خطبة عن (حقيقة الموت)
مايو 22, 2022خطبة عن النبي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ وحديث (فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ)
مايو 28, 2022الخطبة الأولى ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) الاسراء (9) ،(10)
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) الاسراء (9)، يقول الامام الطبري : إن هذا القرآن الذي أنـزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرشد ويسدّد من اهتدى به (لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أي: للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السبل ، وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه وهو الإسلام، فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به إلى قصد السبيل التي ضل عنها سائر أهل الملل المكذبين به. ويبشر أيضا مع هدايته من اهتدى به للسبيل الأقصد الذين يؤمنون بالله ورسوله، ويعملون في دنياهم بما أمرهم الله به، وينتهون عما نهاهم عنه بأن (لَهُمْ أجْرًا) من الله على إيمانهم وعملهم الصالحات ( كَبِيرًا ) يعني ثوابا عظيما، وجزاء جزيلا وذلك هو الجنة التي أعدّها الله تعالى لمن رضي عمله. وجاء في تفسير بن كثير : يمدح تعالى كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم وهو القرآن، بأنه يهدي لأقوم الطرق وأوضح السبل، ويبشر المؤمنين به الذين يعملون الصالحات على مقتضاه أن لهم أجراً كبيراً أي يوم القيامة . وقال صاحب الظلال ما ملخصه : إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور ، بالعقيدة الواضحة التي لا تعقيد فيها ولا غموض ، والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة ، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء ، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية ، ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق . ويهدى للتي هي أقوم ، في التنسيق بين ظاهر الإِنسان وباطنه ، وبين مشاعره وسلوكه وبين عقيدته وعمله . ويهدى للتي هي أقوم في عالم العبادة ، بالموازنة بين التكاليف والطاقة ، فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل ، ولا تسهل حتى تشيع في النفس الرخاوة والاستهتار ، ولا تتجاوز القصد والاعتدال وحدود الاحتمال . ويهدى للتي هي أقوم ، في علاقات الناس بعضهم ببعض : أفرادا وأزواجا وحكومات وشعوبا ، ودولا وأجناسا . ويهدى للتي هي أقوم في نظام الحكم ، ونظام المال ، ونظام الاجتماع ، ونظام التعامل . ويقول العلامة الشنقيطي – رحمه الله – في تفسيره لهذه الآية الكريمة : أن هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم الكتب السماوية، وأجمعها لجميع العلوم، وآخرها عهدا برب العالمين جل وعلا ـ يهدي للتي هي أقوم. أي الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب،… وهذه الآية الكريمة أجمل الله جل وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق، وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم؛ لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة، ومن أنواع هذه الهدايات التي دل هدى القرآن للطريق الأقوم فيها : ” أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم في ضبط التوازن بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله.. ويهدي للتي هي أقوم في عالم العبادة بالموازنة بين التكاليف والطاقة، فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل وتيأس من الوفاء، ولا تسهل وتترخص حتى تشيع في النفس الرخاوة والاستهتار، ولا تتجاوز القصد والاعتدال وحدود الاحتمال. وأن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض: أفراداً وأزواجاً، وحكومات وشعوباً، ودولاً وأجناساً، ويقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي والهوى؛ ولا تميل مع المودة والشنآن؛ ولا تصرفها المصالح والأغراض.. ويهدي للتي هي أقوم في تبني الديانات السماوية جميعها والربط بينها كلها، وتعظيم مقدساتها وصيانة حرماتها، فإذا البشرية كلها بجميع عقائدها السماوية في سلام ووئام..” فالقرآن هدايته تتجاوز حدود الزمان والمكان.. وتتجاوز كل الأنظمة والقوانين التي كانت قائمة أو التي ستقوم بعد ذلك! إنها قاعدة تقطع الطريق على جميع المنهزمين والمتخاذلين من أهل الإسلام أو المنتسبين له، أو من الزنادقة، الذين يظنون ـ لجهلهم ـ أن هذا القرآن إنما هو كتاب رقائق ومواعظ، ويعالج قضايا محدودة من الأحكام! أما القضايا الكبرى، كقضايا السياسة، والعلاقات الدولية، ونحوها، فإن القرآن ليس فيه ما يشفي في علاج هذه القضايا ، وهذا الكلام فضلاً عن كونه خطيراً وقد يؤدي إلى الكفر، فإنه سوء أدب مع الله، ذلك أن ربنا ـ وهو العليم الخبير ـ يعلم حين أنزل القرآن أن العباد سيقبلون على متغيرات كثيرة، وانفتاح، وعلاقات، ومستجدات، فلم يتركهم هملاً، بل حفظ لهم هذا القرآن ليرجعوا إلى هداياته، وحفظ لهم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم لتكون شارحةً لما أجمل من قواعد القرآن، بل وجعل في السنة أحكاماً مستقلة، فمن أراد الهداية وجدها فيهما، ومن كان في عينيه عشى، أو في قلبه عمى، فليتهم نفسه، ولا يرمين نصوص الوحي بالنقص والقصور
