خطبة عن (الله هو الكريم)
يونيو 14, 2025الخطبة الأولى (نُكرَانُ الْجَمِيلِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام البخاري في صحيحه: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ». قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ،لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ».
إخوة الإسلام
من المعلوم أنه من لم يشكر الناس، لم يشكر الله، وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الإقرار بالجميل، وشكر من أسداه، بل والدعاء له حتى يعلم أنه قد كافأه، ففي مسند أحمد: (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْمِنْبَرِ «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ». وفي سنن الترمذي: (عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ أُعْطِىَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى فَقَدْ شَكَرَ وَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ كَفَرَ وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَهُ كَانَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ». وفي الحديث التالي صورة ناصعة لرد الجميل من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قام بخدمته، فقد روى الامام أحمد في مسنده: (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَقُومُ لَهُ فِي حَوَائِجِهِ نَهَارِي أَجْمَعَ حَتَّى يُصَلِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعِشَاءَ الآخِرَةَ فَأَجْلِسُ بِبَابِهِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ أَقُولُ لَعَلَّهَا أَنْ تَحْدُثَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَاجَةٌ فَمَا أَزَالُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ». حَتَّى أَمَلَّ فَأَرْجِعَ أَوْ تَغْلِبَنِي عَيْنِي فَأَرْقُدَ .قَالَ فَقَالَ لِي يَوْماً لِمَا يَرَى مِنْ خِفَّتِي لَهُ وَخِدْمَتِي إِيَّاهُ «سَلْنِي يَا رَبِيعَةُ أُعْطِكَ». قَالَ فَقُلْتُ أَنْظُرُ فِي أَمْرِى يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ أُعْلِمُكَ ذَلِكَ – قَالَ – فَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ زَائِلَةٌ وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقاً سَيَكْفِينِي وَيَأْتِينِي – قَالَ – فَقُلْتُ أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لآخِرَتِي فَإِنَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي هُوَ بِهِ – قَالَ – فَجِئْتُهُ فَقَالَ «مَا فَعَلْتَ يَا رَبِيعَةُ». فَقُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْفَعَ لِي إِلَى رَبِّكَ فَيُعْتِقَنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ فَقَالَ «مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةُ». قَالَ فَقُلْتُ لاَ وَاللَّهِ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ وَلَكِنَّكَ لَمَّا قُلْتَ سَلْنِي أُعْطِكَ وَكُنْتَ مِنَ اللَّهِ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ نَظَرْتُ فِي أَمْرِي وَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقاً سَيَأْتِينِي فَقُلْتُ أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لآخِرَتِي – قَالَ – فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- طَوِيلاً ثُمَّ قَالَ لِي «إِنِّي فَاعِلٌ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».
أيها المسلمون
أما أن يحسن الآخرون إلى أحدنا، فلا يجدون منه إلا نكرانًا للإحسان والجميل، فهذا دليل على خِسَّة النفس، وحقارتها؛ فالنفوس الكريمة لا تعرف الجحود والنكران، بل هي معترفة لذوي الفضل بفضلهم، فنكران الجميل من مساوئ الخلال، وذميم الخصال، التي حذرنا منها الإسلام، وحكمه أنه حَرامٌ، وقد عَدَّه بعضُ العُلَماءِ من كبائِرِ الذُّنوبِ؛ قال ابن حجر الهيتمي: (الكبيرةُ التَّاسِعةُ والخَمسون: كُفرانُ نِعمةِ المحسِنِ). ولهذا كان نكران الجميل سببا لدخول النار، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ». قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ»، ونكران الجميل يتنافى مع طبائع النفوس السوية، التي طُبعت على حب مَنْ أحسن إليها، والتوقف إزاء مَنْ أساء إليها؛ ولذلك، فإنه من الصعوبة بمكان أن يكون ناكر الجميل سوياً في نفسه، أو مستقيماً في سلوكه وطبائعه؛ وقد حثنا ديننا الحنيف على شكر مَنْ يقدم لنا معروفاً، حتى تسود العلاقات الطيبة في المجتمع، فأكد الإسلام بر الوالدين، وشكرهما جزاء ما قدما لنا، كما وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى الإقرار بالجميل، وتوجيه الشكر لمن أسداه إلينا، بل الدعاء له حتى يعلم أنه قد كافأه؛ ففي سنن النسائي: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنِ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ».
ونكران الجميل سبب للعقوبة بزوال النعم، قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (112) النحل، وقال الأصمعي: (سمعت أعرابيًا يقول: “أسرع الذنوب عقوبةً كفر المعروف”، وقد جاءت السنة بالدلالة على ذلك، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري 🙁 أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ. فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. قَالَ فَمَسَحَهُ، فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِىَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا. فَقَالَ أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الإِبِلُ – أَوْ قَالَ الْبَقَرُ هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ، إِنَّ الأَبْرَصَ وَالأَقْرَعَ، قَالَ أَحَدُهُمَا الإِبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ الْبَقَرُ – فَأُعْطِىَ نَاقَةً عُشَرَاءَ. فَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا. قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ. قَالَ فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلاً، وَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ يَرُدُّ اللَّهُ إِلَىَّ بَصَرِى، فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ. قَالَ فَمَسَحَهُ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ. قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ. فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ، وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ. ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي. فَقَالَ لَهُ إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ. فَقَالَ لَهُ كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقَالَ لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ. فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ. وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ، ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي. فَقَالَ قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ. فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ»، ففي هذا الحديث: أنكر كل من الأبرص والأقرع نعمة الله تعالى عليه، وجحد إحسانه، وزعم أنه من كده، وكد آبائه، وهذا من أقبح ما يكون عليه الإنسان، فسلب الله تعالى منهم النعم، وعاقبهم بالحرمان، وكما قال عن قارون: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} (78) القصص، فعاقبه الله تعالى عقوبة كبيرة فخسف به وبداره الأرض.
