خطبة عن (أمنيتي: تحكيم شرع الله والنظر إلى وجه الله الكريم)
أكتوبر 16, 2019خطبة عن معية الله وهدايته للعبد ،وقوله تعالى (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)
أكتوبر 19, 2019الخطبة الأولى ( هل الاسلام هو سبب تخلف المسلمين اليوم ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ..) (3) المائدة ، وقال الله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (7) :(9) الصف
إخوة الإسلام
يدعي البعض من الناس أن سبب تخلف المسلمين اليوم هو تمسكهم بدينهم، ودليلهم في ذلك ، أن الغرب لما تخلوا عن جميع الديانات ،وتحرروا منها، وصلوا إلى ما وصلوا إليه من التقدم الحضاري ، وهذا الكلام لا يصدر إلا من ضعيف الإيمان، أو مفقود الإيمان، أو جاهل بالتاريخ، غير عالم بأسباب النصر، فالأمة الإسلامية لما كانت متمسكة بدينها في صدر الإسلام ، كان لها العزة والتمكين، والقوة، والسيطرة في جميع نواحي الحياة، فليس الإسلام هو سبب تخلف المسلمين قطعاً، بل المسلمون هم سبب تأخرنا، إذ ليس الإسلام هو المسؤول عن تخلف المسلمين وضعفهم ،ولاعن فقرهم وإسرافهم، وإنما هم المسئولون عن ذلك ، فالأمة الإسلامية صاحبة رسالة، وحاملة دعوة، ووريثة وحي ، يجب أن تبلغه بالعلم، وأن تظهر بالعمل، فلما نسيت ذلك، أو تناسته، وضعف أخذها به، ووفاؤها له على اختلاف الليل والنهار، حل بها التخلف ، وسبقتها الأمم ، يقول الأستاذ محمد قطب: لقد كانت الأمة الإسلامية – يوم كانت حقاً – أمة عالمة، بل كانت هي الأمة العالمة في الأرض، ومنها تعلمت أوربا كثيراً من العلوم، لقد تعلمت هذه الأمة الاسلامية المنهج التجريبي في البحث العلمي ، ولكنها كانت دائماً تؤمن بالغيب.. هذه مزيتها: الإيمان بعالم بالغيب وعالم الشهادة في آن واحد، بلا تناقض ولا صِدام ، وأقام المسلمون الأوائل منذ نزول القران الكريم إلى أن سقطت الخلافة الإسلامية حضارة عظيمة ، فاقت كل الحضارات، والإمبراطوريات، كالإمبراطورية الفرسية والرومانية ، وكانت الانطلاقة الأولى للإسلام هي العلم ، وكان ذلك في غار حراء ، حينما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة: ﴿ اقْرَأْ ﴾ ثم أكد وأضاف : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ العلق (1) :(5) ، فبين سبحانه أن أصل الخلقة هو العلق ،وقد فصلت هذه المعجزة القرآنية في بداية الكتاب، وقال تعالى مخاطباً رسوله الكريم ص أن يدعو بهذا الدعاء : ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ طه 114، وبين القرآن منزلة طالب العلم عند الله تعالى بقوله تعالى : ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ المجادلة (11) ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى العلم والتعلم واعتبر طلبه فرضاً على كل مسلم ومسلمة بقوله صلى الله عليه وسلم كما في سنن ابن ماجه 🙁 طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ )، وهنا بصيغة (التذكير) من باب التغليب، فالمرأة داخلة في الخطاب قطعاً، وامتدت الحركة العلمية في الدولة الإسلامية بعد وفاته صلى الله عليه وسلم واهتم به الخلفاء من بعده اهتماماً كبيراً، وبرز منهم علماء وفقهاء، وللآن في مكتبات أوربا وأمريكا نحو مائة ألف مخطوط عربي على أقل تقدير ، وكما أن الاسلام هو دين العلم ، فهو أيضا دين العقل والفكر والبحث والنظر “فالعقل” هو آلة الاستدلال، ولم يرد العقل في القرآن “اسما جامدا” بل ورد فيه في صيغة الفعل المضارع ،الدال على التجدد والاستمرار، فالإسلام في مصادره “ القرآن والسنة ” يجعل العلم “واجبا” يعاقب على تركه، فإذا كان الإسلام هو سبب تخلف المسلمين كما يدعي البعض اليوم ، فكيف تقدم أوائله في عهده المتقدم؟ .
