خطبة عن (نداء: يَا ابْنَ آدَمَ)
نوفمبر 13, 2023خطبة عن حديث (هَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً)
نوفمبر 13, 2023الخطبة الأولى (نعم الله لا تُعد ولا تُحصى)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (34) إبراهيم، وقال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (20) لقمان
إخوة الإسلام
في قول الله تعالى: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) النَّحل:18. وقوله تعالى: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِ*نسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم:34. ففي تلكما الآيتين دعوةٌ من الله سُبحانه وتعالى للعبادِ أن يتفكّروا في نِعم الله تعالى عليهم، ويتذكروها ولا ينسوها، ويؤدوا حقّ شكر الله تعالى على هذه النِّعَم، قولاً وفعلاً وحالاً واستشعارًا ، قال سُبحانه وتعالى مُحذرًا من نسيان النِّعَم وكفرانها وإنكارها: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) البقرة:152.
والنِّعَم هي كلُّ خيرٍ ولذَّة وسعادة، وكلُّ مطلوب ومُؤثَر، والنِّعَم الحقيقيّة هي التي تكونُ في الدَّار الآخرة، وكلُّ سبب يُوصِل إلى سعادة الآخرة ويعين عليها هي النِعمة الحقيقيّة. ولو جلس الإنسان يتفكّر في نِعَم الله سُبحانه وتعالى، لأمضى الساعات الطويلة بدون إحصاء، قال الله سُبحانه وتعالى: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) لقمان:20.
ويُمكن تقسيم النَّعم إلى: نعم حاصلة للعبد من أمور الدنيا: نِعمة القوّة الجسديّة، والصحّة والعافية. نِعمة السَّمع، والبصر. نِعمة الكلام واللسان. نِعمة التذوّق والشمّ. نِعمة العقل والتفكير السليم. نعمة المال بشتى أنواعه، قال النّبي صلى الله عليه وسلم: (أربعٌ من السعادةِ: المرأةُ الصالحةُ، و المسكنُ الواسعُ، و الجارُ الصالحُ، و المركبُ الهنيءُ). رواه ابن حبّان في صحيحه. نِعمة الماء. نِعمة الدفء في الشتاء، نِعمة الطعام. نِعمة الذريّة الصالحة. نِعمة الزوجة الصّالحة، قال النَّبي صلّى الله عليه وسلّم: (ما استفَادَ مؤمنٌ من بعدِ تقوَى اللَّهِ خيرًا لهُ من زوجَةٍ صالِحةٍ إن أمرَها أطاعَتهُ وإن نظرَ إليها سرَّتهُ) رواه الزرقاني. نِعمة الجيران الصالحين، والصّحبة الصّالحة الطّيبة. نِعمة الأمن والطمأنينة، قال تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ). قريش:4. نِعمة الراحة والسعادة . والذكاء، نعمة القبول والمحبّة من الناس. وغيرها وغيرها الكثير والكثير.
أما النعم الحاصلة للعبد من أمور الآخرة: فمنها: الإسلام. تقوى الله تعالى. الخشوع والخضوع في الصَّلاة. الإعانة على الصِّيام. الحفظ والعِصمة من الذنوب والمعاصي. الإعانة على برّ الوالدين. توفّر العلم النافع الشرعي وسهولة التعلّم. إجابة الله سُبحانه وتعالى للدُّعاء في كلّ أحوال المسلم. رحمة الله سُبحانه وتعالى بالعباد، وكرمه عليهم.
وهناك نعم الله التي ينتظرها المسلم، فقد وعد الله عباده المؤمنين بالعديد من النعم جزاءً لإيمانهم وطاعتهم وصبرهم، ومن تلك النعم التي وعد الله بها عباده المؤمنين: الحياة الطيّبة، فقد وعد الله عباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالحياة الطيبة. والأمن والنجاة في الدنيا والنجاة في الآخرة من الفزع الأكبر. و الشفاعة والمغفرة،
وإذا أراد العبد أن تحفظ النعم من الزوال، فعليه بالشكر، فبالشكر تحفظ النعمة من الزوال، بل وتزداد النعم بالشكر.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( نعم الله لا تُعد ولا تُحصى)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كانت نعِمُ اللهِ سُبحانَه لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، ولا يَستطيعُ الإنسانُ أنْ يُوَفِّيَها حقَّها مِن الشُّكرِ والحمْدِ، إلا أن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم علَّمَنا كيف نشكُرُ اللهَ ونحمَدُه، مع يقينِنا بأنَّنا لا نُوَفِّيه تمامَ الشُّكرِ، ففي الحديثِ الذي يرويه ابن ماجه: (قال أبو بكْرةَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “كان إذا أتاه أمْرٌ يسُرُّه أو بُشِّرَ به”، وهذا يشمَلُ كلَّ أنواعِ الخيرِ الَّتي يُسَرُّ بها الإنسانُ، “خَرَّ ساجدًا؛ شُكرًا للهِ تبارَكَ وتعالى”، أي: أسرَعَ إلى السُّجودِ، كنوعٍ مِن أنواعِ الشُّكرِ للهِ عزَّ وجلَّ على هذا المَنِّ والفضْلِ.
