خطبة عن قوله تعالى (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ)
يونيو 8, 2019خطبة عن (تُعرف الإخوانُ عند الشدائد)
يونيو 12, 2019الخطبة الأولى 🙁 هل أنت من أَبْنَاء الدُّنْيَا أم من أَبْنَاء الآخِرَةِ؟)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (قَالَ عَلِىٌّ (رضي الله عنه ) ، ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً ، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلَ)
إخوة الإسلام
إن حال الناس في الحياة الدنيا على فريقين، ومصيرهم في الدار الآخرة على طائفتين، فأما الذين يريدون العاجلة ،وهي الدنيا ،فإن الله تعالى يعطيهم فيها ما يشاءون ، ثم مصيرهم في الآخرة إلى جهنم ذليلين، خائبين؛ لأنهم لا يرجون ثواب الله تعالى، ولم يخافوا عقابه، بل أرادوا الدنيا ،وسعوا لها سعيها ، وتركوا الآخرة ، فلم يعملوا لها، فإذا أفضوا إلى الآخرة ، لم يكن لهم عند الله من رحمته نصيب، قال الله تعالى : ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ، وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا ، نُؤتِهِ مِنْهَا ،وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيب ﴾الشورى: 20 ،وقال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16]. وروى الإمام الترمذي في سننه من حديث أنس بن مالك رضي اللهُ عنه أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال : “مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ” ، وأما الذين يريدون الآخرة، ويسعون لها سعيها، وذلك بالأعمال الصالحة ، وهم مع ذلك مؤمنون بالآخرة، فهؤلاء يشكر الله سعيهم، فيعطيهم ما سألوا، ويُؤَمِّنُهُم مما خافوا، ويدخلهم الجنة برحمته وفضله، فالآخرة أكبر درجات، وأكبر تفضيلاً ، قال الله تعالى : ﴿ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا ﴾ [الإسراء: 21]. وقال الله تعالى:﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ﴾ [طه: 75]. فهذا الفريق من المؤمنين العاملين ، هو لم يسع من أجل رغباته ، بل من أجل رضا مولاه ، ومثل هؤلاء لا يتصورون أن هناك شيئا أغلى من طلب الآخرة، فهم يعيشون من أجلها، ويموتون من أجلها· وقد ذكر الله تعالى أوصافهم في مواضع متعددة في القرآن الكريم ، فقال الله تعالى : (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور (37) ،(38) ، فهؤلاء هم أهل الكرامة على الله يوم القيامة، لأنهم لم يغترّوا بالدنيا وزخرفها، فلم يحبط الله عز وجل سعيهم ، بل كان عملهم وسعيهم مشكورا ، كما قال الله تعالى : (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (19) الاسراء
فمن شروط العمل والسعي المشكور : 1 ـ أن يكون مريدا: كما في قوله تعالى (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ )، ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ ) ، والإرادة تتمثل في القصد والإخلاص، وذلك بأن يقصد بعمله الآخرة ،مخلصا دينه وعمله لله؛ قال صلى الله عليه وسلم :« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) البخاري ومسلم ، 2 ـ أن يكون ساعيا: (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا) وسعيها : يشمل كل الأعمال الصالحة ، 3ـ أن يكون مؤمنا: (وَهُوَ مُؤْمِنٌ)؛ فالإيمان هو أساس قبول الأعمال، فمن توفرت فيه هذه الشروط ، كان عمله متقبلا ، والله يضاعف لمن يشاء : (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ) ومن أراد الحسنى فعند الله الحسنى وزيارة والله عنده أجر عظيم ، قال الله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (26) يونس
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية: (هل أنت من أَبْنَاء الدُّنْيَا أم من أَبْنَاء الآخِرَةِ؟)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فليسأل كل منكم نفسه : هل أنت من أبناء الدنيا؟ ، أم أنت من أبناء الآخرة؟ هل أنت في تعاملك مع الناس تبتغي الدنيا؟ ، أم تبتغي الآخرة؟ ، هل أنت من المسارعين في فعل الخيرات؟ ، أم أنت من المسارعين في فعل المنكرات؟ وإليك هذه القصة التي جاءت في أخبار السابقين ، لنستخلص منها الدروس ونستلهم منها العبر : فقد جاء رجل إلى سيدنا عيسى – عليه السلام – وقال له : أريد أن أكون معك وأصحبك، فوافق سيدنا عيسى – عليه السلام – على ذلك، فانطلقا حتى وصلا إلى نهر، فجلسا يتغديان ومعهما ثلاثة أرغفة، فأكلا رغيفين وبقي رغيف ثالث، فقام عيسى – عليه السلام – إلى النهر فشرب ثم رجع، فلم يجد الرغيف، فقال للرجل: مَن أخذ الرغيف؟ فقال: لا أدري، فانطلق ومعه صاحبه، فرأى ظبية ومعها صغيران لها، فدعا أحدهما ،فأتاه ،فذبحه وأكل منه هو وذاك الرجل، ثم قال للغزال: قُمْ بإذن الله، فقام فذهب، فقال للرجل: أسالك بالذي أراك هذه الآية، مَن أخذ الرغيف؟ فقال: لا أدري، ثم انتهيا إلى وادي ماء، فأخذ عيسى – عليه السلام – بيد الرجل فمَشَيَا على الماء، فلمَّا جاوَزَا قال له: أسألك بالذي أراك هذه الآية، مَن أخذ الرغيف؟ فقال: لا أدري، فانتهيا إلى مفازة فجَلَسَا، فأخذ عيسى – عليه السلام – يجمع ترابًا وكثيبًا، ثم قال له: كن ذهبًا بإذن الله – تعالى – فصار ذهبًا، فقسَّمه ثلاثة أثلاث ثم قال: ثلث لي، وثلث لك، وثلث لِمَن أخذ الرغيف الثالث ، فقال: أنا الذي أخذتُ الرغيف، فقال عيسى : كله لك وفارقه عليه السلام فانتهى إليه رجلان في الصحراء ومعه المال، فأرَادَا أن يأخذاه منه ويقتلاه، فقال: هو بيننا أثلاثًا فابعثوا أحدكم إلى القرية حتى يشتري لنا طعامًا نأكله، قال: فبعثوا أحدهم فقال الذي بُعِث: لأي شيء أُقَاسم هؤلاء هذا المال؟ لكني أضع في هذا الطعام سمًّا فأقتلهما وآخذ المال وحدي، قال: ففعل، وقال ذانك الرجلان : لأي شيء نجعل لهذا ثلث المال، ولكن إذا رجع قتلناه واقتسمنا المال بيننا، قال: فلما رجع إليهما قتلاه وأكلا الطعام فماتا؛ فبقي ذلك المال في الصحراء لا يملكه أحد ، وأولئك الثلاثة عنده قتلى، فمرَّ بهم عيسى – عليه السلام – على ذلك الحال فقال لأصحابه: هذه الدنيا فاحذروها. هكذا تفعل الدنيا بأهلها ، تقتلهم جميعا ولا يأخذوا منها شيئا ، ألا فاحذرا الدينا ولا تكونوا من أهلها ، وكونوا من أهل الآخرة ، واطلبوها بطاعة ربكم جل وعلا ،
الدعاء