إن الإسلام جعل العلم كالهواء ، لا يحرم منه أي إنسان، وقد قال الأديب والمفكر الفرنسي أناتول فرانس: “إن أسوأ يوم في تاريخ فرنسا هو يوم معركة (بواتيه) التي هزم فيها المسلمون فلم يدخلوا فرنسا”.. فلما استغرب الناس قوله ، أردف قائلا: “لو انتصر المسلمون ودخلوا فرنسا لربحنا سبعة قرون من الحضارة” ، إذن فليس الإسلام هو المسؤول عن تخلف المسلمين وضعفهم، ولاعن فقرهم وإسرافهم، وإنما هم المسئولون عنه، أي المسلمون، وذلك لأنهم خالفوا شريعة الله التي وضعها للناس ، فالإسلام لا يلتقي مع شائن من القول أو الفعل كالفوضى، والظلم، والوسخ، والبذاء، والحقد، ولكن المشكلة فينا نحن “المسلمين” ، لأن الأمة الإسلامية لا تعيش عملياً الحياة التي ارتضاها الله تعالى لها ، وأمرها بأن تحياها، فالله عزّ وجلّ أمر المسلمين أن لا يقبلوا بغير الإسلام ديناً، وبغير الشريعة المحمدية منهاجاً وسبيلاً، وهكذا كانوا في الماضي ممتثلين لأمر الله تعالى، تاركين لنهيه، يجاهدون في سبيله ولا يخافون في الحق لومة لائم ، فمن واجب المسلمين أن يعيدوا النظر في واقعهم هذا، فهو واقع سوء ، بكل ما في الكلمة من معنى، وهو واقع لا يرضي الله تعالى ولا رسوله ولا جماعة المؤمنين، وإعادة النظر هذه تعني فهم الواقع تمام الفهم، ووضع اليد على العلة ـ وهي معروفة الأوصاف والعوارض، وبالتالي العمل بجد ودأب لاستئصال المرض ، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه في عهود الإسلام الزاهرة.
أيها المسلمون
والسؤال : إذا كان الاسلام هو دين العلم والعمل ، ودين الأخلاق والقيم ، وهو دين الحركة في الارض والسعي في مناكبها ، كما قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (15) الملك ، وقال الله تعالى : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (10) الجمعة ، وهو دين اتقان العمل والابداع فيه ، ودين المثابرة حتى آخر لحظة في حياة الانسان ، إذن : فما هي أسباب تخلف المسلمين اليوم ، وفي هذا العصر ؟ ، وللإجابة على هذا التساؤل نقول :
أولا : إن من أهم أسباب تخلف المسلمين اليوم : البعد عن الدين والانهماك في شهوات النفس، وقد حذر من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : (فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنِّى أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ » ، فالأمة الإسلامية تخلفت عن دينها، وابتدعت في دين الله ما ليس منه، عقيدة، وقولاً، وفعلاً، فحصل بذلك التأخر الكبير، والتخلف الكبير، ونحن نعلم علم اليقين ، ونشهد الله عز وجل ، أننا لو رجعنا إلى ما كان عليه أسلافنا في ديننا، لكانت لنا العزة، والكرامة، والظهور على جميع الناس. ولهذا لما حَدَّث أبو سفيان هرقل ملك الروم ـ والروم في ذلك الوقت تعتبر دولة عظمى – بما عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه؛ قال هرقل : (وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا ، فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ) .. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ (وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِى كَبْشَةَ ، هَذَا مَلِكُ بَنِى الأَصْفَرِ يَخَافُهُ ) رواه البخاري ومسلم