فنحن نتقلب بين نعم الله الظاهرة و الباطنة، قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (20) لقمان، وأعظم نعمة امتنها الله علينا أن هدانا لتوحيده جل جلاله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ) فاطر (3)، ومن أعظم نعم الله علينا أن جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال سبحانه: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ) البقرة : 231
والنجاح في التعامل مع النعم إنما يكون بشكر الله تعالى على هذه النعم، والشكر أقسام: القسم الأول : الشكر بالقلب: ويتحقق بالاعتقاد الجازم بأن كل النعم من الله وحده لا شريك له، قال تعالى: ” وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ” النحل: 53
القسم الثاني: الشكر باللسان: وهو إظهار الشكر لله بالتحميد، و إظهار الرضا عن الله تعالى ، والتحدث بالنعم . ففي مسند أحمد: (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْمِنْبَرِ « مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ »،
والقسم الثالث: الشكر بالعمل: والشكر العملي يختلف من نعمة إلى أخرى، فمن رزقه الله الهداية دعا الناس إليها، ومن رزقه الله رجاحة العقل تعلم وعلم، واستخدمه في حل المشكلات خاصة كانت أم عامة، ومن آتاه الله مالا سخره للإنفاق في سبيل الله سرا وعلانية ، وحافظ عليه فلم يسرف فيه ولم يقتر على نفسه وعياله، ولم يضع ماله مع من يتلفه بسوء استخدام أو نحوه، ومن آتاه الله ولداً أحسن تربيته واصلاحه، فالشكر العملي أن تستخدم هذه النعم جميعا في طاعة الله لا في معصيته قال تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) سبأ (13) .
فالشكر هو السبب الأول والرئيس لحفظ النعمة من الزوال، قال الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم، 7.. وقال تعالى: (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) الاعراف (144)، وقال تعالى: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (66) الزمر
أمّا الأمور الأخرى التي تساعد العبد في زيادة النعم، فهي كثرة الاستغفار، والدعاء الكثير، فمن عرف الله وقت الرخاء، عرفه الله وقت الشدّة، فبالدعاء تزداد النعم ويزول البلاء، كيف لا والله سبحانه يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة:186.
ومن أسباب زوال النعم: عدم شكر النعمة، وتجاهلها، كما أن المعاصي تمحق النعم، فالعاصي يعصي الله بنعمته، فاليد نعمة، والبصر نعمة، والسمع نعمة، وكم من عاصي عصى الله بنعمه، فليس غريباً أن تزول النعمة بسبب المعاصي، بل إنّ كثرة التذمّر والشكوى من ضيق الحال يؤدّي إلى زوال النعم أيضاً، لكن كلّ بني آدم يذنبون ويخطئون، وعلى العبد أن يسارع إلى التوبة والاستغفار من ذنبه، فمن تاب من ذنبه كمن لا ذنب له.
فلابدّ لكلّ مسلم أن يتذكّر نعم الله عليه، وأن يشكره عليها، فإن استحضرنا نعم الله علينا، عرفنا رحمة الله بنا، وإن عرفنا رحمة ربّنا بنا، طمعنا في رضاه وحبّه، وما شكر عبدٌ ربّه إلّا زاده من فضله، فالله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، فلا نشكو ونتذمّر، بل نشكر ونصبر، فكمّ من غنيٍّ أعطاه الله نعمة المال يشكو ضيق الحال، وكم من فقير لا يجد قوت يومه، يحمد الله تعالى ليل نهار، فلابدّ من القناعة لكلّ مسلم، فالقناعة حقّاً كنزٌ لا يفنى.
الدعاء