خطبة عن (يَوْمُ الْفَصْلِ) مختصرة
يناير 4, 2024خطبة عن (أخطار الذنوب- وأسباب المغفرة)
يناير 7, 2024الخطبة الأولى ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (12) :(14) الحديد
إخوة الإسلام
في يوم القيامة تُكور الشمس، ويُخسف القمر، ويصير الناس في الظلمة، وينصب الصراط على متن جهنم، فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فيمشون على قدر إيمانهم ونورهم في ذلك الموقف العصيب، فالمؤمنون مميزون بنورهم في هذا اليوم المظلم من بين سائر الخلق، فبقدر حظ العبد من الايمان والعمل الصالح في الدنيا ،يكون قدر حظه من النور على الصراط ، فالإيمان القوي مثل المصباح ،يضيء لك طريق الخير في الدنيا والآخرة ،فاليوم عمل وغداً نور يقودك إلى منازل المقربين ،ففي الصحيحين 🙁عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – :« قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ ،وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ ،وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ،فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ )، ويقال للمؤمنين في هذا اليوم :{بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ،فما أحلى هذه البشارة بقلوبهم، وألذها لنفوسهم، حيث حصل لهم كل مطلوب محبوب، ونجوا من كل شر ومرهوب.
ومن المعلوم أن المؤمنين يوم القيامة متفاوتون في أنوارهم ،ففي المستدرك للحاكم على شرط الصحيحين ووافقه الذهبي: (عن عبد الله رضي الله عنه قال : يجمع الناس يوم القيامة قال ثم يؤمرون فيرفعون رؤوسهم فيعطون نورهم على قدر أعمالهم قال :(…فمنهم من يعطي نوره مثل الجبل بين يديه ،ومنهم من يعطي نوره فوق ذلك ،ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه ،ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه ،حتى يكون آخر ذلك من يعطي نوره على إبهام قدمه ، يضيء مرة ويطفئ مرة ،فإذا أضاء قدمه ،وإذا طفئ قام ،فيمر ويمرون على الصراط ، والصراط كحد السيف دحض مزلة ،فيقال : انجوا على قدر نوركم ،فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب ،ومنهم من يمر كالطرف ،ومنهم من يمر كالريح ،ومنهم من يمر كشد الرجل ويرمل رملا ،فيمرون على قدر أعمالهم ،حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه ،قال : يجر يدا ويعلق يدا ،ويجر رجلا ويعلق رجلا ،وتضرب جوانبه النار ،قال : فيخلصوا ،فإذا خلصوا قالوا : الحمد لله لذي نجانا منك بعد الذي أراناك ،لقد أعطانا الله ما لم يعط أحدا ..)
أيها المسلمون
وقوله تعالى 🙁يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) فالنور اسم من أسماء الله الحسنى، بل هو حجاب الرحمن، كما جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم :” فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ”. رواه ابن ماجه ، والنور خلق من خلق الله، خلقه يوم الاربعاء ،ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ،وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ،وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْر،ِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ”،
وهناك النور الرباني الذي أصيب به كل مؤمن عندما ألقاه الله على خلقه، فقد جاء في سنن الترمذي : (عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ، فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ فَلِذَلِكَ أقُولُ جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ”. ،
وهناك النور الذي نحتاجه في قبورنا، فقد روى الترمذي في سننه: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ – أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ فَيَقُولاَنِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَيَقُولاَنِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا. ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ. فَيَقُولُ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ فَيَقُولاَنِ نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِى لاَ يُوقِظُهُ إِلاَّ أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ. حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لاَ أَدْرِى. فَيَقُولاَنِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ).،
وهناك النور الذي يسعى بين أيدينا نحو جنة ربنا، قال تعالى:” يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”. (الحديد:12).،
وهناك النور الذي يصيب قلب كل مؤمن، فالقلوب أربعة كما في مسند أحمد : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ قَلْبٌ أجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ وَقَلَبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلاَفِهِ وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ وَقَلَبٌ مُصْفَحٌ فَأَمَّا الْقَلْبُ الأَجْرَدُ فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ وَأَمَّا الْقَلْبُ الأَغْلَفُ فَقَلْبُ الْكَافِرِ وَأَمَّا الْقَلْبُ المَنْكُوسُ فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ وَأَمَّا الْقَلْبُ المُصْفَحُ فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَمَثَلُ الإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ فَأَيُّ الْمَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ »،
وهناك نور لا يُحصّل بالدرهم والدينار، وإنما هو هبة الله فهو الذي يهب هذا النور لمن يشاء قال تعالى:” نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ “، وقال تعالى:” وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ”. (النور/40).
أيها المسلمون
وهناك أعمال وأسباب إذا بذلها العبد المؤمن وهبه الله هذا النور يوم القيامة ،ومنها : أولا : التمسك بدين الاسلام : قال الله تعالى :” يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره “، وقال تعالى :” يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره”.
ثانيا : ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور : محبة الله وطاعته والعبودية له سبحانه: قال تعالى:” اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”. (النور/35) . فمن أحبه الله أعطاه القبول في الارض وكذا في السماء، وذاك نور أنى يتحصل عليه، قال الله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) الزمر 22،
ثالثا : ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور : محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومتابعته، فرسول الله صلى الله عليه وسلم نور ،أرسله الله تعالى لنستضيء بهديه فقال الله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”. (الحديد:28).