ثانيا : وإن من أهم أسباب تخلف المسلمين اليوم : أن المسلمين قد أصبحوا حلفاء للجاهلية الأوربية، وجنوداً متطوعين لها، بل صارت بعض الشعوب والدول الإسلامية ترى في الشعوب الأوبية التي تزعَّمت حركة الجاهلية منذ قرون، ونفخت فيها روحاً جديدة، وركزت أعلامها على الشرق والغرب، ترى فيها ناصراً للمسلمين، وحامياً لذمار الإسلام والمستضعف، وحاملاً لراية العدل في العالم قَوّاماً بالقسط ،ورضي عامة المسلمين بأن يكونوا ساقة عسكر الجاهلية، بدل أن يكونوا قادة الجيش الإسلامي، وسرت فيهم الأخلاق الجاهلية ومبادئ الفلسفة الأوربية سريان الماء في عروق الشجر، فترى المادية الغربية في البلاد الإسلامية في كثير من مظاهرها وآثارها، ترى تهافتاً على الشهوات ونهماً للحياة نهَمَ من لا يؤمن بالآخرة، ولا يوقن بحياة بعد هذه الحياة، ولا يدخر من طيباتها شيئاً، وترى تنافساً في أسباب الجاه والفخار، وتكالباً على الدنيا .
ثالثا : ومن أسباب تخلف المسلمين اليوم : تأخرنا وانحطاطنا في الأمور الدنيوية ، ويتمثل ذلك في إهمالنا للتنظيم والتخطيط في كل الأمور، فمما لا ريب فيه أنّ العمل بالدين وتطبيق أصوله في الحياة يوجب النجاة والنعيم في الآخرة، ويسبب دخول الجنة، والاهتمام بأمور الحياة والكفاح في سبيلها، يسبب رفاهية العيش والرقي في الحضارة ، والحصول على الإمكانيات المادية، ولكل جهد نتيجة، ولكل كفاح ثمرته. وقد أثبتت التجارب أنّ المسلمين كلّما تعلموا أصول التجارة والصناعة والسياسة ، وطبقوها على الحياة، وصلوا إلى ما وصل إليه الآخرون بل وفاقوهم؛ إذن ثبت أنّه ليس سبب بؤسنا وشقائنا ومشكلاتنا هو الإسلام، بل سبب ذلك كله عدم الاهتمام بالديانة والتقوى، وترك الخلق الإسلامي ،وعدم الكفاح في تنظيم الأمور، وسوء التخطيط ،وإهمال أصول التقدم والنجاح.
رابعا : ومن أسباب تخلف المسلمين اليوم : التقليد الأعمى للغرب ، فمما يؤسف أنّ المسلمين لما خالطوا الأوروبيين ، تعلموا منهم الغفلة والإهمال في الدين والمجون والمنكر والفحشاء، ولم يتعلّموا منهم ما يسبب نجاحهم وتقدمهم في شؤون الدنيا، ولم يأخذوا منهم الثبات والمثابرة، والصدق في التجارة، والتنظيم، وطرق التحقيق، والعمل الجادّ للحصول على النتائج الكبيرة، ولا شك أنّ ما يمارسه الأوروبيون من خير، أوصانا الإسلام به، ولكننا لم نطبق الإسلام في حياتنا، ولم نحاك أعداءنا فيما لا يخالف ديننا وينفعنا في دنيانا.
خامسا : ومن أسباب تخلف المسلمين : نجاح أعداء الأمة في فصل الإسلام عن حياة المسلمين، بحيث صوروا لهم وأقنعوا السواد الأعظم منهم أن الإسلام شيء والحياة بكل ما فيها من نظم سياسية واقتصادية واجتماعية.. شيء آخر ، وأنه لا علاقة للإسلام بأي من مجالات الحياة، وأن الحياة يمكن أن تكون سعيدة رغيدة إذا تخلى المسلمون عن دينهم. فغاب العلاج وسر السعادة، ودبت الفوضى ،وتأزمت الأحوال، وبات المسلمون في وضع لا يحسدون عليه على الإطلاق.
