه- ناقص التوحيد، ويعني هذا أنّ الذي يكفر بنعمةٍ من نعم الله -تعالى- يكون واقعاً في نوعٍ من أنواع كفر الرّبوبية، لذلك لا بُدّ من شكر الله -تعالى- دائماً على النعم وأن ينسبها إليه وحده فهو القادر على نزعها أيضاً أو تعطيلها ابتداءً، ودليل ذلك قوله سبحانه: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) الواقعة: (63) :(65)، والله سبحانه وتعالى سيسألنا عن هذه النعم يوم نلقاه، فرَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« أَوَّلُ النَّاسِ يُقْضَى فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةَ ثَلاَثَةٌ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ أُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا فَقَالَ مَا عَمِلْتَ فِيهَا) رواه مسلم والنسائي وأحمد، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (..يَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ فَيَقُولُ بَلَى). الدعاء