رابعا : ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور : الصلاة : فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآَنِ ،أَوْ تَمْلأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ،وَالصَّلاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا) .(رواه مسلم). وفي مسند أحمد : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاَةَ يَوْماً فَقَالَ « مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُوراً وَبُرْهَاناً وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلاَ بُرْهَانٌ وَلاَ نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَىِّ بْنِ خَلَفٍ » ، وفي سنن الدارمي : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَنْ مَشَى فِي ظُلْمَةِ لَيْلٍ إِلَى صَلاَةٍ آتَاهُ اللَّهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». ، وفي سنن أبي داود وغيره : (عَنْ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِى الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».
خامسا : ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور : الحج : ففي المعجم الأوسط للطبراني وصححه الألباني: (عن عبادة بن الصامت قال ، قال رسول الله :” … وأما حلقك رأسك فإنه ليس من شعرك شعرة تقع في الأرض إلا كانت لك نورا يوم القيامة)
سادسا : ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور : الوضوء: ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَرِدُ عَلَىَّ أُمَّتِى الْحَوْضَ وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عَنْ إِبِلِهِ ». قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتَعْرِفُنَا قَالَ « نَعَمْ لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لأَحَدٍ غَيْرِكُمْ تَرِدُونَ عَلَىَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ)
سابعا : ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور : ذكر الله: قال تعالى :” أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ”. (الزمر:22). قال ابن القيم:” إن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله “الوابل الصيب.، وفي مسند أحمد : (..أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا رَجُلٌ عِنْدَ حَضْرَةِ الْمَوْتِ إِلاَّ وَجَدَ رُوحَهُ لَهَا رَوْحاً حِينَ تَخْرُجُ مِنْ جَسَدِهِ وَكَانَتْ لَهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَلَمْ أَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْهَا وَلَمْ يُخْبِرْنِي بِهَا فَذَلِكَ الَّذِى دَخَلَنِي قَالَ عُمَرُ فَأَنَا أَعْلَمُهَا. قَالَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَمَا هِيَ قَالَ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي قَالَهَا لِعَمِّهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ قَالَ طَلْحَةُ صَدَقْتَ)
ثامنا : ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور: تلاوة القرآن: قال الله تعالى : ” وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”. (الشورى:52) . ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَقَالَ هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ فَسَلَّمَ وَقَالَ أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلاَّ أُعْطِيتَهُ).،وعن عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبيه قال: قال رسول الله :” من قرأ القرآن و تعلمه و عمل به ألبس يوم القيامة تاجا من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس ويكسى والديه حلتان لا يقوم بهما الدنيا فيقولان بما كسينا فيقال بأخذ ولدكما القرآن”. رواه الحاكم وحسنه الألباني .
تاسعا : ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور: الإكثار من النوافل واكتساب الحسنات : قال ابن عباس:” إن للحسنة نوراً في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق . وإن للسيئة سواداً في الوجه و ظلمة في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق و بغضة في قلوب الخلق “.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
عاشرا : ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور: قيام الليل: فالخلوة بالرب في جوف الليل من أعظم ما يكسب العبد النور في قلبه ووجهه وسائر حياته وقد قيل للحسن :” ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً ؟ قال لأنهم خلوا بنور الرحمن في الظلمة فألبسهم نوراً من نوره “.
الحادي عشر : ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور: المكوث في المساجد: فالمساجد محل الأنوار ،فهي بيوت الله ،وفيها تقام الصلاة ،ويتلى كتاب الله ،وهي مأرز الملائكة التي خلقت من نور، نور على نور ،يهدي الله لنوره من يشاء .
الثاني عشر: ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور: تقوى الله: قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”. (الحديد/28). قال طلق بن حبيب: إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى، قالوا وما التقوى؟ قال: أن تعمل بطاعة الله ،على نور من الله ،ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله ،على نور من الله ،تخاف عقاب الله.
الثالث عشر : ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور: التوبة : فالتائب حبيب الرحمن،
كيف لا وقد كان في ظلمات المعاصي فأنار الله قلبه بالهدى ،وأحياه بعد أن كان في عداد الموتى ،قال تعالى:” أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122).
الرابع عشر: ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور: الصبر: ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ – أَوْ تَمْلأُ – مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ ..)
الخامس عشر: ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور: البعد عن الذنوب والمعاصي: ففي صحيح مسلم : ( قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ».
السادس عشر: ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور: غض البصر: قال ابن القيم عن غض البصر:(أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح) روضة المحبين
السابع عشر: ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور: عدم نتف الشيب : ففي سنن أبي داود : (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَنْتِفُوا الشَّيْبَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِي الإِسْلاَمِ ». قَالَ عَنْ سُفْيَانَ « إِلاَّ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».
الثامن عشر: ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور: الأخوة في الله ، والعدل بين الناس في الحكم والقضاء : ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيِّ حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلاَلِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ » ، وفي صحيح مسلم : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا ».
التاسع عشر: ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور: الدعوة إلى الله: ففي سنن أبي داود وغيره : (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ».قال الخطابي : معناه الدعاء له بالنضارة وهي النعيم والبهجة …
العشرون: ومن الأسباب المعينة على تحصيل هذا النور الجهاد في سبيل الله: قال تعالى:” وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) الحديد/ 19 ، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ” من رمى بسهم في سبيل الله كان له نورا يوم القيامة “. البزار وصححه الألباني
الدعاء