سادسا : ومن أهم أسباب تخلف المسلمين اليوم : تخطيط الغرب ، وجهادهم بكل السبل ألا تقوم للإسلام والمسلمين قائمة ، فالغرب هو القوة الأولى في الأرض اليوم ، وقد حكم على الأمة الإسلامية بالسجن المؤبد في التخلف والتبعية المطلقة في كل شيء، فهو يخطط لقمع كل حركة استرداد لتراث الأمة وحضارتها، ويئد كل عمل للارتقاء والتقدم، ويستعمل لأجل ذلك وسائل كثيرة.. فمن أساسيات مراكز القرار في الغرب اليوم، العمل على ضمان تفوق الغرب الدائم المطلق، في كل الميادين الحيوية، مهما كلف ذلك من ثمن، ولو كان الثمن الإفساد والإفقار، بل ولو كان الثمن إزهاق الأرواح ،وسفك الدماء بغير حق، يستوي في ذلك الأطفال والشيوخ ،والنساء والضعفاء، وكذلك استطاع الغرب أن يزرع ويولي على بلاد المسلمين حكاما تابعين له ، ينفذون أوامره ، وسياساته ومخططاته ، ويذيقون شعوبهم ألوانا من العذاب إذا ما طالبوا بالعودة إلى دينهم ، والعمل بكتاب ربهم وسنة رسولهم صلى الله عليه وسلم ، نعم ، إن المسلمين يتحملون جزءا كبيرا من سبب التخلف، لكن ذلك لا يعفي الغرب من التهمة، فالكل يشهد، في كل بلاد الإسلام، ما يخطط له الغرب، بكل عناية وحرص، لتبقى هذه البلدان متخلفة ، بدأ ذلك منذ سقوط دولة الإسلام، وتمزقها على يد الغرب إلى دويلات، لها حدود وجارات، بعضها غنية، وبعضها فقيرة، فأما الفقيرة فزادوها فقرا، وأما الغنية فخططوا لإفقارها، تسعى في سداد ديونها الربوية المتراكمة، وتلك الحدود خلقت جوا من الاضطراب ،والقلق الدائم بين الجارات، فبين كل دولة ودولة مناطق متنازع عليها، فهي فتيل حرب في أية لحظة، بالإضافة إلى تصدير الفساد الأخلاقي وترويجه وجبر الناس عليه ، والاضطلاع بمهمة تحرير المرأة. فالفتن تحيط بدول الإسلام من داخلها وخارجها، فقد زرع الغرب في دول الإسلام من يحمل الولاء الكامل له، وليس فيه أدنى ولاء لبلده وأهله، فهو وطني في الظاهر، لكنه مستغرب، من بني الجلدة، لكنه غربي الهوى، ليس له قصد إلا إلحاق الأمة بالغرب، ولو كان في ذلك تحطيمها في قوتها واقتصادها وأخلاقها.. فهذه الفئة تسعى دائما لإضعاف الأمة، وضمان تفوق الغرب ، وقد أنشأ الغرب منظمات دولية:- كهيئة الأمم المتحدة ولجانها..- وصندوق النقد الدولي.- والبنك الدولي.- ومنظمة التجارة العالمية. لتكون أداة لضمان تفوقه على كافة شعوب الأرض، فهي تُستخدم للتدخل في سياسات الدول، واقتصادياتها، تفتعل الأزمات السياسية والاقتصادية، ثم تتدخل هذه الهيئات في صورة الناصح المشير والمنقذ، وليس لها قصد إلا تعميق المشكلة، فهي تقرض مثلا دولة فقيرة، لكن بشروط وزيادات ربوية تعمق المشكلة ،وتزيد الدولة فقرا إلى فقرها، وهكذا تصبح هذه الدول المقترضة في الدين إلى الأبد، وذلك يستنزف الناتج القومي. وفي مثل هذه الأحوال العصيبة، والمشاكل التي لا تنتهي، تفتقر بلاد الإسلام إلى أهم أسباب التقدم، من استقرار وأمن ورخاء، ويكون بدلا عنها الاضطراب وقلق الحرب والفقر. .