خطبة عن ( ما هي أمنيات الموتى )
يناير 10, 2016خطبة عن ( نماذج لرجال صالحين لهم مع الله خبيئة)
يناير 11, 2016الخطبة الأولى ( هل لك مع الله خبيئة ؟ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِىَّ الْغَنِىَّ الْخَفِيَّ » ،
إخوة الإسلام
هناك أناس لهم مع الله خبيئة من عمل صالح لا يطلع عليه أحد من البشر ، هؤلاء الرجال والنساء الأتقياء الأنقياء الأخفياء، ربّاهم القرآن ورعاهم الرحمن، باعوا دنياهم الفانية من أجل الآخرة الباقية، فكانت أعمالهم حياة لقلوبهم ونوراً لقبورهم وربحاً لآخرتهم. قال عمرو بن ثابت : (لما مات علي بن الحسين فغسّلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره . فقالوا : ما هذا ؟ قالوا : كان يحمل جُرْب الدقيق يعني أكياس الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة ). فخبيئتك وعملك الصالح الذي لا يطلع عليه أحد من الناس ، هو أبعد ما يكون من الرياء والسمعة ، لذلك، يقول الله تعالى:( إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) 271سورة البقرة ، و خبيئتك وعملك الصالح هي زينة العبد في خلوته، وزاده لآخرته.. بها تُفرَج الكربات وتسمو الدرجات وتكفر السيئات. إنها الخبيئة الصالحة، وهي كنز من كنوز الحسنات، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : كما في البخاري « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ » ، والخبيئة تثمر قرب العبد من ربه ، فيجد العبد لذة العمل الصالح الخفي ،ويرزق الهمة والدوام عليها ، وقد يجعلها الله سبباً في رفع الدرجات. و خبيئتك وعملك الصالح هي مشبعة بالإخلاص، مجبولة بالصدق، محصنة بالكتمان: وهي من الأعمال الصالحة التي لا يثبت عليها إلا المؤمنون الصالحون الذين ملأ حبُّ الله وخشيته أركان قلوبهم، فتوجهوا إليه وحده، بعيداً عن العيون والأنظار، في أجواء إيمانية صافية لا تشوبها شوائب طلَب السمعة والشهرة، أو التعلّق بالمدح والثناء أو شائبة الرياء. ، يروى أن عبد الله بن المبارك كان يضع اللثام على وجهه عند قتاله في سبيل الله كي لا يُعرف. ولذا قال الإمام أحمد: ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبيئة كانت له. وقد كانت زبيدة، زوجة هارون الرشيد، قد حفرت بئراً للحجاج ولما توفيت رئيت في المنام، فقال لها ابنها: ما فعل الله بك؟ قالت: كدت أهلك -أي: أُعَذَّب- فقال: وأين العين -عين زبيدة – وأجرها وثوابها التي أجريتِها للحجاج؟ قالت: ما نفعتني بشيء، وإنما غفر الله لي بركعتين كنت أركعهما في السحر. فكم من عمل سهل خفي قد يكون سبباً للنجاة ! ، وفي الحديث قال رَسُولُ الله : (إِنهَا سَتَكُونُ بعدِي فِتَن، أَو قَالَ: أُمُور، (خَيرُ اَلنّاسِ فِيهَا اَلغَنِي اَلخَفِيُّ اَلتَّقِي ) رواه مسلم. والمعنى أنه عند ظهور الفتن يكون خير الناس من يستغني بالله ولا يهتم أن يعلم الناس به أو بعبادته، بل يحرص على إخفاء طاعته.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( هل لك خبيئة ؟ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين أما بعد أيها المسلمون
وانظروا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ففي كتب السير والتراجم ، أنه كان إذا صلى الفجر خرج إلى الصحراء فاحتبس فيها شيئاً يسيراً، ثم يعود إلى المدينة، فعجب عمر رضي الله عنه من أمره فلحقه واختبأ له خلف صخرة، فدخل الصدّيق خيمة ولبث فيها قليلاً، فلما خرج دخل عمر رضي الله عنه إليها فإذا فيها امرأة ضعيفة عمياء وعندها صبية صغار، فسألها عمر: من هذا الذي يأتيكم؟ فقالت: لا أعرفه ولكنه رجل من المسلمين يأتينا كل صباح فيكنس بيتنا، ويعجن عجيننا، ويحلب شاتنا، فخرج عمر وهو يبكي ويقول: لقد أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر!.. ورحم الله الزاهد الورع بشر بن الحارث: كان يقول : (لا يجد حلاوةَ الآخرة رجل يحب في الدنيا أن يعرفه الناس). ، ويقول الحسن البصري: (إنْ كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عَبرَتُه فيردّها، فإذا خشي أن تسبقه قام). ، وكان ابن المبارك يضع اللثام على وجهه عند القتال لئلا يُعرف! قال أحمد: ما رفع الله ابنَ المبارك إلا بخبيئةٍ كانت له.
أيها المؤمن
هذه هي خبيئاتهم ، فهل لك خبيئة ؟ فما هي خبيئتك ؟ ، فلنقتدِ بهذا الركب الطاهر، ولْنَسِرْ على دربهم.. فهيّا أختي المسلمة إلى خبيئة من العمل الصالح تتاجرين فيها مع الله تكسبين فيها الربح والفلاح والرضوان، هيّا إلى دوحات البر والخير، من صلاة في دُجى الليل والأهل نيام… من تلاوة لكتاب الله بتأمل وخشوع وخضوع… من مناجاة لله بالأسحار ، واستغفار وتسبيح ودعاء بدموع الخوف والرجاء.. أو صيام لا يعلمه إلا الله… أو تفريج لمكروب، أو إغاثة لملهوف… أو صدقة في السر تطفئ غضب الرب. .ولتكن لنا خبيئة صالحة ندّخرها ليوم فقرنا وذُلّنا، ليوم تشخص فيه الأبصار… ليوم تُبْلى فيه السرائر.. ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. فلتكن تلك الخبيئة مغلّفة بالصدق، معطّرة بالإخلاص، محاطة بالكتمان، حتى لا تفقد جمالها وصفاءها، وأجرَها وثوابَها. تاجري مع الله ولا تتوانَيْ، ولا يَغُرَّنّكِ جُنونُ عصرنا بشهوة «النجومية» واللهث وراء «الشُّهرة»! والتخفِّي وراء عبارات «تقدير الذات» و«الثقة بالنفس»!! فالتجارة مع الله أكيدة ورابحة، وما الربح إلا ربح الآخرة قال الله تعالى : ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آل عمران: 185].
الدعاء