أيها المسلمون
فهذا القرآن اعظم الكتب السماوية واجمعها لجميع العلوم، فهو يهدي لاكمل واحسن وأعلى واعدل واصوب الطرق لهذه البشرية، فهي هداية مطلقة تشمل جميع الاقوام والاجيال بلا حدود ولا زمان، فهو القرآن يهدي للتي هي اقوم في العبادات فلا غلو ولا تفريط، ولا تشدد ولا تساهل. وهذه الآية جمعت طرق الخير في الدنيا والآخرة ولو تتبعنا تفصيلها كان كل ما في القرآن والسنة فيها. وقد ذكر الشيخ الشنقيطي صاحب اضواء البيان رحمه الله تعالى: انه أي القرآن الكريم يهدي للتي هي اقوم في : 1- التوحيد وهو تحقيق معنى (لا إله إلا الله). 2- ومن هديه للتي هي أقوم جعل الطلاق بيد الرجل. 3- ومن هديه للتي هي اقوم تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث. 4- ومن هديه للتي هي أقوم القصاص قال تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) – البقرة: 179- حيث تحقن بذلك الدماء، وتنقمع به الاشقياء، لان من عرف انه مقتول اذا قتل، لا يكاد يصدر منه القتل، ولا شك ان هذا من اعدل الطرق واقومها. 5- ومن هديه للتي هي اقوم قطع يد السارق ورجم الزاني المحصن.. الخ 6- ومن هديه للتي هي اقوم ان التقدم لا ينافي التمسك بالدين فما قاله اعداء الدين لضعاف العقول ممن ينتمي الى الاسلام من ان التقدم لا يمكن الا بالانسلاخ من دين الاسلام فهذا باطل لا اساس له والقرآن الكريم يدعو الى التقدم في جميع الميادين التي لها اهمية في الدنيا والدين ولكن ذلك التقدم في حدود الدين والتحلي بآدابه الكريمة وتعاليمه السماوية. 7- ومن هديه للتي هي اقوم هديه الى ان الرابطة بين افراد المجتمع هي رابطة الدين الاسلامي بحيث يكون المجتمع المسلم كأنه جسد واحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما وصفه المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، ولذلك يكثر في القرآن العظيم اطلاق النفس وارادة الأخ تنبيها على ان رابطة الاسلام تجعل اخ المسلم كنفسه. 8- ومن هديه للتي هي اقوم درأ المفاسد وجلب المصالح والجري على مكارم الاخلاق ومحاسن العادات. 9- ومن هديه للتي هي اقوم حل المشاكل العالمية، كضعف المسلمين وتفرقهم، ما الحل لذلك؟! وغير ذلك كثير وكله موجود في القرآن الكريم قال تعالى : (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (38) الانعام . فهذا كتاب ربنا، يخبرنا فيه أنه يهدي للتي هي أقوم، فأين الباحثون عن هداياته؟ وأين الواردون حياضه؟ وأين الناهلون من معينه؟ وأين المهتدون بتوجيهاته؟.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد التربوية والعلمية في قوله تعالى : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ) الاسراء (9)، ففي هذه الآيةِ يُخبِرُ تعالى عن شَرَفِ القُرآنِ وجَلالتِه، وأنَّه يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ أي: أعدَلُ وأعلى، مِن العقائِدِ والأعْمالِ والأخلاقِ، فمَن اهتدى بما يدعو إليه القُرآنُ كان أكمَلَ النَّاسِ وأقوَمَهم وأهداهم في جميعِ أمورِه ، وأنَّ القُرآنَ مُشتَمِلٌ على البِشارةِ والنِّذارةِ، وفيها ذِكرُ الأسبابِ التي تُنالُ بها البِشارةُ، وهي الإيمانُ والعَمَلُ الصَّالحُ، والتي تُستَحَقُّ بها النِّذارةُ، وهي ضِدُّ ذلك ، وفي الآية إيماءٌ إلى ضمانِ سلامةِ أُمةِ القرآنِ مِن الحيدةِ عن الطريقِ الأقومِ؛ لأنَّ القرآنَ جاء بأسلوبٍ مِن الإرشادِ قويمٍ، لا يحولُ دونَه ودونَ الولوجِ إلى العقولِ حائلٌ، ولا يغادرُ مسلكًا إلى ناحيةٍ من نواحي الأخلاقِ والطبائع إلا سلكه إليها تحريضًا أو تحذيرًا، بحيث لا يعدمُ المتدبرُ في معانيه اجتناءَ ثمارِ أفنانِه، وبتلك الأساليبِ التي لم تبلُغْها الكتبُ السابقةُ كانت الطريقةُ التي يهدي إلى سلوكِها أقومَ مِن الطرائقِ الأُخرَى، وإن كانت الغايةُ المقصودُ الوصول إليها واحدةً ، فما يَهدِي إليه القُرآنُ أقومُ مِمَّا يهدي إليه الكِتابُ الذي قَبلَه، وإن كان ذلك يَهدِي إلى الصِّراطِ المُستقيمِ، لكِنَّ القُرآنَ يَهدي للتي هي أقوَمُ؛ ولهذا ذُكِرَ هذا بعدَ قَولِه تعالى: (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) ، ثمَّ قال: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)
الدعاء