كما ينصرف جهدها في الحفاظ على القيم، ودفع أولئك المستغربين من بني الجلدة، الذين يشغلون الأمة كل يوم بما لا يعود عليها بالنفع، بل بالضرر، الذين لا هم إلا الكلام عن المرأة وحقوقها المزعومة، ودعواهم وفريتهم العريضة أنها مظلومة، يحكمون على الأمة أن تعيش حالة حرب مع الأخلاق الوافدة الفاسدة الدخيلة على المجتمع، تستنزف جهدها وطاقتها في ذلك.. فهؤلاء الأعداء من الداخل ومن الخارج هم من أكبر أسباب تخلف الأمة، والعدو الخارجي هو الأكبر، وإنما الذي في الداخل تبع له، ولولاه ما وجد. والإنسان هو الإنسان في كل مكان في الأرض، فالإنسان الشرقي ليس أقل من نظيره الغربي ، من حيث ملكة التفكير والعقل…فكل ما في الأمر أن الغرب من سياسته تبني العقول الذكية، بفتح المجال لها لتبدع وتنتج، على العكس من سياسة الشرق، خاصة بلاد الإسلام، إلا ما ندر، الغارق في مشاكله الخاصة، الذي لا يفكر في تبني العقول الموهوبة، مما يدفع بكثير منها إلى الهجرة إلى حيث الاحتضان والرعاية العلمية (بالغرب)، وليس من العسير أن نبحث عن أعداد ليست بالقليلة من العلماء العباقرة من المسلمين يديرون مراكز علمية غربية، طبية وفلكية وصناعية، وغير ذلك.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( هل الاسلام هو سبب تخلف المسلمين اليوم ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والاسلام لا يمنع الانفتاح على الآخرين، ولا يمنع التبادل الثقافي والمعايشة والمساكنة، ولكن بالعزة التي ينشئها الإيمان في نفس المؤمن ،والتميز الذي يصنعه المنهج في فكر المؤمن. إن العالم الملحد، والعلم الالحادي، موجود يملأ الأرض، والذي تحتاج إليه البشرية لتنجو من الدمار ليس مزيداً من ذلك العلم، ولا أولئك العلماء، إنما تحتاج البشرية إلى العلم الإيماني ،والى العالم المؤمن، وهذا هو الذي ينشئه المنهج الإسلامي، ، لقد كانت الأمة الإسلامية – يوم كانت حقاً – أمة عالمة، بل كانت هي الأمة العالمة في الأرض، ومنه تعلمت أوربا كثيراً من العلوم، وتعلمت المنهج التجريبي في البحث العلمي. ولكنها كانت دائماً تؤمن بالغيب… وهذه مزيتها : الإيمان بعالم بالغيب وعالم الشهادة في آن واحد، بلا تناقض ولا صِدام فمتى ما ترجم كلام الله إلى عمل، إلى الإيمان الصحيح والاستقامة والتقوى فإننا نشعر بالسعادة والراحة والطمأنينة، وإذا خالفنا المنهج الرباني، فإن الله تعالى يجعل حياتهم حياةً قاسيةً، فالجزاء من جنس العمل. قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ الاعراف (96) ، فهذه الآية تتحدث عن العطاء الرباني للإنسان السوي، فإنه يكفل لهم أرزاقهم. وبما أن الرزق مكفول لهم، فإنهم بحاجة ماسة إلى القوة العسكرية للدفاع عن النفس والوطن والدين فهم بحاجة إلى عدة القتال وكذلك ما يحتاجونه من الآت لتطوير الصناعة، فلبى لهم الله تعالى ما يحتاجونه في حياتهم، وذلك قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ الحديد (25) ، وقد كانت الحضارة الإسلامية حين كانت الأمة في أوجها. ما من مجال من مجالات النشاط الخيّر الا خاضه المسلمون، بناء المدن وتعبيد الطرق السياحة في الأرض لكشف مجاهيلها، واستغلال ما سخَّر الله للناس من طاقات السماء والأرض في البناء والتعمير ، والتقدم العلمي، التهذيب الخلقي الصدق، الأمانة، الجد والجلد والمثابرة، وكل الخصال التي تنشئ أمة عظيمة
