خطبة عن (نعلم كثيرا، ونعمل قليلا) مختصرة
مايو 17, 2022خطبة عن (وصية إبراهيم لأمة محمد) مختصرة
مايو 17, 2022الخطبة الأولى (نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا) مختصرة
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى في محكم آياته :(وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأنعام:129]
إخوة الإسلام
إن القتال الدائر بين الأمم الكافرة اليوم ليذكرنا بسنة من سنن الله في خلقه ألا وهي سنة: (تولية بعض الظالمين بعضا)، فقد أمرنا الله عز وجل في كتابه الكريم أن ننظر ونتدبر في سننه التي لا تتبدل ولا تتحول، كي نعتبر بها ،ونسير في ضوئها،
وبداية: فإن الله تعالى قد حرَّمَ الظُّلمَ على نفسِه، وحرمَّهُ على عباده ،وتوعَّد أهلَه بأنْ يُذيقَهم العذابِ في الدُّنيا والآخرةِ، وقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِـمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129]، فهذه الآيةُ الكريمةُ متضمنةٌ العقابَ الدُّنيوي للظَّالمينَ بتسليطِ بعضهم على بعض، قال الإمامُ القرطبي في تفسيره :(وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنعْ من ظلمِه سلَّطَ اللهُ عليه ظالمًا آخر. ويدخلُ في الآيةِ جميعُ مَن يظلمُ نفسَه أو يظلِمُ الرَّعيَّة، أو يظلم الناس، قالَ فضيلُ بنُ عياض : إذا رأيتَ ظالمًا ينتقمُ مِن ظالمٍ فَقِفْ، وانظرْ فيه مُتعجِّبًا.. وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِـمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129]، فلهذه السنة الربانية في الظالمين جانبان: فالجانب الأول :أن الظلمة بعضهم أولياء بعض، أي ينصر بعضهم بعضا ،ويقف بعضهم بجانب بعض ،ولو اختلفت أديانهم ومناهجهم ومذاهبهم وثقافاتهم واتجاهاتهم، فيجمعهم الظلم ولو تفرقوا، ويوحدهم قصدهم للمظلوم بالظلم ولو تباينت غاياتهم من ظلمه.
وأما الجانب الآخر من هذه السنة الربانية التي تخبر عنها الآية الكريمة :{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} الأنعام:129 فهو تسليط الظالمين بعضهم على بعض، فالظالم يسلط الله عليه ظالما مثله أو أشد ظلما منه، وكما قيل: من أعان ظالما على ظلمه سُلط عليه، فكم من ظالم تسلق على جثث ضحاياه بأعوان أعانوه على ظلمه، ثم سحقوه بعد ذلك، ولا يزال الظالمون يسحق بعضهم بعضا، فالشعوب إذا ما فشا فيها الظلم سلط الله عليها حاكما ظالما، قال بنو إسرائيل لموسى: سل ربك يبين لنا علامة رضاه وعلامة سخطه، فسأل موسى ربه فقال له رب العزة جل وعلا: يا موسى أخبرهم أن علامة رضاي أن أستعمل عليهم خيارهم وأن علامة سخطي أن أستعمل عليهم شرارهم.
ومعرفة المؤمنين لهذه السنة الربانية لن تزيدهم إلا تمسكا بإيمانهم، وذودا على حقهم، ودفعا للظلم عنهم ؛فإنهم منصورون ،ولن ينفع الظالمون تولي بعضهم بعضا، ويستفيد أهل الإيمان بمعرفة هذه السنة أيضا: البعد عن الظلم بشتى أنواعه، وعدم استقلال القليل منه؛ لئلا تجري عليه سنة الله تعالى في الظالمين. فينزل الله بهم العذاب في الدنيا قبل الآخرة ،فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما ،؛ قَالَ: أقبلَ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: « يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ » أخرجه ابن ماجه
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا)
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن المدافعات بين الظلمة والكفار أنفسهم، وقتال بعضهم لبعض لها حكمة إلهية :فبها يشغل الله الكفار بعضهم ببعض، ويحصل من وراء ذلك نجاة للمسلمين من ظلمهم، وفيها قوة لأهل الإسلام. فقد يُضعف الله بعض الكفار بضرب بعضهم ببعض، فيكونون جميعاً غنيمة للمسلمين، ففي تفسير قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام: 129] قال ابن كثير: ” لولا أنه يدفع عن قوم بقوم، ويكشف شر أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره من الأسباب ؛ لفسدت الأرض وأهلك القوي الضعيف” ،فلو ترك الله القوي من البشر يأكل الضعيف ،ولم يكن للضعيف عودة، لاستمر الأقوى، وهلك الأضعف إلى الأبد. ولكن الله تعالى يولي الظالمين بعضهم بعضا بما كانوا يكسبون ويظلمون ويعتدون ،وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تقاتل الفرس والروم وكلاهما من الكافرين المفسدين ،فرح المسلمون بذلك ، لأن القتال بينهما فيه إضعاف للفئتين، ويكون ذلك من صالح المسلمين ،وبالفعل، لم تمض إلا سنوات قلائل حتى قاتل المسلمون الفرس والروم وانتصروا عليهم وذلك بتوفيق الله وبسبب ضعف قوتهم بسبب قتال بعضهم لبعض ،وقد سجل القرآن الكريم ذلك فقال تعالى: ( الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) (1) : (5) الروم ،وفي صحيح البخاري ومسند أحمد واللفظ له مختصرا 🙁عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ لأَنَّهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ لأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَذَكَرُوهُ لأَبِى بَكْرٍ فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَمَا إِنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ »…. ثُمَّ ظَهَرَتِ الرُّومُ بَعْدُ قَالَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) إِلَى قَوْلِهِ (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) قَالَ يَفْرَحُونَ (بِنَصْرِ اللَّهِ)
الدعاء