أيها المسلمون
ومن صور نكران الجميل في حياتنا: أن يحسن الشيخ للتلميذ، ويرشده للهداية، ويدله على طرق الخير، ويفني الأوقات الطويلة في تعليمه العلم، وتفقيهه في دين الله، ويصبر على جهله، فإذا كبر التلميذ، وأصاب حظا من العلم، جفا شيخه، وتناسى معروفه، ولم يحفظ له الجميل، ولم يقر بالفضل لأهله، وربما أساء إليه، وتطاول عليه، ومن صور نكران الجميل في حياتنا: أن تحسن الزوجة إلى الزوج، وتكون كريمة معه بمالها، وتضحي لأجله، وتقف معه حال فقره وشدته، وتقدم له الشيء الكثير، في سبيل إرضائه ومحبته، وربما كان مريضا فتصبر وتحتسب، وتسهر عليه، فإذا استغنى الزوج، وصلحت حاله، وأقبلت عليه الدنيا، رحل عنها إلى غيرها، فينسى معروفها، ويقابل الإحسان بالإساءة، وفي المقابل: قد يحسن الزوج إلى زوجته، فلا يسمع منها إلا نكران الجميل، ونسيان الإحسان. ومن صور النكران: خيانة العشرة، وجفاء الصديق، وقطيعة الأرحام، وعقوق الوالدين، والاساءة إلى الجار، ومن صور نكران الجميل: قلب الظهر لمسدي النصيحة، فطبع الحر يرعى الوفاء، ويصون العهد، ويعدد حسنات الناس، ويرد المعروف بالإحسان.
وقد يظن ناكر الجميل أن أحواله مستورة، ولكن فعله مفضوح، يشم الفاضل رائحته، ولا يفضحها لنبل أخلاق الكبار، يرى العيب فيستره، فإياك إياك أيها المسلم من نكران الجميل، واشكر صنائع المعروف، وكن من الأوفياء، فإن الكريم يحفظ ود ساعة.
أيها المسلمون
إن الكثير من المسلمين اليوم هم ممَّن اتَّصفوا بهذه الصفة – إلا مَن رحم ربي – وتأمَّل معي: فكم من أم مات زوجها، فضحَّت بنفسها ومالها؛ ليكمل ابنها الطريق، ولما فتح الله عليه، ووسَّع له في رزقه، إذا به يتنكَّر لتلك الأم المحسنة، بل ويفضل زوجته عليها، وربما وصل الأمر لحد العقوق، وكم من أب تعب في تربية ولده، وبذل ما بذل من الوقت والمال والجهد، في سبيل أن يصل ولده إلى الطريق الصحيح، وعندما يتعلَّم ويتثقَّف، ويصبح صاحب وظيفة عالية في المجتمع، يتنكَّر لوالده، وينسي الإحسان، وغير ذلك الكثير والكثير.
أما عن الآثار المترتبة على نُكْرانِ الجَميلِ: فنكران الجميل وجحود النعم صفة من صفات الكافرين: فقد ذكر الله في كتابه قصص الجاحدين، ومنها قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ. وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} (لقمان:31-32). وقال تعالى: {وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ. وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ} (هود:59-60). وأخبر الله تعالى عن فرعون وقومه عندما جاءهم نبي الله موسى عليه السلام بالآيات الواضحات البينات أنهم: {وجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (النمل:14). ونكران الجميل وجحود النعم سبب لزوال النعم: قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7).
ومن الآثار المترتبة على نكران الجميل: تقطيعُ الأواصِرِ والصِّلاتِ بَيْنَ النَّاسِ. وحُدوثُ الكراهيةِ والعداوةِ والضَّغائِنِ . ونكران الجميل سَبَبٌ لدُخولِ النَّارِ، خاصَّةً إذا كان نُكرانَ جميلِ مُحسِنٍ تجِبُ مُراعاتُه، كالزَّوجِ. كما أن نُكْران الجَميلِ سَبَبٌ للعُقوبةِ وزَوالِ النِّعَمِ . وقد يحمِلُ نكران الجميل بعضَ النَّاسِ على مَنعِ المعروفِ وبَذلِ الخيرِ. وقد يحمِلُ صاحِبَ الجميلِ على المنِّ به، فيترَتَّبُ على نُكْرانِ الجَميلِ محظورٌ آخَرُ. ونكران الجميل سَبَبٌ لغَضَبِ اللهِ تعالى، والإعراضِ من الخَلقِ. كما يؤدِّي نكران الجميل إلى نَكَدِ البالِ وسُوءِ الحالِ.
الدعاء