أيها المسلمون
فإذا كانت هذه هي بعض أسباب تخلف المسلمين ، فإذن كيف يستعيد المسلمون حضارتهم ، وينهضوا من كبوتهم ، ويستعيدوا ماضيهم ، ويتفوقوا على أعاديهم ؟ ، فتقول : لا ينهض العالم الإسلامي إلا برسالته التي وكلها إليه مؤسِّسها صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بها والاستماتة في سبيلها، وهي رسالة قوية واضحة مشرِّفة، لم يعرف العالم رسالة عدل منها، ولا أفضل ولا أيمن للبشرية منها، وهي نفس الرسالة التي حملها المسلمون في فتوحهم الأولى والتي لخصها أحد رسلهم في مجلس ملك إيران بقوله : (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد، إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)، إنها رسالة لا تحتاج إلى تغيير كلمة ،وزيادة حرف، فهي منطبقة تمام الانطباق على القرن العشرين ، انطباقها على القرن السادس المسيحي، كأن الزمان قد استدار كهيئته يوم خرج المسلمون من جزيرتهم ، لإنقاذ العالم من براثن الوثنية والجاهلية، فإذا أراد العالم الاسلامي أن يضطلع برسالة الإسلام ، ويملك قيادة العالم، فعليه بالمقدرة الفائقة، والاستعداد التام في العلوم والصناعة والتجارة وفن الحرب، وأن يستغني عن الغرب في كل مرفق من مرافق الحياة، وفي كل حاجة من الحاجات، يقوت ويكسو نفسه، ويصنع سلاحه، وينظم شؤون حياته، ويستخرج كنوز أرضه وينتفع بها، ويدير حكوماته برجاله وماله، ويمخر بحاره المحيطة به بسفنه وأساطيله ويحارب العدو ببوارجه ودباباته وأسلحة بلاده، وتزيد صادراته على وارداته، ولا يحتاج إلى الاستدانة من الغرب، ولا يضطر إلى أن يلجأ إلى راية من راياته وينضم إلى معسكر من معسكراته ،
وبما أن رسالة الإسلام ليست رسالة لقوم أو أمة معينة، ولم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعرب وحدهم، بل هو الرحمة المهداة للعالمين كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ الا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ﴾ الانبياء 107، فلابد من إيصال صوته إلى كل بقعة من بقاع العالم، فإننا نعتقد أن أزمات العالم بيد هذه الأمة المرحومة، والحل الوحيد هو تحول القيادة العالمية، وانتقال دفة الحياة من اليد الأثيمة الخرقاء التي أساءت استعمالها، إلى يد أُخرى بريئة حاذقة. هذا التحول الذي يغير وجه التاريخ، ويحول مجرى الأمور، وينقذ العالم من الساعة الرهيبة التي ترقبه، إن حقاً على كل بلد إسلامي وشعب إسلامي أن يشد حيزمه لذلك، وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه، والتحرر من الهيمنة الغربية أمر ممكن ، بشرط : صدق العزيمة، والقوة في العمل، والتميز في الأداء، حتى تكون الصبغة إسلامية، والتخلص من المصالح الشخصية، والتخلص كذلك من الفئات الفارغة التي تشغل الأمة ولا تفيدها بشيء. ولا يعني ذلك أن الغرب سيسكت، بل سيمارس كل ما يضمن له التفوق، لذا على المسلمين الاستعداد للرد على كل وسيلة يتخذها، فعليهم إذن حسن التخطيط للتقدم، كما أن عليهم حسن التخطيط لصد كل ما يتخذه الغرب لعزلهم عن المقدمة.
الدعاء